كشفت صحيفة فرنسية عن نص رسالة وجهها المجلس البلدي
في ستراسبورغ (شمال فرنسا) الى المسؤولين عن مسجد المدينة تحملهم فيها
مسؤولية أعمال مخلة بالأمن، وذلك في مؤشر جديد الى أجواء طائفية باتت
تخيم على فرنسا.
وجاء في الرسالة التي حملت توقيع رئيسة بلدية
ستراسبورغ فابيان كيلير ومعاونها الأول روبير غروسمان (وهما من أعضاء
حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" الحاكم) ان عميد المسجد عبدالله
بوسوف كان تعهد العمل "على مكافحة الأعمال المخلة بالأمن" في الأحياء
الصعبة في المدينة. وأضافت ان هذه الأعمال (تصاعدت للأسف في الأسابيع
الأخيرة من دون ان نلمس أبداً أي أثر لعملكم).
وتحذر الرسالة من أن السلطات البلدية قد تعدل عن
المساهمة (بنسبة عشرة في المئة) في بناء المسجد الجديد للمدينة، ان لم
يلتزم المسؤولون عنه (اسلاماً جمهورياً فرنسياً). وتشترط بناء عليه أن
تكون "عظاة الأئمة وخطبهم باللغة الفرنسية وليس باللغة العربية)،
للوقوف على نوعية الرسالة التي تتضمنها، وهو ما يتنافى مع صلاحيات
المجلس البلدي ويشكل تدخلاً من جانبه في ممارسة الحرية الدينية.
وتواجه الجالية المسلمة حالياً ضجة بشأن الحجاب
ويستغلها البعض للدلالة الى تفشي الخطر الأصولي على الأراضي الفرنسية،
كما اثير (العداء للسامية) كتهمة توجه اليها كلما حصل عمل يستهدف أحد
المقرات اليهودية، وها هي تُحمّل اليوم مسؤولية تفشي الخلل الأمني،
وفقاً لرسالة كيلير وغروسمان.
وفي محاولة لتبرير التأثير السلبي الذي نجم عن
الرسالة، قال غروسمان في حديث اذاعي ان بلدية ستراسبورغ (لا تقدم على
أي خلط بين لون البشرة والخلل الأمني).
لكن هذا التصريح لم ينجح في تبديد المضمون المهين
للرسالة، فطالب رئيس (المجلس الاقليمي للدين الاسلامي) في منطقة
الالزاس (حيث تقع ستراسبورغ) عبدالحق نبوي، المجلس البلدي بالتصريح
علناً عن سحب مضمون الرسالة. واعتبر ان "توجيه اصابع الاتهام" الى
المسلمين من جراء الخلل الأمني، أمر (غير مقبول) ويؤدي الى (انحراف
طائفي منافي للقوانين الجمهورية).
أما الأمين العام لمسجد ستراسبورغ عبدالرحيم حلوي
فعبر عن شعوره (بالاهانة) من جراء مضمون الرسالة (الذي يوحي بأننا على
صلة بالمخلين للأمن).
وإذا كان من الطبيعي لاحداث الشرق الأوسط والعراق
ان تنعكس على فرنسا بحكم تعايش جاليتين مسلمة ويهودية على أراضيها، وأن
تؤدي الى نوع من التوتر بينهما، فمن غير الطبيعي ان تساهم السلطات
العامة الفرنسية في تغذية مثل هذا الوضع.
يشار الى ان الأرقام التي وزعتها دائرة الشرطة
المركزية في ستراسبورغ في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي خلت من أي
اشارة الى تصاعد الحوادث الأمنية في منطقة ستراسبوغ عموماً، بل أفادت
بأن الأعمال المخلة بالأمن سجلت تراجعاً بنسبة خمسة في المئة على مدى
الشهور التسعة الماضية.
وأحصت دائرة الشرطة 5488 عملاً مخلاً بالأمن وقعت
في المنطقة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، أي بارتفاع قدره 92.0 في المئة
قياساً الى الشهر نفسه من العام الماضي. وبموجب هذه الأرقام الرسمية
يتضح ان ليس هناك أي عنصر أمني مستجد يبرر مضمون رسالة كيلير وغروسمان،
وان ليس هناك أي أساس عملي لما ورد فيها.
يذكر أن العنصرية ضد الحجاب في أوربا منتشرة بقوة
في جميع بلدانه، ففي تركيا احتجت النساء التي تبلغ نسبة سكانها
المسلمين 98%على القرار الجائر بمنعهن من ارتداء الحجاب في المدارس
الحكومية؛ لأنه قانون عنصري يمنع النساء من إكمال تعليمهن.
وكانت الشرطة قد قامت على مدى 11 شهراً بمنع
الطالبات المحجبات من دخول المدارس، وقد أوقفت حوالي 3 آلاف طالبة
مسلمة في اسطنبول عن الذهاب إلى المدارس، حيث يقف هذا الخطر عائقاً
أمام استمرار 30 ألف طالبة جامعية عبر البلاد لإكمال تعليمهن كما تقول
"مظلومدر" ـ وهي منظمة تركية تعنى بالحريات الدينية.
ومن المثير للنظر أن المدارس الدينية أصبحت من
المؤسسات التركية التي أنكرت على النساء ارتداء الحجاب الذي هو فريضة
شرعية إسلامية، بينما تعتبره المؤسسة العلمانية المتشددة التي تتكوَّن
من الجيش والسلطة القضائية وبيروقراطية الدولة رمزاً لما أسمته بالتمرد!
ورغم أنَّ التقارير تفيد بأنَّ حوالي ثلث النساء
التركيات يرتدين الحجاب؛ فإنَّ الحجاب محظور في البرلمان والمكاتب
الحكومية والجامعات والمدارس الثانوية، وتجبر النساء المتدينات على
الاختيار ما بين الوظيفة الحكومية والامتثال لفريضة إسلامية.
وتقول "حواء جان" ـ وهي طالبة عمرها 16 عاماً وترفض
التوقف عن ارتداء الحجاب ـ :"إن كنت عضواً في جماعة فعليك أن تطيع
قوانينها، ونحن مسلمات ونؤمن بالإسلام، ولذا علينا أن نطيع تعاليمه".
ونتيجة للتطبيق الغريب لحظر الحجاب على المدارس
الدينية الإسلامية؛ قامت الطالبات المحجبات وعائلاتهن بالتظاهر احتجاجاً
على حظر الحجاب. واستمرت التظاهرات خلال الفصل الدراسي وحتى السنة
الجديدة.
وبعد حوالي سنة من تنفيذ القرار المتعسف بمنع
ارتداء الحجاب، توقفت حوالي 3 آلاف فتاة من المدارس الدينية عن الحضور،
وتمَّ القبض على 1885 طالبة وأفراد عائلاتهم أثناء التظاهرات في
اسطنبول.
ولقد هدأت الاحتجاجات منذ انتخابات نوفمبر، حينما
حقق حزب من الإسلاميين أغلبية مسيطرة في البرلمان. وكان "رجب الطيب
أردوغان" رئيس حزب العدالة والتنمية قد شدَّد على موضوع "حقوق الإنسان"،
وهو ما يعني بالنسبة للمسلمين الملتزمين نهاية للقيود على التزامهم
بأحكام الشريعة الإسلامية، بما في ذلك المنع على ارتداء الحجاب، حيث
كثير من زوجات قياديي الحزب يرتدين الحجاب. |