اخفقت الدول الاعضاء الـ25 في الاتحاد الاوروبي
الموسع أمس في بروكسيل في التوصل الى اتفاق يمنح اوروبا دستورها الاول
وقررت تكليف الرئاسة الايرلندية المقبلة للاتحاد متابعة المفاوضات في
هذا الخصوص، الامر الذي يفتح الباب امام تساؤلات حيال مستقبل التكامل
الاوروبي.
ونظرا الى استحالة التوفيق بين المواقف
المتباعدة في شأن نظام التصويت داخل الاتحاد، وهو حجر الزاوية في
النقاش، اعلن رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني فشل القمة مسلما
القضية الى ايرلندا التي ستتولى اعتبارا من الاول من كانون الثاني
المقبل الرئاسة الدورية.
وبرر قراره انهاء المؤتمر الحكومي بعد يومين من
المحادثات المكثفة الثنائية في محاولة لتقريب وجهات النظر ان "الخلاف
كان تاما حيال نظام التصويت".
وقال خلال اعلانه فشل القمة ان "الوضع لم ينضج
بعد.
كان ينبغي منح المسألة مزيدا من الوقت" لكنه
استدرك ان "الوضع ليس ماسوياً مشيرا الى الاتفاق شبه الكلي على النقاط
الاخرى في مشروع الدستور وخصوصا حول مسألة الدفاع الاوروبي. ومن جهته،
قال الرجل الثاني في الحكومة الايطالية جيانفرانكو فيني ان "الرئاسة
تعارض التسوية كيفما كان".
وخلال الاجتماعات واللقاءات الثنائية منذ
الجمعة، لم تتمكن الرئاسة الايطالية من التوصل الى تسوية في شأن
التصويت بين انصار "الغالبية المزدوجة" المقترحة في مشروع الدستور من
جهة واسبانيا وبولونيا اللتين تشددان على التمسك بما منحتهما اياه
معاهدة نيس قبل ثلاث سنوات من جهة اخرى.
ودارت المواجهة بين الثنائي الفرنسي- الالماني
واسبانيا وبولونيا اللتين ترفضان التخلي عن حصولهما على وزن مواز
تقريبا للدول "الاربع الكبرى" (باريس وبرلين ولندن وروما) الذي منحتهما
اياه معاهدة نيس في كانون الاول 2000 من خلال عملية التصويت بالغالبية
في المجلس الوزاري الاوروبي.
ومشروع الدستور الحالي يعيد النظر في هذا المكسب
عبر اقتراحه اعتبارا من عام 2009 ان تتخذ القرارات بـ "الغالبية
المزدوجة".
اي ان امرار اي قرار لا يحتاج فقط الى موافقة 50
في المئة من الدول الاعضاء ولكن ينبغي ان تضم الدول الموافقة 60 في
المئة من السكان.
وانعكاسا لموقف الدول التي دافعت عن "الغالبية
المزدوجة" التي يقترحها المؤتمر الاوروبي، برر رئيس الوزراء البريطاني
طوني بلير قرار الرئاسة الايطالية بقوله: "لدينا الوقت للتوصل الى
اتفاق واعتقد شخصيا ان الرئاسة اتخذت القرار المناسب".
ومن جهته، قال رئيس وزراء دوقية اللوكسمبور جان
كلود يونكر "من اجل وضع دستور، لا يحق لنا المبالغة في طموحنا، من
الافضل ان نمنح انفسنا مزيدا من الوقت والتفكير".
واعتبر المفوض ميشال بارنيه الذي مثل المفوضية
الاوروبية في المؤتمر الحكومي انه "كان من الانسب تعليق المفاوضات بدلا
من تشويه طبيعة نص الميثاق"، واضاف ان "الروح الاوروبية والطموح
الجماعي كانا غائبين في جلسات اليوم".
ومن اجل تجاوز فشل القمة، استعاد الرئيس الفرنسي
جاك شيراك على الفور فكرته القائلة بتشكيل "مجموعات رائدة" بغية السماح
بمواصلة التقدم في بناء اوروبا.
وقال في هذا الخصوص: "اشدد على الاعتقاد انه حل
جيد لانه يعطي حافزا ويجسد مثالا، اعتقد ان
ذلك سيسمح لاوروبا بالتعجيل اكثر وابعد وفي شكل افضل".
وشدد على ضرورة ان تكون هذه المجموعات التي
ستتشكل لتغطية مجالات مختلفة مفتوحة امام الجميع و لا تعيد النظر في
المكتسبات.
