مجلة النبأ تشترك في فعاليات ندوة المحكمة الجنائية
الدولية وتوسيع نطاق القانون الدولي الإنساني بدمشق في 13 – 14 كانون
الأول 2003م.
وحضر فعاليات الندوة مدير العلاقات العامة للمجلة
بسام محمد حسين حيث تم تغطية فعاليات الندوة والمشاركة في الحوار حول
موضوعات الندوة...
كلما تعمقنا في القانون الدولي الإنساني كلما وجدنا
أن هناك شوطاً كبيراً يفصلنا عن الحماية المتكاملة لكرامة الإنسان، لذا
ارتأ الاختصاصيون إنشاء محكمة جنائية دولية لتكون جزء لا يتجزأ من
القانون الدولي الإنساني ولتكون القوة الدافعة للحد من انتهاكاته، لقد
نصت ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها إذ تدرك
أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات الشعوب تشكل معاً
تراثاً مشتركاً وإذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال
قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا فظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير
الإنسانية بقوة، وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن
والرفاه في العالم، وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع
الدولي يجب أن لا تمر دون عقاب.. فقد وضعت حداً لمرتكبي الجرائم كما
عقدت العزم أيضاً على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة.
ولضمان الكرامة الإنسانية أخذت المحكمة الجنائية
الدولية على عاتقها البت في:
- جرائم الإبادة الجماعية.
- جرائم ضد الإنسانية.
- جرائم الحرب.
- جريمة العدوان.
يذكر أن الندوة أقيمت بدعوة من اللجنة الدولية
للصليب الأحمر ومن بين الحضور السيد الأستاذ الدكتور هاني مرتضى، وزير
التعليم العالي
- القاضي فيليب كيرش، رئيس المحكمة الجنائية
الدولية
- هانس بيتر كاول – قاضي في المحكمة الجنائية
الدولية.
- د. عبد الرحمن العطار، رئيس منظمة الهلال الأحمر
العربي السوري.
- السيد ديتر بفاف، رئيس بعثة اللجنة الدولية
للصليب الأحمر في دمشق.
وتضمنت الندوة عدة محاور وكانت الجلسة الأولى
بعنوان التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، وترأس الجلسة د. بشار
الجعفري رئيس إدارة منظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية السورية
والدكتور عامر الزمالي من القاهرة والدكتور محمد عبد الرحمن بو زبر
جامعة الكويت والدكتور محمد يوسف علوان من جامعة اليرموك – الأردن وفي
الجلسة الثانية كان محور النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة
غير الدولية وترأس الجلسة السفير سعيد البني رئيس الوفد السوري في
الاجتماع التحضيري لنظام روما والقاضي أمين المهدي، المحكمة الجنائية
الدولية ليوغسلافيا سابقاً والدكتورة أمل يازجي جامعة دمشق سورية،
والدكتور محمد سعد سيد صالح جامعة حلوان مصر.
والجدير بالذكر أن المناقشات والأسئلة المطروحة حول
المحاور وخاصة بما يتعلق لعدم تعريف المحكمة للنزاع الدولي وغير الدولي
وكما أشير إلى أهمية معالجة الميثاق الأساسي بحيث أن غياب الالتزام
يسبب ضعف لقرارات اللجنة مقارنة باتفاقية جنيف التي تلزم الحكومات...
وعن عدم إدراج مفهوم الإرهاب في نشاط المحكمة الجنائية الدولية فيعود
إلى خلاف الدول على تحديد مفهوم الإرهاب وأركانه.
المحكمة الجنائية الدولية والنزاعات المسلحة
الدولية وغير الدولية.
د. أمل يازجي – 13/12/2003م
مخطط البحث: تمهيد
أولاً: المحكمة الجنائية الدولية والنزاعات المسلحة
بأنواعها.
ثانياً: أنواع النزاعات المسلحة:
أ) النزاعات المسلحة الدولية:
1- تعريفها.
2- أنواعها.
3- ما موقف المحكمة من الانتهاكات التي ترتكبها
القوات التي تعمل تحت إمرة الأمم المتحدة؟
4- أنواع النزاعات المسلحة الدولية.
5- القواعد القانونية التي تحكم هذه النزاعات.
6- المحكمة الجنائية الدولية وجرائم الحرب زمن
النزاعات المسلحة الدولية.
ب) النزاعات المسلحة غير الدولية:
1- التكييف القانوني للنزاعات المسلحة.
2- تعريف النزاع المسلح غير الدولي.
3- ما أخرجه المشرع من نطاق النزاعات غير المسلحة.
4- أطراف النزاع المسلح غير الدولي.
5- النزاع المسلح غير الدولي والاضطرابات والتوترات
الداخلية.
6- المحكمة الجنائية الدولية وجرائم الحرب زمن
النزاعات المسلحة غير الدولية.
الخاتمة.
