ماذا بقى من صدام بعد إلقاء القبض عليه في قبو
بيت قديم قرب تكريت وماذا استفاد بعد أن برز أمام الرأي العام العراقي
بأكثر من وجه فقد وصلت صلافته أن ساق إلى حكم الموت الجسدي والحكم
المعنوي ملايين العراقيين دون أن يدع لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم في
محاكم قانونية علنية.
لقد ظل صدام طيلة فترة حكمه كرئيس للجمهورية في
العراق منذ 17 تموز 1979م وحتى 9 نيسان 2003م متجاهلاً للشعب العراقي
معتقداً أن بمقدوره أن يستمر بإرهابه كل الشعب العراقي والى ما لا
نهاية وإذا كان صدام قد وقع في خطأ استراتيجي حين اقتحم المجال السياسي
وهو المجال غير الصالح لكل شخص يفتقر إلى شهادة حسن السلوك فإنه
برسائله الصوتية المبثة بواسطة بعض مواقع الفضائيات الإعلامية العربية
التي ما تزال تعتقد أن في شخص صدام شيء من السوية وهذا هو الخطأ الآثم
التي ترتكبه تلك الفضائيات بحق سمعتها قبل أي شيء آخر، ومن يدري فربما
كان ذلك من ما كان لإشاعة إخافة الشعب العراقي بشبح صدام ومحاولة
التبشر الضمني لقدومه ثانية إلى مسك زمام السلطة في البلاد ويمكن تسمية
رسائل صدام وبثها إعلامياً قبل إلقاء القبض مساء الأمس الأحد
13/12/2003م، بأنه نوع من الخرافة السياسية في هذا الظرف العالمي فصدام
كان ملاحقاً من قبل كل مواطن عراقي شريف وهذا ما لم تحاول حتى تفهمه
بعض الإعلاميات والشخصيات العروبية سواء منها اللاعارفة أو الضعيفة أو
المشبوهة الاجتهاد.
إن شبح صدام لم يعد يفزع حتى أطفال العراق الذين
عرفوا بنظراتهم البريئة للمقابر الجماعية وما اقترفه صدام وحكمه
وعناصره من جرائم هائلة المعروضة عبر صور حية في أجهزة التلفزة قد جعل
من صدام نموذجاً للبصق عليه لا الخوف منه فلقد دمّر صدام مصائر وخرب
بيوت وأساء لعوائل محترمة والجوانب السلبية من فترة حكمه يصعب إحصاؤها
مرة واحدة لذلك فإن المدافعين عن حكم صدام فيه الكثير من الاستعداد
للقطيعة مع الشعب العراقي المتمثل بأخياره والبررة من أبنائه الواعين.
إن صدام اليوم كمجرم حرب وكعدو لشعب يأمل أبناؤه
إلى تقديمه إلى محكمة عراقية دستورية تتيح فرصة متابعته للتهم التي
ستنسب إليه ولا أحد يدري كما ستبلغ أرقام تلك التهم التي ستوجه ضده
بواسطة محكمة عراقية عادلة قادرة على فضح أدوار شره بالعراق ومنها
وقوفه الحتمي وراء التفجيرات الإرهابية الحادثة بعد نيسان 2003م
وبالذات وسط العراق، لقد أجاز صدام لنفسه أن يكون في مواجهة حقيقية
ودائمة ضد الشعب العراقي وأخرها تهديداته الأخيرة لضرب ما يسميه بجهات
العدوان مع أن عشوائية العمليات التي تمت حتى الآن كانت تستهدف المجتمع
العراقي أكثر من القوات الأنكلو – أمريكية التي يقصدها في خطبه
المبثوثة تارة بالاسم وأخر بالتلميح ويبدو وكأنه قادر على دحر القوات.