وكان الحرص على عدم تعميق الانقسامات الشاغل
الاكبر للمسؤولين، وقد تبدى ذلك من خلال تصريحاتهم وخصوصا من الدول
الست المؤسسة التي تعتبر الداعم الرئيسي لنص الميثاق. وفي هذا السياق،
اعلن برلوسكوني انه ليس من "انصار مبادرة تطلقها الدول الست المؤسسة"،
وكذلك يونكر الذي رفض تشكيل "نواة صلبة" داخل الاتحاد في المدى القصير
قائلا ان "اوروبا تسير بسرعتين لن يكون نتيجتها سوى ان تشهد خلافات
مستمرة".
ورغم ذلك، ضاعف القادة التصريحات المطمئنة الى
ان التوصل الى اتفاق يبقى ممكن التحقيق حلال الاسابيع او الاشهر
المقبلة.
ومن جهته، اعرب رئيس الوزراء البولوني ليزيك
ميلر الذي دافع بطريقة صلبة عن المزايا المكتسبة في قمة نيس في ما
يتعلق بنظام التصويت، عن "التفاؤل" بفرص التوصل الى "حلول مقبولة" في
غضون الاشهر المقبلة من جانب جميع دول الاتحاد الموسع. اما المستشار
الالماني غيرهادر شرودر، فقال: "سنترك للرئاسة الايرلندية عناية الحكم
بالنسبة الى توافر الشروط اللازمة من اجل تحقيق تقدم".
ويبدو انه لا يمكن تجنب اخذ مهلة للتفكير، كما
ان الرئاسة الايرلندية لا تنوي التسرع في معاودة اطلاق المؤتمر الحكومي.
وقال رئيس الوزراء الايرلندي بيرتي اهيرن: "لن
يكون هناك مؤتمر حكومي خلال الاشهر المقبلة"، واضاف: "لا اعتقد انه
سيكون هناك اتفاق قبل آذار. ليس هناك ارادة سياسية كافية للتوصل الى
اتفاق".
ورغم عدم توصلهم الى تفاهم دستوري، تمكن قادة
الاتحاد الاوروبي من الاتفاق على توزيع مقرات بعض الوكالات الاوروبية.
وكان هذا الملف موضع خلاف بين الدول الاعضاء منذ
سنتين، وبموجب الاتفاق، سيكون مقر الوكالة
الاوروبية للامن الغذائي الذي تنازعت عليه الدول اكثر من غيره، في
بارما الايطالية.
كما سيكون مقر وكالة تقويم المنتجات الكيميائية
المستقبلية في فنلندا التي طالبت باستضافة وكالة الامن الغذائي.
فيما أظهرت الصحف البريطانية مواقفها من الفشل
حيث رحبت الصحف البريطانية المشككة في اوروبا امس بفشل قمة بروكسل حول
الدستور الاوروبي المستقبلي وقالت ان ذلك يمثل «صفعة لرئيس الوزراء»
البريطاني توني بلير الذي تجاهل مطالب تنظيم استفتاء حول هذه المسألة.
واسفت صحيفة «اوبزورفر» المؤيدة للبناء الاوروبي
لموقف بولندا مشيرة الى ان «تعنت» رئيس الوزراء البولندي ميلر كان
موازيا لتعنت المستشار الالماني غيرهادر شرودر الذي رفض اية تسوية لوضع
اوروبا على مسارها.
وخلصت الى القول «نتيجة المفاوضات هي ان اوروبا
يجب ان تواجه ازمة عميقة».
و«رحبت» صحيفة «صاندي تايمز» بفشل المفاوضات
التي اجريت السبت.
من جانبها أبرزت صحيفة «نيوز اوف ذي وورلد» احدى
الصحف الصادرة امس الاحد الاوسع انتشارا في بريطانيا على صفحتها الاولى
هذا العنوان «الركلة الاوروبية في اسنان بلير». وقالت: «نهنئ رئيس
الوزراء البولندي ليزيك ميلر «لفشل المفاوضات. لقد دافع عن مواطنيه
امام الالمان في حين بدا بلير مستعدا للتماشي معهم.
فشل المفاوضات حول الدستور يوم عظيم لشعوب
اوروبا». وتابعت: «سيدرك القادة الان ان حلمهم في ولايات متحدة اوروبية
اضمحل».
وقالت صحيفة «صاندي اكسبرس»: «المسؤولون
الاوروبيون زجوا بنا منذ زمن الى دولة عظمى فيدرالية».
ومضت تقول ان «هذا الخلاف يعطي مجالا للتفكير
وفرصة للشعب البريطاني لأن يسمع صوته في تصويت كان من المفترض ان يتم
منذ زمن». |