تمهيد:
لا يعتبر التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية
والنزاعات المسلحة غير الدولية شأناً يسهل فقط موضوع دراسة هذه
النزاعات، بل يترتب على هذه التمييز نتائج سياسية وقانونية هامة تصل
إلى حد الافتئات على مفهوم السيادة الوطنية وحدود هذه السيادة وشرعية
مفهوم التدخل لأغراض إنسانية، كما يترتب على هذا التمييز نتائج يمكن
الاستناد إليها، من جهة، للتعرّف على دور العسكريين المقاتلين في
النزاعات المسلحة الدولية، حيث يقع على عاتقهم مهمة تنفيذ كل أحكام
القانون الدولي الإنساني وقانون النزاعات المسلحة خلال العمليات
القتالية، دون إمكان التذرع بأوامر القادة من سياسيين وعسكريين على حد
سواء، أو حجة الدفع بعدم المسؤولية عن الانتهاكات المرتكبة لهذين
القانونين، ومن جهة أخرى يساعد ذلك على تحديد حقوق المتحاربين
وواجباتهم في النزاعات المسلحة غير الدولية، إضافة إلى دور رجال الأمن
الداخلي في هذه النزاعات، ويبرز للحقوقيين من رجال قضاء ومحاميين إضافة
إلى الساسة، الطبيعة القانونية لكل من هذه النزاعات والقوانين التي
تحكمها، ذلك أن المشرع الإنساني التي تحكم هذه النزاعات بصورة أكبر
وأهم وأشمل مما قام به على صعيد النزاعات المسلحة غير الدولية.
وبما أن المحكمة الجنائية الدولية هي الأداة
المفترضة لمراقبة تنفيذ ما أقره القانون الدولي الإنساني وقانون
النزاعات المسلحة من قواعد والتزامات، فهي حتماً معنية بالتمييز بين
النزاعات المسلحة الدولية وتلك غير الدولية، وكما أن الطابع غير الدولي
لبعض النزاعات لم يمنع سابقاً إمكانية ملاحقة ومعاقبة مقترفي بعض
الجرائم على المستوى الدولي عن طريق محاكم جنائية خاصة مثل محاكم
يوغوسلافيا السابقة وروندا، ومن قبلها طوكيو ونورمبرغ، فلا بد مستقبلاً
للمحكمة الجنائية الدولية أن تقوم بالدور ذاته، لكن مع تلافي الطابع
الانتقائي الذي شاب هذه المحاكم الخاصة، ليكون كل فعل يمس أو يهدد
الأمن والسلم الدوليين حتى وإن ارتكب على المستوى الداخلي واقع ضمن
اختصاص المحكمة.
أولاً: المحكمة الجنائية الدولية والنزاعات المسلحة
بأنواعها
تعتبر المحكمة الجنائية الدولية ذاتها صاحبة اختصاص
في كل مرة يتعرض فيها (الأطفال والنساء والرجال... لفظائع لا يمكن
تصورها) خاصة بالنسبة للأفعال التي (تهدد السلم والأمن والرفاه في
العالم)(1)، دون أن يعني ذلك (أذناً لأية دولة طرف
بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشؤون الداخلية لأية دولة)(2)
ويظهر من هذه القاعدة الأساسية ما يلي:
1- لم تقصر المحكمة اختصاصها على نوع معين من
النزاعات المسلحة.
2- معيار دخول أي جرم ضمن اختصاص المحكمة هو فظاعته
وتهديده للأمن والسلم، دون الإشارة إلى نوع النزاع المسلح أو حتى إلى
زمن ارتكاب الفعل من حرب أو سلم، خاصة فيما يتعلق باختصاص المحكمة
الوارد في المواد 6 و 7 من النظام الأساسين وعليه فجرائم إبادة الجنس
والجرائم ضد الإنسانية يمكن أن ترتكب:
أ- زمن النزاعات المسلحة الدولية.
ب- زمن النزاعات المسلحة غير الدولية.
ت- زمن السلم.
3- يؤكد النظام الأساسي استقلال سلطة القضاء
الدولية، التي هو أحد أدواتها، عن السلطات الأخرى، حيث لم يسمح هذا
النظام اتخاذه ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة.
4- هذا الالتزام لم يمنع المتعاقدين من تحديد
اختصاص المحكمة بأفعال معينة واعتبرها انتهاكات خطيرة إذا ما وقعت زمن
نزاع مسلح دولي(3)، وانتهاكات أخرى إذا ما وقعت زمن
نزاع مسلح غير دولي(4).
5- بالعودة إلى النظام الأساسي لا ندد أي تعريف
للنزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي، مما يعني أن المشرع
يرجع تكييف النزاعات إلى قواعد القانون الدولي، خاصة قواعد النزاعات
المسلحة.
فما هو تعريف قانون النزاعات المسلحة:
هو مجموعة القواعد القانونية المقننة والعرفية التي
تنظم وسائل وطرق القتال كما تحدد نوع النزاع المسلح سواء من حيث نطاقه
المكاني، بري، بحري، جوي، أو من حيث أطرافه: دولي وغير دولي، كما تحدد
بداية وسير وانتهاء النزاع المسلح.
