اصبحت ظاهرة الاتجار بالإنسان, أو تجارة العبيد,
في بؤرة الاهتمام العالمي في الفترة الأخيرة. وأول ما يتبادر إلي
الأذهان عند سماع هذا المصطلح هو بيع وشراء الأنسان, ونقله من دولة
لأخري, أو من قارة لأخرى, حيث يعمل في
أي شيء مطلوب منه, وهي التجارة التي ألغيت في اوائل عام1800, والتي
يعتقد الكثيرون منا أنها اصبحت جزءا من التاريخ ـ وليس الحاضر ـ الذي
يتمنون ان يتم محوه من الذاكرة. ولكن للأسف فإن الواقع غير ذلك,
فمازالت ظاهرة العبودية مستمرة حتي يومنا هذا.
فهناك الملايين من النساء والرجال والأطفال في
انحاء مختلفة من العالم, مرغمون علي الحياة كعبيد. فهم يباعون
كأنهم سلع ويرغمون علي العمل الشاق بمقابل أجر ضئيل وفي بعض الأحيان
بدون مقابل, وتحت رحمة من يستخدمونهم.
ان العبودية مازالت مستمرة حتي يومنا هذا بالرغم من
أنها محرمة في معظم الدول التي تمارسها, وبناء علي الاعلان العالمي
لحقوق الانسان لعام1948 ووفقا لإعلان حقوق الطفل الصادر عن الجمعية
العامة للأمم المتحدة لعام1959 الذي ينص علي حق الطفل في الحياة في
مناخ من الحرية والكرامة, إلي جانب حقه في الحصول علي قدر كاف من
الغذاء والمأوي واللهو والتعليم, والحق في تلافي صور القسوة
والاستغلال بحملة علي العمل بما يؤذي صحته أو تعليمه أو يعرقل نموه
الجسدي أو العقلي, أو الاتجار به بأية صورة. والعبودية في صورتها
الحديثة تأخذ شكل القهر الجسماني والنفسي لمن يقع فريسة لها, فهو
يباع ويشتري كأنه سلعة, فيصبح أسيرا للقيود علي حريته. وأقصي أشكال
الاستعباد هي تلك التي تفرض علي الأطفال الذين تتم المتاجرة بهم تحت
وهم تشغيلهم وإتاحة فرص حياة أفضل لهم عن العيش مع ذويهم وبما يضمن لهم
عملا آمنا وأجرا مغريا. فإذا بهؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم وقد وقعوا
ضحية للغش والخداع, وبدلا من ان يستفيدوا من العمل في هذه السن
المبكرة بتعلمهم المسئولية وتنمية مهاراتهم, فأنهم يفاجأون بقيامهم
بأعمال شاقة وفي ظروف بالغة الصعوبة, ومنهم من يستخدم في الدعارة أو
التسول, معرضين بذلك صحتهم ونموهم النفسي والاجتماعي, وحتي حياتهم
للخطر.
وحيث ان عملية الاتجار بالأطفال تتم في سرية وبعيدا
عن عيون القانون, فإنه من الصعب الحصول علي معلومات احصائية دقيقة عن
عدد هؤلاء الأطفال. وأن كانت تقارير صندوق الأمم المتحدة للطفولة
اليونيسيف تعتقد بأن عدد هؤلاء الأطفال الذين يباعون في سوق العبيد
سنويا يصل إلي نحو1.2 مليون طفل.
ويأتي معظم هؤلاء الأطفال الضحايا من عائلات غير
متعلمة, وتعاني فقرا شديدا وتفككا أسريا ويتحول الطفل فيها إلي عائل
للأسرة بدلا من أن يكون محل رعاية أبوية. وتكون أجور هؤلاء الأطفال
ضئيلة إذا ما قورنت بأجور الكبار في السن, كما أنهم لا يجرأون علي
المطالبة بزيادتها ويغصبون علي العمل في أسوأ الظروف ولا يمكنهم
الاعتراض عليها. ومن هنا تكون السيطرة عليهم أفضل, والطلب علي
تشغيلهم أكثر.
كذلك فإن عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات
الأهلية والنزاعات الداخلية المسلحة والكوارث الطبيعية. وتقلبات
الظروف الاقتصادية من الأسباب الكامنة وراء عملية الاتجار بالأطفال.
هذا وتشير احصائيات منظمة العمل الدولية إلي أن هناك246 مليون طفل
يعملون ما بين سن خمس سنوات و17 سنة. وأن179 طفلا يعملون في أسوأ
ظروف عمل. وأن111 مليون طفل تحت سن الخامسة عشرة يعملون أعمالا
خطيرة ويجب ايقافهم علي الفور عن أداء هذا النوع من العمل. وان8.4
مليون طفل يعملون كعبيد وفي أعمال السخرة والصراعات المسلحة والدعارة.
