ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الإمام علي... نهج الديمقراطية

نــــزار حــــيـدر

ما أعظم عليا ؟.

وأعظم ما فيه، صدقه في القول والعمل، وتطابق كلامه مع أفعاله،لم يأمر الناس بمعروف قبل أن يسبقهم إليه، ولم ينه رعيته عن خلق أو باطل قبل أن ينتهي عنه، كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، ولذلك فهو قدوة وأسوة، ولا غرابة في ذلك، لأنه ربيب الصادق الأمين، الذي شهد له رب العزة والجلال بعظيم خلقه، فقال عنه في محكم كتابه الكريم ـ وانك لعلى خلق عظيم، وانه نفس رسول الله بنص الآية القرآنية الكريمة ـ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، وهو القائل يصف علاقته برسول الله ؛ ـ وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، واشم ريح النبوة.

انه النموذج الذي يجب أن نتلمس طريقه لبناء عراق جديد، يصون إنسانية المواطن، وكرامته وحريته وإرادته وحقوقه ورأيه.

إنه نهج الديمقراطية الذي تضرج بدمه شاهدا وشهيدا في محراب الكوفة في 19 رمضان سنة أربعين للهجرة النبوية الشريفة، ليكون أول ضحية للإرهاب والعنف والتعصب الأعمى، الذي لم يتسع للرأي الآخر.

لقد رفض الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ أن يكون سببا لتمزق الأمة وتشتت أمرها، فآثر الانسحاب من المشهد السياسي والسلطوي المباشر، عندما أحس بان إصراره على انتزاع حقه الطبيعي والشرعي في الخلافة بعد رسول الله ـ ص ـ سيؤجج نار الفتنة وربما الاقتتال الداخلي، فسكت عنه، مع علم الجميع بأحقيته وأفضليته في هذا الأمر، وهو القائل ؛ ـ أما والله لقد تقمصها فلان وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا،..... فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، فلم يشأ أن يكون جزءا من المشكلة، بل كان الحل كله، مكتفيا بأداء دور الرقيب والناصح الأمين والمستشار المؤتمن، يبادر إلى مساءلة الحاكم كلما بدر منه خطأ، ويرفع صوته بوجه الباطل كلما هدد كيان الأمة، ويسارع إلى تقديم النصح والمشورة كلما طلب منه ذلك وهو القائل ؛ ـ لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، إلتماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه.

ولما عصفت الفتنة أخيرا بالأمة التي وصلت إلى طريق مسدود، لا تعرف كيف تهتدي إلى طريق الحق والصواب، انثالت على الإمام علي تطالبه بالتصدي لأمر الخلافة، باعتباره آخر الخيارات لحل الأزمة، والرجل الوحيد القادر آنئذ على أن يأخذ بيدها إلى جادة الأمان، بالإضافة إلى انه الخيار الوحيد الذي يمكن أن تجتمع عليه كل الأمة، إثر الزلزال السياسي الرهيب الذي ضربها، فرفض أولا هذا الأمر، ولم يبد تهالكا على السلطة، بل أبدى استعداده في أن يكون مواطنا عاديا في ظل الدولة الإسلامية، إذا كان ذلك أسلم له ولامته، وهو القائل ؛ ـ دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد اغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما اعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وان تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا،خير لكم مني أميرا.

كان يرى السلطة مسؤولية أولا وأخيرا، ملعون من يتصدى لها وفي الأمة من هو خير منه وأفضل وأجدر وانسب لها، ولا خير فيمن يتبوأ مقعدها، وهو يعلم مسبقا بأنه ليس مؤهل لها، ولا يمتلك ما يكفي من الكفاءة والقدرة والنزاهة، ليعطيها حقها، ولولا رغبة الرعية وإلحاحها، لما قبل بالموقع الذي سيزينه علي دون أن يضيف للإمام شئ يذكر، ودون أن يغير من شخصيته وأخلاقه قيد أنملة، وهو القائل ؛ ـ أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز.

فلم يكن ليجامل في السلطة، على حساب إقامة الحق ودحض الباطل، لا فرق عنده في ذلك، بين واحد وآخر، فكل الرعية سواسية عنده، وهو القائل ؛ ـ الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه.