إن إرهاب صدام قد تجاوزه الزمن ولا مجال لمن
يحاول أن يبرر عمليات إرهابه وإجرامه ستبقى مستمرة وإلى ما لا نهاية
والرأي العام في العراق يتحدث اليوم عن تحقيق تقدم على كافة الجبهات
المدنية والعسكرية ضد الموالين الجهلاء لصالح فلول صدام ونظامه المنهار
ولعل أفضل ما في الداخل العراقي هذه الأيام هو ما يقوم به أبناؤه من
تهيئة الاستعدادات الكبرى لمواجهة أي تجاوز محتمل ضد مصالح الشعب
والوطن، وما يدعو إلى الغبطة قليلاً هو دخول قوة عسكرية من قبل قوات
التحالف لوضع حدود أخيرة لإنهاء تلك العمليات الإرهابية بمساعدة عراقية
محلية وطنية وتفيد بعض الأخبار الواردة عن طريق الانترنيت أن قوات
التحالف تقوم بمطاردة أنصار صدام إينما تواجدوا داخل العراق ولعل هذا
ما ساعد على إحداث شرخ في (اللامقاومة العراقية) و (اللامقاومة العربية)
المصدرة إلى العراق ظلماً وزوراً ومعلوم أن قوى التحالف البريطانية
الأمريكية قد تبنت أساليب عسكرية جديدة في مقاتلة الإرهابيين الصداميين
في العراق.
إن رؤية المجتمع العراقي لصدام وبطانته ما تزال
كما كانت أثناء وجوده على رأس فريق الحكم البائد كشخص مجرم أبتلي به
العراقيون طيلة فترة أكثر من ثلاث عقود من السنين لقد خسر صدام تمثيلية
معركته العسكرية التي أدعت مؤكدة على صمودها الذي سيكون حتى إذا ما
بدأت المعركة كان كل شيء يبدو في العراق متلافياً الدخول بأي معركة مع
القوات التي سموها (بالقوات الغازية) بعد أن حاول نظام صدام مسخ (هوية
الشخصية العراقية الراقية) وحط من مستواها عبر سلب مقومات العيش منها
بأخس طرق السلب أو حاول ذلك قدر استطاعته وتآمره على سوية الشخصية
العراقية التي كان همه الشاغل بسبب نشأته العائلية الناقصة التي ولدت
في شخصه (عقدة الشعور بالنقص) والتي لم يستطع أن يسد فراغها في نفسه
حتى بعد أن نُصِّب حاكماً على البلاد.
لقد حاول صدام أن يلبس أكثر من عباءة ويبدو
بأكثر من صورة ففي أشد ظروف العراق تعاسة حيث تم بين ناسه الشرفاء تفشي
الجوع وباع الناس فيها حتى أثاث وأبواب وشبابيك بيوتهم كان هو منتشي في
إطلاق لقب (المناضل) عليه من قبل بعض المنافقين والمتملقين وضعيفوا
الأنفس ممن قبلوا أن يسيئوا إلى الشعب العراقي في فترة محنته الكبرى
التي انتهت يوم 9 نيسان 2003م الماضي كما تفشى (البالونة الكبيرة) بزقة
(أي أبرة صغيرة) إذ صدام قد انهزم وسينهزم شبحه بصورة أكيدة بعد إعلان
موته المحتوم فربما بزغ فجر الغد ومعه بشارة التاريخ لشعب العراق بأن
صدام قد أصبح بقبضة محكمة الشعب العراقي وعندئذ سوف لن تكون تلك مناسبة
لانتصار جديد لصدام على غرار ما كان قد يسميه بالانتصار حين يخسر
معاركه العسكرية، كما حدث في إيران والكويت حين أجبر بعض المطبلين
والممسوخين على تنظيم مسيرات جماعية كبيرة في شوارع بغداد وبعض
المحافظات وهم يرقصون ويغنون ببطولات (القائد صدام) وانتصاره في الكويت
وقبلها انتصاره في إيران لما حول مفهوم (الهزائم) الواضحة تماماً إلى (انتصارات)
ببرهان أولئك الفرحين المنتشرين في الشوارع الذين نسوا البكاء على حال
مسخهم آنذاك. |