ففي ثلاثين منطقة من مناطق الصراع في العالم,
يشترك نحو300000 طفل جندي. ويعمل هؤلاء الأطفال الجنود في الخطوط
الأمامية, مما يعرضهم للضغوط النفسية والعصبية في هذه السن المبكرة
التي يستمر تأثيرها معهم في المستقبل.
ففي بريطانيا وحدها يصل عدد هؤلاء الأطفال الذين
يخدمون في الجيش تحت سن18 سنة إلي ما بين6000 و7000 طفل بينما
تنادي معاهدة حقوق الطفل المتعلقة باشتراك الأطفال في الصراع المسلح
بتحديد سن18 سنة كحد أدني للمشاركة في الحروب, وتمنع مشاركة
الأطفال ممن هم دون هذه السن.
لقد شهدت السنوات الأخيرة خاصة بعد انهيار الاتحاد
السوفيتي, زيادة ملحوظة في المتاجرة بالنساء والأطفال من أوروبا
الشرقية إلي أوروبا الغربية. اضافة إلي العديد من دول افريقيا وآسيا
والأمريكتين, والتي تمارس نفس هذه التجارة من زمن بعيد. حيث يتم
استغلال هؤلاء الأطفال في اغراض العمل الشاق والنزاعات المسلحة علي حد
سواء وتقوم بهذه العملية شبكة عصابات دولية علي درجة كبيرة من التنظيم
مما يصعب الايقاع بها بسهولة.
وقد أعلنت منظمة العمل الدولية أن تجارة الأنسان
أصبحت تنافس التجارة غير المشروعة للسلاح والمخدرات, حيث ان عائدها
يصل إلي نحو7 مليارات من الدولارات سنويا.
وفي بريطانيا, تقوم منظمة مناهضة العبودية
الدولية, التي تأسست عام1839 والتي تعتبر أقدم منظمة دولية للدفاع
عن حقوق الانسان وهي المؤسسة الخيرية الوحيدة في بريطانيا التي تعمل
لمناهضة العبودية وما يتصل بها من الانتهاكات اللاإنسانية, بالدعوة
علي المستوي المحلي والدولي, إلي القضاء علي نظام العبودية في العالم
وذلك عن طريق حثها للحكومات في الدول التي تعاني من هذه الظاهرة بإتخاذ
الاجراءات الرادعة اللازمة للقضاء عليها, وتسعي إلي تحويل قضية
العبودية إلي الصدارة من ناحية الاهتمام بالتوعية بمخاطرها والاعتراف
بحق كل انسان في الحياة بكرامة. وفي سبيل ذلك اختارت المنظمة عدة دول
من التي يتم المتاجرة فيها بالأطفال في افريقيا للتنسيق معها من أجل
تحقيق أهدافها, وذلك بدعوة حكومات هذه الدول من أجل وضع حد أدني لسن
العمل والأجر والمعاملة الكريمة للأطفال. لقد اصبحت تجارة البشر أسرع
أشكال العبودية نموا في هذه الأيام, حيث يستخدم العاملون فيها أساليب
القهر والعنف والخداع في الأيقاع بضحاياهم وارغامهم علي القيام بأعمال
غير أدمية. ولكن العقوبات المفروضة علي هذه الجريمة مازالت غير كافية
لأن تمنع هؤلاء المجرمين من الاستمرار في جريمتهم. فعلي سبيل المثال
نجد أنه حتي وقت قريب لم يكن لدي بريطانيا تشريع يجرم تجارة البشر.
وفي العام الماضي تم وضع قانون ينص بالسجن لمدة14 عاما للمتاجرين
بالبشر الذين يستخدمون في أغراض الدعارة فقط, ولم يشمل هذا القانون
بقية الأعمال القاسية والخطيرة التي يستغل فيها الأطفال, كما ذكرت
جريدة الأوبزرفر البريطانية.
إن ظاهرة استخدام الأطفال كعبيد يجب أن توضع علي
قائمة أجندة حقوق الانسان لما تمثله من أبشع صور الانتهاك للبراءة,
ونظرا لأن هذه التجارة تتم عبر حدود العديد من الدول, فلقد اصبح
التعاون فوق أرضية مشتركة بين حكومات دول المصدر ودول المقصد, أمرا
غاية في الأهمية من أجل أن يتحقق لها النجاح المطلوب.
ومالم تصدر تشريعات رادعة تشمل كافة أشكال المتاجرة
بالبشر وتجعل العقوبة المفروضة عليها تتناسب مع خطورة الجريمة نفسها,
فسوف تظل هناك ثغرات يستطيع هؤلاء المجرمون النفاذ منها هربا من العقاب
علي هذه التجارة الغير آدمية. وحين يحدث ذلك, يمكن أن يكون هناك
أمل في التقدم في طريق القضاء علي هذه الصورة البشعة للعبودية في العصر
الحديث, والتي تعتبر دليلا حيا علي فشل العالم في حماية الأطفال. |