لكن ما أهمية التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية
وغير الدولية بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية وإعلان اختصاصها؟
قد لا تظهر، بصورة مباشرة، أهمية التمييز بين
النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية في كل من جرائم إبادة الجنس
والجرائم ضد الإنسانية، فاختصاص المحكمة قائم في كلا الحالتين إضافة
كما ذكرنا أعلاه، إلى زمن السلم، غير أن صحة التكييف تكتسب أهمية كبيرة
بالنسبة لجرائم الحرب، حيث خص النظام الأساسي النزاعات المسلحة الدولية
بمجموعة من الانتهاكات (مادة 8، فقرة 2 – أ.ب) كما خص النزاعات المسلحة
غير الدولية بمجموعة أخرى من الانتهاكات وردت في المادة (8، فقرة ج-5)
لتعلن في الختام المحكمة صراحة عدم اختصاصها عن الأفعال التي وردت في
الفقرتين ج و5 من المادية الثامنة إذا ما وقعت زمن الاضطرابات
والتوترات الداخلية.
لذا يصبح من الضروري للقائمين على شؤون المحكمة
وتطبيق نظامها الأساسي التمييز بين النزاعات المسلحة سواء كانت دولية
أم غير دولية إضافة إلى تحديد مفهوم الاضطرابات والتوترات الداخلية،
لمعرفة أعمال نظام المحكمة زمانياً ومكانياً بصورة دقيقة بالنسبة لكل
الجرائم الداخلة في اختصاصها، وعلى الرغم من أن المحكمة لم تأت على
تعريف للنزاعات المسلحة إلا أنها اعتبرت في مادتها 21، فقرة 1- ب، أنه
يمكن للمحكمة أن تطبق (حيثما يكون مناسباً... مبادئ القانون الدولي
وقواعده، بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون الدولي للنزاعات
المسلحة) مما يعني أنه لتحديد نوع النزاع المسلح وتعريفه وبيان كل ما
يتعلق به فلا بد من العودة إلى قواعد القانون الدولي العام.
ثانياً – أنواع النزاعات المسلحة
تنقسم النزاعات المسلحة إلى نوعين، نزاعات مسلحة
دولية ونزاعات مسلحة غير دولية، وتختلف الطائفة الأولى من النزاعات عن
الثانية في الكثير من الجوانب.
أ- النزاعات المسلحة الدولية:
1- تعريفها:
هي استخدام القوة المسلحة من قبل طرفين متحاربين
على الأقل، ولا بد أن يكون أحدهما جيش نظامي، وتقع خارج حدود أحد هذين
الطرفين، تبدأ عادة بإعلان (5)، وتتوقف لأسباب
ميدانية (وقف القتال) أو استراتيجية (الهدنة)، وتنتهي إما بالاستسلام
أو باتفاق صلح.
2- أطرافها:
حددت كل من اتفاقية لاهاي الثانية المتعلقة بقوانين
وأعراف الحرب البرية لعام 1899 والبرتوكول الملحق بها، والمادة 13 من
اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 أطراف النزاع الدولي على أنهم:
1- الجيوش النظامية التابعة لأحد الأطراف المتحاربة.
2- مجموع المليشيات والمتطوعين إذا توفرت فيهم
الشروط التالية:
- أن يكون على رأس المجموعة شخص مسؤول عن عناصره.
- أن يكون لدى المجموعة شارة مميزة.
- حمل السلاح بصورة مفتوحة.
- التقيد أثناء العمليات القتالية بقواعد وأعراف
الحرب.
3- سكان الأقاليم غير المحتلة والتي باقتراب العدو
تحمل السلاح عفوياً لمواجهة الغزو دون أن يكون لديها مسبقاً الوقت
الكافي لتنظيم ذاتها وفق ما جاء في الفقرة السابقة، وشرط أن تحترم
قوانين الحرب وأعرافها، وهو ما يعرف بـleve en mass.
4- أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون
ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
5- الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن
يكونوا جزءاً منها مثل المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية
والمراسلين الحربيين.
6- أفراد الأطقم الملاحية للسفن والطائرات المدنية
التابعة لأحد أطراف النزاع والذين لا يتمتعون بحماية أفضل بموجب أحكام
القانون الدولي.
وبالتالي فكل طرف من الأطراف المذكورة أعلاه، مادام
شخصاً طبيعياً، يمكن أن يسأل أمام المحكمة إذا ما اقترف إحدى الجرائم
الواردة ضمن اختصاصها، سواء كانت جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية أو
جريمة إبادة، وفق الشروط التي وضعها النظام الأساسي للمحكمة(6).
3- موقف المحكمة من الانتهاكات التي تقترفها القوات
التي تعمل تحت إمرة الأمم المتحدة؟
يرى بعض القانونيين في تفسيرهم للمادة 87، فقرة 6،
من نظام روما الأساسي، أن المحكمة يمكنها أن تطلب من قوات حفظ السلام
أو قوات الفصل التابعة في عملها لمنظمة حكومية دولية أن تقوم بملاحقة
المجرمين المطلوبين للانتهاكات تقع ضمن اختصاص المحكمة.
وتنقسم العمليات التي ألقاها ميثاق الأمم المتحدة
عملياً على عاتق هذه القوات إلى نوعين، الأول هو عمليات حفظ السلام،
والثاني هو تطبيق أحكام مفهوم الأمن الجماعي للرد على عدوان واقع على
دولة عضو في المنظمة الدولية تطبيقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق،
وجاءت المادة 43 من الميثاق وما تلاها لتنص على ضرورة عقد اتفاقات مع
الدول الأطراف تنظم شأن القوات المسلحة الموضوعة تحت إمرة المنظمة من
أجل الحافظ على الأمن والسلم الدوليين.
