لعل من سخرية الأزمان أن يصبح فيه ثراثرة
السياسة والمشبوهون واللاعارفون ضيوفاً على بعض المنابر الإعلامية ذات
الانتشار الواسع كمحطات بعض الفضائيات العربية وبعض الصحف ذات الصيت
الكبير في العالمين العربي والإسلامي حيث يفسح المجال كاملاً للتصريح
بكثير من الثرثرات السياسية اللامسؤولة فيما يخص الشأن العراقي الواضح
في جانبي حقه وباطله.
حين تطغوا المصالح في الإعلام على ما سواها
تضييع الحقائق لهاث بعض قادة الإعلام العربي خصوصاً وراء العمل لسد
الفراغ الناجم عن ضرورة تقديم برامج تفي بمليء وقت البث أو مساحة النشر
بات من الظواهر الإعلامية الراهنة التي تقضي تقويماً يستند إلى مراجعة
نقدية ذاتية من أجل حفظ شرف المهنة الإعلامية – على الأقل – أما أن
يكون أي برنامج يقدم أو مقال ينشر وكيفما جاء بهما من طروحات أو
اجتهادات مسبقة بعيدة عن مبدأ الموضوعية وتفتقر لحكم الضمير في المشاكل
والظروف الواضحة الأبعاد ففي ذاك إساءة لسمعة تلك المنابر الإعلامية
التي تجيز لوسائلها تقديم الترهات عند مناقشة موضوع معين كما لوحظ ذلك
بشكل خاص في البرامج المرئية والصحف العربية بكثير من الأحيان.
ومن عجائب بعض الفضائيات العربية التي يعلم
مسؤولوها من هم خونة العراق الذين كانوا عناصر موالية لفريق صدام
السياسي وتدور حول شخوصهم الشبهات وكيف وقفوا في خندق معاداة الشعب
العراقي واغتالوا أبر أبناؤه من المواطنين الشرفاء الذين رفضوا أن يكون
سلعاً تباع وتشترى في سوق نخاسة جرائم النظام الصدامي المهزوم إبان
أيامه الصعبة أصبحوا اليوم بقدرة مقتدر ضيوفاً مكررين على تلك المنابر
الفضائية ليتفوهوا مدافعين بالتصريح تارة وبالتلميح في أخرى في محاولة
لاستمرار التمويه على الرأي العام العربي (وليس الرأي العام العراقي)
ومحاولة إظهار النظام وكأنه كان ضحية لمبادئ وطنية أو قومية أو تحررية
كانت سابقاً أبواق النظام تروج لها من خلال إعلامياته المرئية
والمسموعة والمقروءة الأجيرة وما لتلك الإعلاميات من مرتزقة عروبيون
مزيفون موزعون على خارطة بعض الإعلاميات غير العراقية آنذاك.
ويفوت مسؤولوا الإعلام السلبيون من نقل الحقيقة
كما ينبغي أن تنقل أنهم بسماحهم لأولئك الثرثارين من العراقيين
والعروبيين المزيفين حول القضية العراقية أن يتفوهوا كيفما يشاؤا هي
أمور تنعكس سلباً على سمعة تلك الإعلاميات ذاتها فإذا كان الشعب
العراقي لا يصير أذن صاغية لما يقوله ضيوف الإعلاميات المنوه عن
غاياتهم فإن ما لا يمكن الإشارة إليه بهذا الصدد أن أعداداً هائلة من
الأشقاء العرب ممن باغتهم الإعلام العربي السلبي سابقاً بدؤا ينتقلون
من صف معسكر الدعاية الكاذبة التي كانت سائدة لضاع جرائم نظام صدام إلى
معسكر الشعب العراقي الذي كان ضحية عنجهيات ذاك النظام.
إن سوق الإعلام العروبي السلبي أو السلبي ضد
مصالح شعب العراق لكثرة ما قيل من على منابره المنوعة علناً أو ضمناً
ضد – الإنسان العراقي – هي سوق غير رابحة بسبب كون ما تطرحه تلك السوق
هي بضائع كلام فاسد ولا يخدم الحقيقة التاريخية الحادثة في العراق،
فبعد أن فقد المبدأ الإعلامي المحبذ الموصي بتقصي الحقائق عن أي مواد
معلوماتية تبث أو تنشر لدى تلك الإعلاميات في جانبها السلبي المشار له
كان وما زال من الطبيعي أن تكون ردة الفعل سواء لدى العراقيين أو سواهم
من ذوي الضمائر الحية والمنصفين من الإخوة العرب وغيرهم أن يقوموا
وجهات ما يطرحه أي إعلام حول المشكلة العراقية التي كشفت بما لا يقبل
الجدل أن الشعب العراقي برمته كان مستهدفاً لدى النظام الصدامي بيد أن
ضحاياه الذين باتوا في المقابر الجماعية التي اكتشف عدد ضئيل منها حتى
الآن قد ضمت رفاة أعداد هائلة من الأطفال والنساء والشيوخ وهم في كامل
ملابسهم المدنية التي كانوا يرتدوها قبل إنزالهم وهم أحياء في تلك
الحفر – القبور الواسعة.
إن انطباعات المجتمع العراقي عمن بقي من
المحسوبين على صف العروبة الآن أولئك الذين لم يتعظوا من حقيقة وقوف
صدام وراء الضحايا العراقيون ويتجرؤا بلا أدنى درجة من الحياة على
الحقائق الجرمية الثابتة التي انتهجها الفريق السياسي لصدام ضد الشعب
العراقي ويحاولوا أن يبرروا ذلك تحت مبررات وتسميات مختلفة يوقعون
أنفسهم في إثم عظيم إذ أن (لوم الضحية) يعتبر أقسى من مُنزل الموت
بالضحية ذاتها.
لقد خلع بعض قادة الإعلام العرب كما هو معروف –
الرحمة من قلوبهم وباتوا يسمحون لعناصر وأزلام نظام صدام كي ينالوا من
حق الشعب العراقي أن يفرح لسقوط نظام أجرم بحقهم تحت ذرائع عديدة
وهؤلاء القادرة الإعلاميون لا يهمهم – كما يبدو – أن يبدن سييء السمعة
أمام الرأي العام العربي والرأي العام العراقي نتيجة لتغليب مصالحهم
الشخصية ويتمردوا على الوقائع بهذا الشكل المزري الذي أجازوا فيه أن
يكونوا في صف أعداء العراق وعلى حسبة تكبر في نفوسهم مفادها (أن الخيار
السهل هو أن نكون مع الحكام وإن سقطوا وليس مع الشعوب وإن بقوا!) وهذا
هو حال العروبيون المغفلّون الذين فهموا صدام وادعاءات ومواقف حكمه
الظالم خطأً ويتناسون اليوم وعن عمد أو جهل حق المجتمع العراقي في رفض
أي ظلم وكل ظالم. |