ظل مصطلح (المؤامرة) متداولاً لإطلاقه أول الأمر
على خونة الشعب والوطن في بلدان العالم ضمن حدود المعنى السياسي العام
وأيديولوجياته أحياناً. أما في الزمن الحاضر فقد توسع استعمال هذا
المصطلح ليشمل مجالات أخرى غير المجال السياسي.
يحلو لبعض السياسيين في حالات الانفعال من توجيه
تهمة (متآمر) على من يختلف معهم بالرأي وأولئك السياسيون يعلمون جيداً
أن إطلاق كلمة المتآمر على خصوم الرأي بصورة اعتباطية ليس صحيحاً. وما
يكاد أن يتفق عليه في عالم السياسية اليوم أن صدور السياسيين ليست رحبة
دائماً في استقبال آراء واعتقادات الآخرين بل ويجد كل سياسي معاصر (تقريباً)
أن أفضل مواجهة للرد على خصوم الرأي هو نعتهم بصفة (المؤامرة) ففي ذلك
سبيل لإضعاف من يحاول التعرض للآخرين سواء كان تعرضه ذاك موضوعياً أم
لا.
من هنا حلا لبعض السياسيين المعاصرين أن يطلقوا
نص (نظرية المؤامرة) على الخصوم تطويراً لـ(مصطلح المؤامرة) وأجهزة
الإعلام الدولية المعروفة بصفة فضولها الذي لا ينتهي عند حد كما هو
ملموس تأخذ أي تصريح بحذافيره أحياناً خصوصاً إذا امتاز بفلسفة كلام
يبدو جيداً من حيث صياغة التعبير كمفردة المؤامرة التي أصبحت نظرية
المؤامرة.
ويتضح من خلال انطباعات اجتماعية عمومية أن هناك
عدد من الناس لا يرون أي مؤامرة في الآراء التي يطلقون عليها رغم أن
مطلقيها يصرون عليها وهذا ما يذكر بضرورة العودة إلى معنى المؤامرة
وأصولها وعلى من ينبغي أن تطلق قبل أن يلام الآخرين على بعض أوضاعهم
السياسية الراكدة والذين إذا ما حركوا ساكناً في الميدان السياسي حركة
شرعية فإن الخصوم في الرأي على الأقل وربما بالسلاح متأهبون لإطلاق
معنى التآمر أو المؤامرة على ذلك التحرك الذي عادة ما يكون سلمياً.
إن التحكم بالإعلام أصبح يروج بحدود لنظرية
المؤامرة وبعض الإعلاميات ودون أي دقة في الوصف كبرت مصطلح المؤامرة
إلى (نظريات المؤامرة) بدل من (نظرية أعداؤه) وهو تهويل فيه شيء من
التطرف الكلامي الزائد عن الحدود المتعارف عليها. ولعل الصوت المعارض
بصورة حوارية ليس صوتاً متآمراً فالخصم في الرأي مهما كان كلامه
فبالإمكان رده بموضوعه وعليه دون إثارة أي كلام يؤزم الحوار. غذ أن من
أول مستلزمات الحوار الهدوء والمحافظة على رباطة الجأش إذ أن غلب خصوم
الرأي الذين يشعروا أنهم سينهزمون في انتعاش الموضوعي أمام الآخرين
يلتجئون إلى إصدار الأحكام المنفعلة ضد خصوم الرأي الموضوعيين كما
يلاحظ ذلك الرأي العام على شاشات التلفزة الدولية – تحديداً –
وحتى لا يكون هناك تجاوزاً على الحقائق فإن في
محاربة الآخرين المحقين هو بحد ذاته جزءاً من ممارسة المؤامرة على
الآخرين إذا جاز التعبير بذلك.
والمؤامرة التي كانت سابقاً ذات شقين أولها هي (المؤامرة
الداخلية) والتي يقصد بها ما كان يحدث مثلاً لقلب نظام الحكم في بلد ما
وثانيها (المؤامرة الخارجية) المتمثلة بمحاولة غزو عسكري خارجي على
أراضي وطن ما لم تعد تحافظ على معناها الدقيق بسبب تلوناتها العديدة
التي تأتي بها وهذا ما خلق نمطاً من بعض أنظمة السياسة التي تزايد على
المبادئ السياسية الأساسية في عالم السياسة المعاصرة وبدرجة مقصودة
منها (الديمقراطية) هذه الكلمة اليتيمة التي يدعيها حتى قادة الإرهاب
في بلدانهم وبالذات في بعض بلدان العالم النامي لكن ما يمكن الاعتداد
به أن مواقف أولئك القادة وحكوماتهم مفضوحة أمام مجتمعاتهم قبل
المجتمعات الأخرى.
إن السياسة لم تعد مجالاً خصباً كما كان الحال
للسياسيين الماضيين (قبل زهاء نصف قرن مثلاً) حين كان الناس يصدقون
ادعاءات أكثر أولئك السياسيين الذين عرفوا كيف يعيشون منعمين مستغلين
طيبة قلوب الجماهير في بعض بلدانهم إذ يلمس اليوم أن انطباعات تلك
كالجماهير قد تغيرت نسبتها الكبرى لغير صالح العديد من الحكومات
الجائرة أو التي تحولت (في فترة مباغتة) إلى حكومات كشر أفرادها
المسؤولين عن أنيابهم ضد شعوبهم غير عابثين بتراث بلدانهم في الحضارة
والعدل الحقيقيين.
لقد انكشف مؤامرة الادعاء بالمبادئ السياسية
الأخلاقية التي منها حب الوطن والشعب إذ استبان أن أغلب حكومات العالم
النامي تعادي مجتمعاتها بصورة مبطنة مما جعل تلك المجتمعات تمحص حياتها
ويستوجب أن تتمتع به من حقوق في هذا الزمن السريع التغييرات على أكثر
من صعيد.
إن العالم النامي مليء بالمظالم ولحد اللامعقول
وهذا ما يستدعي تنظيمات حقوق الإنسان المتواجدة أو المستحدثة أن تفتح
قنوات الاتصال مع حكوماتها كي لا يكون هناك نسف أو مشاكسة لتطبيقات
العدل ومنح الحقوق للناس إذ أن ما كان يوجه باسم العدالة ضد الآخرين
على مقولة (المتهم مدان حتى يثبت براءته) غير مناسبة حتى للحديث عنها
إن الطيبين في بلدان العالم الثالث على العموم متوجهون بعواطف وعقلانية
كي تعيد منابر حكوماتها النظر بما يمكن أن تسعد مجتمعاتها بعد أن أصبح
الادعاء بالمبادئ ليس كافياً على الأقل في نظر تلك المجتمعات المحكومة
التي لا ترغب أن تنعت حكوماتها بنظرية الحكومات المتأمرة. |