لكن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بأحكام القانون
الدولي الإنساني وقانون النزاعات المسلحة لم تتعرض لمهام هذه القوات
التي على المنظمة الدولية إرسالها إلى مناطق النزاع، مما أدى إلى ترك
العديد من النقاط المتعلقة بنشاط هذه القوات دون توضيح حتى جاءت
اتفاقية أمن موظفي الأمم المتحدة والموظفين المشاركين لهم في عملهم
لعام 1995 والتي وقعت في 17/2/1995م، ودخلت حيز التنفيذ عام 1999(7)،
والتي لم تستطع تجاهل القانون الدولي الإنساني وضرورة مراعاة أحكامه،
لذا نصت في مادتها 20 على انطباق أحكام هذا القانون على مهام هذه
القوات.
لكن في الحقيقة نجد أن:
1- المادة 43 من الميثاق لم تطبق بعد، وبالتالي ليس
هناك قوات خاصة بالأمم المتحدة واتفاقيات خاصة تحدد المركز القانوني
لهذه القوات.
2- حتى ولو طبقت هذه المادة، لا يوجد ما يشير في
المادة المذكورة إلى طبيعة الجهة المسؤولة عن الانتهاكات التي ترتكبها
هذه القوات، مما يعني أن دول جنسية مرتكبي الفعل هي المسؤولة، من حيث
المبدأ، عن ملاحقة هذه الجرائم خاصة أن المنطقة الدولية ليس لديها جهاز
قضاء جزائي.
وبالتالي، يمكن الاستنتاج أنه في كل مرة لا تلاحق
دولة ما أحد أعضاء قواتها المسلحة لارتكابه انتهاكات لقواعد القانون
الدولي الإنساني في معرض أداه لمهماته، سواء كان ذلك في قوات حفظ
السلام او في مهمة تطبيقاً لمفهوم الأمن الجماعي، فإنه يعود للمحكمة
الجنائية الدولية الاختصاص بملاحقة هذا الشخص، حتى ولو صدرت قرارات
مخالفة لهذا المفهوم من قبل مجلس الأمن، ذلك أن مثل هذه القرارات تعتبر
تدخلاً في عمل المحكمة لم يسمح به نظام روما الأساسي أصلاً.
من هنا وعليه فإذا ما نظرنا إلى قراري مجلس الأمن
رقم 1422، تاريخ 12/7/2002م الصادر في الجلسة رقم 4572، والقرار رقم
1487، تاريخ 12/6/2003م الصادر في الجلسة رقم 1487، والذي يطلب من
المحكمة أن تمتنع عن بدء أو مباشرة التحقيق أو مقاضاة أو إثارة أي قضية
تمس مسؤولين حاليين أو سابقين لدولة مساهمة ليست طرف في نظام روما
الأساسي فيما يتصل بأي عمل أو إغفال يتعلق بالعمليات التي تقرها الأمم
المتحدة أو تأذن بها، إلا إذا أقر مجلس الأمن ما يخالف ذلك، كما أن
المجلس سيطلب تجديد هذا القرار كل عام ما دامت الحاجة إلى ذلك موجودة،
يمكننا القول بأن هذين القرارين غير قانونين بالنسبة للمحكمة، وبالتالي
يحق لها تجاهل تطبيقهما، فالتزام المحكمة بمجلس الأمن محصور بتطبيق
المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة، وحسب فهمنا لهذه المادة فإن
الالتزام يقتصر على حق مجلس الأمن، وفق قرار يتم اتخاذه بموجب أحكام
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بعدم السماح في البدء أو المضي
في تحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتمديد في قضية محددة، ولا
يمكن فهم النص وكأنه منع للمحكمة في التدخل بجهة معينة وإلا أصبحت هذه
المادة بمثابة تعطيل دائم للمحكمة، هذا رغم أن العديد من الشراح يصر
على أن الفيتو والفيتو المضاد يمكنهما أن يعطلا اتخاذ أي قرار لاحق
يتعلق بتطبيق المادة 16(8).
4- أنواع النزاعات المسلحة الدولية:
تقسم النزاعات المسلحة الدولية بين نزاعات مسلحة
برية وجوية وبحرية، ولكل من هذه النزاعات نطاقه الجغرافي الخاص به، حيث
تعتبر أرض وأجواء ومياه المتحاربين مجالاً يسمح به القتال دون تلك
التابعة لدول محايدة سواء كان هذا الحياد دائماً أو مؤقتاً.
1- النزاعات المسلحة البرية: هي نزاعات تدور
العمليات العدائية فيها على اليابسة بين قوى متحاربة من جيوش نظامية
وغيرها من المحاربين.
2- النزاعات المسلحة البحرية: هي نزاعات مسلحة تدور
بين قوات مسلحة بحرية تابعة لجيوش نظامية او غير نظامية، تمارس
العمليات العدائية فيها على سطح الماء وتحته وفي فضائه الخارجي، بواسطة
سفن وطائرات حربية.
3- النزاعات المسلحة الجوية: هي نزاعات تجري فيها
العمليات العدائية فوق اليابسة والبحار، ولا يحق إلا للطائرات العسكرية
أن تمارس القتال فيها.
