الناس الأسوياء يودون أن يعايشوا بريق الفضيلة
بكل جانب من جوانب الحياة وفي أولوية ذلك انتشارها في المكان المدينة
التي متى ما جعلت مدينة فاضلة فذاك يعني أن المروءة والشهامة والشجاعة
والعدل والأمانة والعفاف والى آخر الصفات الحميدة هي لبنات تبنى منها
وعليها النفوس الخيرة.
أن رفعة أي مجتمع تأتي بأخلاقياته العالية التي
توفر الطمأنينة والسكينة للذات الإنسانية التي تبدأ بالنمو على أسس
الإنصاف وفهم معنى وجودنا في هذه الحياة وجوداً ينبغي اجتياز فترته
بعمل الخير بعيداً عن اقتراف أي مظالم ضد الآخرين وطبيعي فكل هذا لا
يتم ولا يمكن إنجازه إلا ضمن أرضية خصبة تستقبل حقوق الغير وكأنها من
المقدسات التي لا يجوز التجاوز عليها وهذه الأرضية التي هي مكان
المدنية تنخلق فيها الشخصية القدوة والأسرة القدوة، وأخيراً المجتمع
القدوة، وفعلاً ففي المدنية الفاضلة حيث تشع بسمات الأخلاق الحسنة من
كل بيت وكل حارة.
وعمل الناس في المدينة الفاضلة أساسه الاتجار
المشروع فقط بالمواد غير المؤثرة على النشاطات العقلية كلاص مسموح بها
أخلاقياً كشرب الخمور أو تناول المخدرات أو ممارسة الزنى وما لذلك من
شأئنات تحط من قدر الإنسان، ففي المدينة الفاضلة تطفوا السوية على ما
دونها من أخلاق ثانية حيث يتسارع فيها المصلحون لتفادي أي مشكلة نفسية
أو اجتماعية عند الأفراد والجماعات معاً فكل ما يتنافى مع السلوك
القويم فيها أمر مرفوض.
إن مبدأ الفضيلة قد شغل الأقدمون واليوم يشغل
المعاصرون خصوصاً بهذا الزمن التي تحتاج فيه البشرية إلى الالتزام
التام بتلك المبادئ حيث لا يمكن تخيل مدينة فاضلة دون أناس فضلاء فيها،
لقد سيطر الإنسان حتى الآن على مكامن هائلة في الطبيعة لكنه ببعض
الأحيان يبدو وكأن نفسه الأمارة بالسوء قد غلبته فالناس كما يلاحظون لا
يعيرون تلك الأهمية لما يدور حولهم إلا إذا مس الضر مصالحهم وهذا يعني
أن هناك ميثاقاً للفضيلة بين الناس قد وقعه الأسوياء منهم في قلوبهم
حيث تركز العادة السوية بحكم كونها قد أمست عرفاً بين المجتمع الواحد.
فإذا ما عرفنا أن ولادة الحضارة الإنسانية كانت
قد حدثت قبل زهاء (6 آلاف سنة خلت) فإن الالتزام الحريص على تفعيل
الإبداع الأخلاقي في المدينة الفاضلة سيدع مدن أخرى أن تقلدها وبالتالي
فستكون الظاهرة الجديدة هي استحصال عدد كبير من المدن الفاضلة التي إذا
ما غطت بلد معين فسيصبح ذاك البلد هو (البلد الفاضل) وهذا ما سيؤدي
حتماً في مرحلة سريعة إلى الظفر بتسييد السلام العالمي في أرجاء الأرض
بين بني البشر أجمعين.
والمدينة الفاضلة ليست أبنية لعديد من البيوت بل
هي عروس في شوارعها وساحاتها وحدائقها وغمرة مياهها الصافية التي تدر
العافية على الناس، حيث يستفاد من جغرافية المكان أقصى استفادة من حيث
توظيف النفس الجمالي إلى بحيرة المدينة الفاضلة إذا كانت فيها أو
بجوارها بحيرة وكذا الحال بالنسبة للبحر أو النهر أو ما شابه ففي
المدينة الفاضلة يبني التاريخ سياجاته الحضارية المتينة التي لا تؤثر
عليها رياح الأزمان الخاوية.
