(أحكام
الدين الإسلامي على سعتها وتفرعاتها الكثيرة، إلا أن أدلتها تستبطن
أصولاً وثوابت تشكّل بمجموعها نظرية عامة لجميع التفريعات في الباب
الواحد، ووضوح تلك النظرية وتشخصها يساهم في اتساق سائر التفريعات
وعلمنة القراءة الخاصة بالأدلة الشرعية).
هذا ما دفع سماحة العلامة الشيخ فيصل العوامي
إلى تشخيص النظرية العامة المتعلقة بالأطعمة، على أن تكون بداية لمشوار
يمر بالكثير من الأبواب الفقهية، قد تكون محطته الثانية باب (الصيد
والذباحة)، حيث يصدر العوامي كتابه الفقهي الجديد عن دار المحجة
البيضاء ودار الواحة في بيروت بعنوان: (أحكام الأكل والشرب.. النظرية
العامة)، ويأتي هذا الكتاب بعد مجموعة كتب قرآنية وفكرية وفقهية أيضاً
للمؤلف، ليبلور بصورة أكثر؛ البعد الفقهي المتميز عند سماحته، على أمل
أن يتضح تميز هذا البعد أكثر فأكثر في مؤلفاته الفقهية اللاحقة.
يقول العوامي حول منهجيته في الكتاب: "ستعتمد
منهجيتنا في هذا الصدد على البدء بتشخيص الأصل القرآني العام، ثم الأصل
الروائي، والنظر في مدى الانسجام بينهما، وإنما جعلنا البدء بالتساؤل
عن الأصل القرآني، باعتبار أن القرآن لم يهتم غالباً بتفاصيل الأحكام،
والروايات تقوم بدور التفريع على أساس تلك الأصول، ومن هنا كان لا بد
من الانسجام بين التفريعات وأصولها، الأمر الذي نبّه إليه الأئمة (ع)
حين أوصوا شيعتهم بعرض كلامهم على كتاب الله عز وجل".
* الأصل القرآني العام:
في حديثه عن الأصل القرآني العام قسّم المؤلف
الآيات القرآنية إلى مرحلتين:
1- الأولى: تضم إحدى عشرة آية تعرضت للعنوان
العام (الطعام بكل أنواعه)، حيث قام المؤلف بتأملها وتحليلها متوصلاً
إلى أن هذه الآيات تبين الأصل الأولي الناص على الحل في كل الطعام.
2- والثانية: تضم ثمان آيات تعرضت للعنوان الخاص
المتمثل في الطيبات من الطعام، حيث قام المؤلف بتحليلها والتأمل فيها
أيضاً.
يقول المؤلف بعد ذلك: "يتحصل عندنا أن الأصل
القرآني العام المتعلق بالأطعمة، هو حلية كل الرزق من الطعام لأنه طيب
إلا ما استثني، وحرمة الخبيث وهو خصوص المستثنى في الآيات.. فإن ثبتت
خباثة طعام آخر بدليل شرعي معتبر خصصنا به العام المحلل، وإلا تمسكنا
بعموم الحل لأن الطيبة لا تحتاج إلى إثبات، ولا يكفينا لإثبات الخباثة
التنفر العرفي، أو إدعاء الاستخباث العقلي من غير أن يكون هناك إرشاد
شرعي إليه، مع العلم أن بأن ما يستخبثه الشرع المقدس يوافقه العقل عليه،
وما يستخبثه العقل السليم يستخبثه الشرع، لكن ما ثبت من استخباث العقل
هو ما نص عليه الشرع فقط بالعنوان العام أو الخاص، ولذلك لم نجد من
الفقهاء من ذهب إلى الحرمة في أي مورد لمجرد دعوى الاستخباث العقلي".
* الأصل الروائي
العام:
يناقش المؤلف ثلاث روايات متعلقة بالموضوع،
مبيناً من خلال تلك المناقشة توافق واتحاد الأصل القرآني والأصل
الروائي، فكل منهما يقول بالحلية المطلقة لكل مأكول ومشروب، إلا ما
استثني بنص شرعي معتبر. ويلاحظ المؤلف أن المستثنيات المؤكد عليها في
البحث الروائي "منحصرة في خصوص ما استثني في الآيات فقط، وكأن اللسان
فيه لسان الآيات تماماً، وذلك قد يعننا كثيراً على فهم الكثير من
الروايات الناهية التي قد تظهر منها الحرمة بدواً".
ويقود البحثُ المؤلفَ إلى عدة استنتاجات عامة،
هي:
أولاً: كل ما على وجه الأرض من مأكولات ومشروبات،
برية كانت أم بحرية أم جوية، الأصل فيه الحل.
ثانياً: بإمكاننا التوفيق بين ما في تراثنا من
روايات تنهى عن بعض الأطعمة مما لم يُذكر ضمن المستثنيات في الآيات
القرآنية لا بخصوصه ولا بعنوان عام؛ وبين الأصل الأولي القرآني
والروائي الناص على عموم الحل. حيث يفصّل المؤلف في ذلك بغية التبيان
والتوضيح.
* تطبيقات توضيحية:
لم يكتفِ المؤلف بمجرد التأسيس للنظرية العامة
المتعلقة بالأطعمة في التشريع الإسلامي، بل خصص فصلاً للتمثيل ببعض
النماذج من المسائل الفقهية، بهدف تطبيق النظرية عليها حتى تكون أكثر
وضوحاً وبياناً.
أما موضوع هذه التطبيقات التوضيحية فكان كالآتي:
1- النموذج الأول تناول موضوع أكل الطين، وهو
التراب الممزوج بالماء.
2- النموذج الثاني تناول موضوع المسوخ، وهي
عبارة عن بشر عصوا الله سبحانه وتعالى فمسخهم على هيئة حيوانات.
3- النموذج الثالث تناول موضوع الأطعمة البحرية.
الكتاب:
أحكام الأكل والشرب.. النظرية العامة.
المؤلف:
الشيخ فيصل العوامي.
الناشر:
دار المحجة البيضاء ودار الواحة، بيروت.
الطبعة:
ط1، 1424هـ/2004م.
* رئيس تحرير موقع قطيفيات
basheerq@yahoo.com |