5- القواعد القانونية التي تحكم هذه النزاعات:
ما يهمنا في الأمر هو الإجابة على السؤال التالي:
ما هي القواعد القانونية التي تطبقها المحكمة فيها يخص النزاعات
المسلحة الدولية؟
تحتاج المحكمة بالإضافة إلى نظامها الأساسي وأركان
الجرائم وقواعدها الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بها، تحتاج إلى
تطبيق قواعد القانون الدولي العام وخاصة القانون الدولي الإنساني
وقانون النزاعات المسلحة من أجل تحديد زمن وقع الفعل خاصة بالنسبة
لجرائم الحرب، كما تحتاج هذه القواعد من أجل تفسير كل ما يعترضها من
غموض فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية، وفي هذا الإطار يمكن أن
نذكر بعض هذه القواعد:
1- اتفاقيات جنيف حول تحسين أحوال المرضى والجرحى
خلال العمليات العسكرية لعام 1864 – 1906 – 1929.
2- دليل أكسفورد للحرب البرية لعام 1880.
3- اتفاقية لاهاي الثانية لقوانين وأعراف الحرب
البرية لعام 1899.
4- اتفاقية لاهاي الرابعة حول قوانين وأعراف الحرب
البرية لعام 1907.
5- اتفاقية لاهاي الخامسة المتعلقة بحقوق وواجبات
الدول المحايدة لعام 1907.
6- اتفاقية لاهاي الثالثة والمتعلقة ببداية النزاع
لعام 1907.
7- اتفاقية جنيف حول أسرى الحرب لعام 1929.
8- اتفاقيات لاهاي لحماية الأعيان الثقافية لعام
1954 و1999.
9- اتفاقية عام 1972 حول منع تطوير صنع وتخزين
الأسلحة البكتريولوجية أو السامة وحول تحطيمها.
10- اتفاقية عام 1976 حول منع استخدام تقنية تعديل
البيئة لغايات عسكرية أو لأي غايات معادية.
11- اتفاقية عام 1989 حول منع تجنيد وتمويل
المرتزقة.
12- بروتوكول فينا المتعلق بالأسلحة الليزرية
المعمية لعام 1995.
13- اتفاقية لاهاي حول الحرب البحرية، تاريخ
29/7/1899.
14- اتفاقية لاهاي الثالثة عشرة لعام 1907 حول حقوق
وواجبات الدول المحايدة في الحرب البحرية.
15- إعلان لندن المتعلق بقانون الحرب البحرية لعام
1909.
16- دليل أكسفورد حول الحرب البحرية لعام 1918.
17- اتفاقية هافانا حول الحياد البحري لعام 1928.
18- قواعد حرب الغواصات المنصوص عليها في اتفاقية
لندن لعام 1930.
19- دليل سان ريمو حول النزاعات المسلحة في البحار
لعام 1994.
20- إعلان لاهاي لعام 1899 حول منع إطلاق القذائف
والمتفجرات من المناطيد وغيرها من الوسائل الجديدة.
21- إعلان لاهاي لعام 1929، حول منع إطلاق القذائف
من المناطيد.
22- القواعد التي أقرتها لجنة القانونيين في لاهاي
في الفترة الواقعة بين (12، 1922، و2، 1923) حول المراسلات زمن
النزاعات المسلحة الجوية.
6- المحكمة الجنائية الدولية وجرائم الحرب زمن
النزاعات المسلحة الدولية:
نصت المادة 8 فقرة 2:اوب، على هذه الجرائم، حيث
عددت المادة 8، 2، أ، ثمان جرائم والفقرة 2، ب، 26 جريمة.
وبالعودة إلى المواد 50، 51، 130، 147، وعلى
التتالي من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والمواد 11، فقرة 4، و85
من البرتوكول الأول لعام 1977، والملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949،
والتي نصت على الانتهاكات التي اعتبرت بمثابة جسيمة، نرى أن الفقرة
2،ا، قد كررت ما جاء في اتفاقيات جنيف لعام 1949، أما الفقرة 2،ب، فقد
جاءت لتكرر ما جاء في المادة 11 والمادة 85 من انتهاكات، وتزيد عليها
انتهاكات أخرى كان قانون النزاعات المسلحة (أو ذلك المعروف باسم قانون
لاهاي) قد حرّمها، مثل ما جاء في الفقرة 2،ب،7، ولتغفل ذكر واحدة من
أهم جرائم حرب، والتي تعتبر الالتزام الملقى على عاتق الأطراف
المتحاربة، ألا وهي إعادة أسرى الحرب أو المدنيين إلى أوطانهم دون أي
تأخير لا مبرر له.
وبالتالي يمكننا القول أن الانتهاكات الواقعة زمن
النزاعات المسلحة الدولية والمعتبرة بمثابة جرائم حرب هي أوسع بصورة
عامة في نصوص القانون الدولي الإنساني مقارنة مع نصوص النظام الأساسي.