النظافة في المدينة الفاضلة على أشدها والأمراض
لن تتجرأ أن تؤسس مراتع فيها فدعاءات أهالي المدينة الفاضلة إلى الله
سبحانه وتعالى في المساجد وبقية دور العبادة لله تحمي الناس من كل سوء
حيث الدعاءات العفوية عند جمهرات المؤمنين والمؤمنات مستجابة في مدينة
يعلو فيها اسم الله على أي اسم آخر، وبالإجمال فالمنظر العام لمدينة
الفضيلة فيه ما يذكر بالماضي التليد واستخلاص عبره ودروسه. والمواقف
الإنسانية لأهل المدينة الفاضلة تقوي الحاضر من أجل الاستشراف بثقة إلى
المستقبل.
لقد بقي اسم المدينة الفاضلة منذ عهد فيلسوف
اليونان أفلاطون وحتى يومنا هذا مبهماً وسراباً أحياناً حيث يسأل الناس
وماذا في المدينة الفاضلة وكم هو عدد سكانها ولماذا لم تنبثق حتى الآن
أليس الطريق الأفضل إلى العدل ينشده الجميع؟! أن طريق الهدى واضح
المعالم في السلوك والعلاقات البشرية، والفرد بعقله الكبير يفرق بين
الجيد والأجود له إذ لا يمكن أن يشكل أي رأي محدود تأثيراً ماسحاً على
رأي آخر شمولي فالسوية شعور تترجمه الفطرة الإنسانية التي أودعها الله
سبحانه وتعالى في النفوس قبل ولادتها ومن أول سمات الفطرة أن كل ما
يسيء إلى جماليات الحياة بشطريها (المكان والزمان) يتصدى له الناس
فالتلوث البيئي في المدينة الفاضلة بحسب المخيلة الإنسانية السوية ليس
له وجود.
والأكثر من ذلك يمكن التخيل أن من تأثير معيشة
البحبوحة المعنوية عند الناس في المدينة الفاضلة فإن تجاعيد الشيخوخة
لا تطال الوجوه فيها غلا بوقت متأخر جداً من العمر ما دام الفرح سائداً
بين جوانح النفوس والغبطة تكاد أن تطير بها نحو آفاق أكثر جمالاً وتكاد
البراءة كما (يفرض في التخيل السوي) أن تكون البراءة دنيا للكبار
يتعلموها من الأطفال. فالمدينة الفاضلة في أركانها الهادئة تخلو من
منغصات بيئة المواد الزائدة والسلوكيات المسيئة هي مدينة بلا مخافر
للشرطة ومستشفياتها تكاد أن تغلق أبوابها لقلة الزبائن ولا توجد محاكم
في المدينة الفاضلة فكل يعرف أن حريته لا تبدأ إلا عندما تنتهي حرية
الآخرين لذا فهي مدينة خالية من البيئة الاجتماعية الرديئة.
وفي حالات استثنائية حين يتم اكتشاف خلل ما في
المدينة الفاضلة فتتم معالجته بسرعة وإذا تعذر ذلك لأسباب قاهرة فتنقل
معالجة ذلك الخلل إلى طريقة لا تؤثر على ديمومة فضائل المدينة والصراحة
من أجل حماية كيان المدينة زاهراً مسألة لا تقبل المجاملة على حساب
نوعها الراقي، فهي مدينة تشكل ظاهرة لائقة البناء كي يسكنها الناس
الأسوياء فكل ما فيها ذو أريحية فهي مدينة أحياؤها تخلو من أي سكن
عشوائي وتصلح أن تكون مدينة في طراز البناء فيها نموذجاً يحتذا ولا
معضلة فيها بما في ذلك أنها مدينة لا تعاني من اكتظاظ السكان فيها.
والمدينة الفاضلة تخلو من تلك الحيوانات الأليفة
التي تسبب المرض للإنسان كـ(الكلاب والقطط) والإنسان فيها رقيب روحي
لنفسه قبل أن يتحكم فيه قانون لحاكمية وضعّية. |