ب- النزاعات المسلحة غير الدولية:
يعاني عالمنا المعاصر من النزاعات المسلحة غير
الدولية والنزاعات المختلطة بين دولية وغير دولية أكثر مما يعاني من
الحروب التقليدية، لتبدو النعرات الدينية والعرقية والطائفية هي المحرك
الأهم لمجتمعات نهاية القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين، مما يعني
أن المحكمة الجنائية الدولية سترى نفسها في مواجهة الكثير من
الانتهاكات التي تصنف عادة في عداد الانتهاكات الواقعة زمن النزاعات
المسلحة غير الدولية.
1- التكييف القانوني للنزاعات المسلحة:
يبقى التكييف القانوني لطبيعة النزاع من حيث كونه
دولياً أم لا أمراً هاماً، لأنه المعيار الذي بواسطته يمكن معرفة
القواعد القانونية التي يتوجب على الأطراف مراعاتها والالتزامات
الواقعة على عاتقهم بصورة عامة أثناء القتال، وتصبح هذه الأهمية ضرورة،
كما ذكرنا سابقاً، بالنسبة لجرائم الحرب حيث ميزت المادة 8 من النظام
الأساسي للمحكمة بين انتهاكات تقع زمن النزاع المسلح الدولي وأخرى تقع
زمن المسلح غير الدولي، خاصة أن المحكمة كانت قد أخذت بالمبدأ الذي
أرساه القانون الدولي الجنائي من حيث أن لا جريمة وبالتالي لا عقوبة
إلا بنص (مادة 22 و23 من النظام الأساسي لروما).
غير أنه للدول سلوك متناقض في مجال تكييف طبيعة
النزاعات المسلحة، فتارة يوصف نزاع ما على أنه داخلي، ولا يتوجب على
الدول الأخرى التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المعنية بهذا النزاع،
خاصة في حالة قمع حركات الانفصال، وتارة أخرى ترى ذات الدول ولاختلاف
المصلحة، ضرورة تفعيل الطابع الدولي للنزاع واعتبار المقاتلين من غير
الجيش النظامي بمثابة حركة تحرير تواجه استعماراً أو نظاماً عنصرياً،
مما يتيح انطباق قواعد القانون الدولي المتعلق بالنزاعات المسلحة
الدولية عليها(9).
2- تعريف النزاع المسلح غير الدولي:
كان القانون الدولي قد عرّف مجموعة من الأوضاع
الناشئة عن النزاعات المسلحة الداخلية وأفرز لكل منها مركزاً قانونياً
متميزاً: الثوار، المحاربون، وحركات التحرير الوطنية التي اعترف لها
بحق استخدام القوة المسلحة من أجل الوصول إلى التحرير وتقرير المصير(10).
وكانت المادة الأولى من البرتوكول الثاني لعام
1977، الملحق باتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، والمتعلق بالنزاعات
المسلحة غير الدولية، قد عرّفت النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي
تنطبق عليها أحكام هذا البرتوكول، على أنها تلك التي (تدور على إقليم
أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو
جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليميه
من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة).
ويعرّف النزاع المسلح غير الدولي على أنه: استخدام
القوة المسلحة الذي يتجاوز حد الاضطرابات وأعمال الشغب والفوضى، بين
جماعات مسلحة منظمة، وتقع جغرافياً داخل الحدود المعروفة لدولة ما.
وبالتالي يخرج عن مفهوم النزاع المسلح غير الدولي
كل ما يلي:
1- مقاومة الاحتلال.
2- حالات الاضطرابات والتوتر الداخلي مثل الشغب
وأعمال العنف العرضية الندرة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة
التي لا تعد منازعات مسلحة.
3- ما أخرجه المشرع الدولي من نطاق النزاعات
المسلحة غير الدولية:
أقر المشرع الدولي في المادة الأولى، فقرة 4 من
البرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، أن كلاً من النزاعات التالية ليست
نزاعات داخلية حتى لو تمت ضمن إطار جغرافي واحد ولم يتدخل فيها أي عنصر
أجنبي، وهي:
1- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها
ضد التسلط الاستعماري.
2- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها
ضد الاحتلال الأجنبي.
3- النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها
ضد الأنظمة العنصرية.
ويعتبر هذا التحديد في غاية الأهمية بالنسبة
للمحكمة الجنائية الدولية عند تطبيقها للمادة 8، حيث أن الانتهاكات
التي تقع ضمن اختصاص المحكمة هي تلك الواردة في المادة 8، فقرة أ وب،
وليست الانتهاكات الواردة في ذات المادة لكن في الفقرات ج و5.
4- أطراف النزاع المسلح غير الدولي:
بالعودة إلى التعليق على المادة الثالثة المشتركة
بين اتفاقيات جنيف، نجد أن نقاشاً حاداً كان قد دار بين المؤتمرين حول
مفهوم أطراف النزاع غير الدولي، حيث تخوف العديد من الدول أن تطبق
أحكام هذه الاتفاقات على أي شكل من (أشكال الفوضى أو التمرد أو جماعات
المجرمين) مما يثير أجواء من عدم الاستقرار في الدول المعنية ويمنعها
من ممارسة حقها في قمع الشغب الحاصل، وتم أيضاً رفض فكرة تعريف النزاع
المسلح غير الدولي أو تحديد شروط لا بد من توافرها حتى يكون النزاع
نزاعاً مسلحاً غير دولي، غير أن مجموعة من المعايير غير الملزمة كانت
قد حددت في المؤتمر بحيث يمكن في حال توافر بعضها أو كلها، تصنيف
النزاع على أنه نزاع مسلح غير دولي وليس مجرد عصيان insurrection وهي:
1- أن يملك الطرف المتمرد قوة عسكرية منظمة وسلطة
مسؤولة عن أعمالها، تعمل على بقعة من إقليم معين ولديها القدرة على
احترام أحكام اتفاقات جنيف الأربعة وإجبار عناصرها على ذلك.
2- أن تكون الحكومة الشرعية مضطرة لاستدعاء الجيش
النظامي لمحاربة المتمردين.
3- أن تكون الحكومة قد اعترفت لهم بصفة المحاربين
او أن يدّعي هؤلاء أنهم محاربون، او أن تعترف لهم الحكومة بهذه الصفة
فيما يتعلق فقط بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، أو إذا كان
النزاع قد رفع إلى مجلس الأمن أو الجمعية العام للأمم المتحدة على أنه
نزاع يهدد الأمن والسلم الدوليين او يشكل حالة عدوان.
4- أن يكون للمتمردين نظام يمثل خصائص الدولة، وأن
يمارس المتمردون السلطة على جزء من المواطنين في بقعة معينة من الأرض،
وأن تكون قواتهم المسلحة منظمة تحت إمرة سلطة منظمة وقادرة على التقيد
بأعراف وقوانين الحروب وأن تعترف هذه السلطة بأنها مرتبطة بالأحكام
الورادة في هذه الاتفاقات (11).
5- النزاع المسلح الدولي والاضطرابات والتوترات
الداخلية:
تبعت المحكمة الجنائية الدولية خطى المشرع الدولي
الذي استبعد في المادة الأولى، الفقرة2، من البرتوكول الثاني لعام 1977
حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية من نطاق النزاعات المسلحة غير
الدولية، معدداً بعض الأمثلة كأعمال (الشغب وأعمال العنف العرضية)
وتاركاً باب القياس مفتوحاً في هذا المجال.
وبالعودة إلى نص التعليق على هذه الفقرة (12)،
نرى أن الأطراف المتعاقدة أرادت القول أن التوتر الداخلي هو التوتر
الخطير سياسياً كان أم دينياً، أم اجتماعياً، أم اقتصادياً.. وتتجلى
هذه الحالة حسب التعليق ذاته بتوفر واحد أو أكثر من الصفات التالية:
1- اعتقالات جماعية.
2- ارتفاع أعداد المعتقلين السياسيين.
3- شروط اعتقال سيئة أو غير إنسانية.
4- إلغاء الضمانات القانونية الأساسية بسبب امتداد
حالة الطوارئ او حالة الأمر الواقع.
5- حالات الاختفاء.
ويحق للدولة المعنية في هذه الحالة أن تستخدم
قواتها المسلحة لمواجهة مثل هذه الاضطرابات وحالة التوتر الداخلي
وإعادة النظام دون أن ينقلب النزاع إلى نزاع مسلح غير دولي.
6- المحكمة الجنائية الدولية وجرائم الحرب زمن
النزاعات المسلحة غير الدولية:
عددت المادة 8 من نظام روما الأساسيين في فقرتها
(2: ج – د – 5–
و)، الانتهاكات التي تعتبر بمثابة
جرائم حرب فيما إذا ارتكبت زمن النزاعات المسلحة غير الدولية، حيث عددت
الفقرة (2– ج)
أربعة جرائم، والفقرة (2 -5)،
12 جريمة، أما الفقرة (2–
د) فقد حددت النطاق الموضوعي للفقرة
(2– ج)، بحيث تم.
استبعاد (حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل
أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة او المتقطعة وغيرها من الأعمال
ذات الطبيعة المماثلة) كما حددت الفقرة (2–
و) مجال إعمال الفقرة (2–5)
لتستبعد بنفس الصورة (حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية...)، على أن
هذه القيود الواردة في الفقرتين (2– د)
و (2- و)،
لا تعتبر بمثابة أركان جرائم (13)، لتقوم بذلك بسد
النقص الذي كان البرتوكول الثاني يعاني منه من حيث عدم نصه على
انتهاكات جسيمة لقواعد القتال كما هي الحال عليه في النزاعات المسلحة
الدولية.
غير أن نظام المحكمة في مادته 8، لم يعط تعريفاً
للنزاعات المسلحة غير الدولية بل اكتفى بإعطاء تعريف سلبي يخرج مجموعة
من الأفعال من نطاق هذه النزاعات لغرض هذا النظام(14).
وإذا ما نظرنا إلى مفهوم النزاع المسلح غير الدولي
في كل من البرتوكول الثاني لعام 1977، ونظام روما الأساسي نلاحظ أن ما
ذهب إليه هرمان فون هيبل، المستشار القانوني في المحكمة الجنائية
الدولية ليوغوسلافيا السابقة، من أن مفهوم هذه النزاعات أوسع منه في
النظام الأساسي من ما ورد في البرتوكول الثاني، أمر صحيح، حيث عدد أوجه
الاختلاف بين النصين والمتمثلة في النقاط التالية(15).
1- تسري أحكام البرتوكول الثاني فقط على النزاعات
التي أحد أطرافها قوات نظامية، بينما يسري نظام روما في مواجهة كل
النزاعات التي تثور بين جماعات مسلحة.
2- يتطلب البرتوكول تواجد القوات المنشقة على جزء
من أراضي الدولة بينما لا يطلب النظام الأساسي ذلك.
3- يتطلب البرتوكول الثاني أن تكون الجماعات
المعنية تحت أمر (قيادة مسؤولة) وأن يكون بإمكانها تطبيق أحكام هذا
البرتوكول، ولا توجد مثل هذه الشروط في نظام روما.
ويلاحظ أيضاً عند قراءة المادة 8 في فقرتها الأولى
أن نظام روما الأساسي أخذ على عاتقه فقط ملاحقة الجرائم الأشد خطورة،
أما الانتهاكات الأخرى والتي كانت اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبرتوكول
الإضافي الأول لعام 1977، قد سمحت للدول الأطراف بملاحقة مرتكبيها، فلم
يرد ذكرها في المادة 8، ويشير إيان سكوبي إلى أن ذلك قد حصل نتيجة ضغوط
مارستها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كان تخشى أن تقع قواتها في
اختصاص المحكمة في حالة القتل غير المتعمد للمدنيين أثناء مهمات حفظ
السلام)(16).
وكان السيد هرمان فون هيبل قد أكد على عدم إشارة
المادة 8 إلى تحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل بصورة صريحة لا يشكل
مشكلة حقيقية، وأن (ذلك لا يعني أن استخدامها الفعلي لا يقع في نطاق
السلطة القانونية للمحكمة)(17).
الخاتمة:
إذا كان التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية وغير
الدولية أمر يبدو بدون صعوبة بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، ذلك أن
قواعد قانون النزاعات المسلحة والقانون الدولي الإنساني قد ميزت وبوضوح
بين حالتي النزاع هذه، إلا أن الصعوبة ستبقى عملياً فيما يتعلق بتمييز
النزاعات المسلحة غير الدولية عن الاضطرابات والتوترات الداخلية، هذا
إضافة إلى ما يثيره التدخل لأغراض إنسانية من مشاكل، حيث لا بد من
الاعتراف من أن هذا التدخل وما قد يرافقه من انتهاكات ينقل عملياً من
نزاع مسلح غير دولي إلى نزاع مسلح دولي في معظم الحالات.
على أن القاسم المشترك الذي يجمع بين هذه النزاعات
بالنسبة للمحكمة والذي يشكل أساس الحماية التي يوفرها القانون الدولي
الإنساني هو تحقيق الردع للانتهاكات ومحاولة الوقاية من تكرار هذه
الانتهاكات عن طريق هذا الردع، والتي يجب أن يتطور بالشكل الملائم
للحاجات والظروف، ليشمل الإنسان والأعيان في كافة الظروف وضد كل أشكال
الاعتداء بحيث يمكن المحافظة على الحد الأدنى من الكرامة البشرية.
1- أنظر ديباجة روما الأساسي
لإنشاء محكمة جنائية دولية.
2- أنظر الديباجة.
3- أنظر المادة 8، فقرة 2، أ وب من
نظام روما الأساسي.
4- أنظر مادة 8، فقرة 2، ج وه من
نظام روما الأساسي.
5- من أجل المزيد من التفاصيل أنظر:
أمل يازجي (القانون الدولي الإنساني وقانون النزاعات المسلحة
بين النظرية والواقع) مقال، منشورات مجلة جامعة دمشق.
6- يقصد هنا كون اختصاص المحكمة هو
اختصاص تكميلي للقضاء الوطني وليس قضاءاً بديلاً.
7- أنظر النص في (المجلة الدولية
للصليب الأحمر، مختارات عام 1999، ص79 – 102.
8- من أجل المزيد من التفاصيل: أمل
يازجي (القانون الدولي الإنساني...)، مرجع سابق.
9- من أجل المزيد من التفاصيل أنظر:
أمل يازجي، المرجع السابق.
10- من أجل المزيد من التفاصيل
أنظر: أمل يازجي، المرجع السابق.
11- من أجل المزيد من التفاصيل
أنظر: أمل يازجي، المرجع السابق.
12- أنظر:Commentaire des
Protocoles Additionnels do 8 juin 1977 aux Conventions de Geneve du
12 aout 1949 Comite International De La Croix-Rouge Geneve, 1986,
PP.1371 – 1380.
13- أنظر أركان الجرائم في:
محمود شريف بسيوني، (المحكمة الجنائية الدولية – نشأتها ونظامها
الأساسي) عام 2001م ص 226 – 275.
14-
أنظر هرمان فون هيبل، (تعريف جرائم الحرب في نظام روما الأساسي)، في (المحكمة
الجنائية الدولية: تحدي الحصانة)، اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجامعة
دمشق، عام 2002م، ص224 – 257.
15- المرجع السابق، ص250 – 251.
16- إيان سكوني، (اختصاص المحكمة
الجنائية الدولية) في (المحكمة الجنائية الدولية – تحدى الحصانة) مرجع
سابق، من الصفحة 107 إلى الصفحة 132. ص121.
17- المرجع السابق، ص257. |