وعندما قبل أن يتولى السلطة، رفض أن تنتخبه زمرة أهل الحل والعقد فقط، بل طالب بان تجري البيعة عامة من كل الناس، وأمام الملأ في المسجد الجامع، وباختيارهم ومن دون تهديد أو إكراه، حتى لا يدبر أمر بليل، ولا يخطط للاستيلاء على السلطة في جنح الظلام، لأنه لم يشأ أن يكون زعيما للأقلية، أو أسيرا بيد أصحاب رؤوس المال، يفرض نفسه وإرادته على أغلبية الأمة، بالإكراه، أو يكون في مهب الريح تقود زمامه عصابات المال والدعاية المضللة، فقال بعد أن بويع للخلافة، وهو يحاجج معاوية بن أبي سفيان الذي رفض إعطاء البيعة للإمام، واستأثر بسلطانه في بلاد الشام، ؛ ـ انه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه إماما، كان ذلك لله رضى، فان خرج عن أمرهم خارج، بطعن أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه.

وان أول قرار اتخذه بعد توليه السلطة عبر الانتخابات العامة، هو إعلانه عن حقوق الرعية، لأنه كان يريد أن يحكم امة واعية لمسؤولياتها، عارفة بحقوقها، وبما يجب عليها إزاء الحاكم، ولم يشأ أن يحكم قطيع من الجهلة والإمعات، فوقف خطيبا ليقول ؛ ـ أيها الناس إن لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فأما حقكم علي، فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين ادعوكم، والطاعة حين آمركم.

كان واضحا وصريحا مع رعيته، رفض أن يخدعهم أو يغشهم أو يلبس عليهم الأمور، لأنه كان يعتقد بان سر نجاح الحاكم في العلاقة مع المحكوم، هو مدى تفاهم الطرفين، ومدى وضوح الأمور وحدود الحقوق والواجبات المفروضة على الطرفين، حتى لا يتجاوز احدهما على حقوق الآخر، أو يقصر احدهما بواجباته وبالتزاماته تجاه الآخر، ما ينتج عن كل ذلك علاقة حسنة وطيبة بينهما، قائمة على أساس الثقة المتبادلة، تفضي إلى الاستقرار والتنمية والتطور الدائم.

أكثر من هذا، فقد أوضح لهم ما ينبغي أن يكون عليه الحاكم، وبعبارة أخرى، حدد لهم مساحات المساءلة والمحاسبة و..... شروط إقالة الحاكم إذا إقتضت الضرورة، فقال لرعيته ؛ ـ انه ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربه، الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنة، وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السهمان على أهلها، فبادروا العلم من قبل تصويح نبته، ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي.

كان يبحث لأعدائه عن المبرر ليحقن فيه الدماء، فكان يقول ؛ ـ لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه، ولذلك لم يكن في ظل سلطانه سجين سياسي، أو سجناء عقيدة، حتى الخوارج الذين كانوا من أشد أعدائه قسوة وعنفا، رفض أن يمنعهم من عطاء بيت المال، أو الحضور في المسجد، لازالوا لم يشهروا السيف بوجه الحكومة الشرعية المنتخبة.

كما منع أصحابه من التجاوز على حقوق الرجل الذي إعتدى عليه وهو يخطب في مسجد الكوفة، عندما قاطع الإمام بقوله، كافر ما أفقهه،.

وأكثر، فعندما تولى السلطة، بادر فورا إلى إلغاء كل الأحكام الجائرة التي كانت قد أصدرتها السلطات القضائية في العهود الثلاثة التي سبقته، ضد المعارضة السياسية، كما ألغى القوانين التي تميز بين المواطنين على أساس ديني أو عرقي، فأحيا بذلك مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، لأنه كان يؤمن بحرية الرأي، وحق المواطن في أن يعارض الحاكم، كما كان يرفض مبدأ الاعتقال الاحترازي أو الإداري، فأطلق سراح سجناء الرأي، وأجاز لزعماء المعارضة حرية السفر والتنقل بين أجزاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، من دون شروط أو تعهدات أو التزام أو رقيب، من الذين كانوا في الاقابة الجبرية التي فرضتها عليهم السلطات السابقة.

كان يرفض أن يتميز عن عامة الناس، كما كان يرفض أن يعيش بأعلى مستوى من أدناهم، فكان يقول ؛ ـ ولو شئت لاهتديت الطريق، إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل، وحسبك داء أن تبيت ببطنة، وحولك أكباد تحن إلى القد، أأقنع من نفسي بان يقال ؛ هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها، وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل

عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.

وذات مرة إغتاض من قاضي القضاة، عندما حاكمه يهوديا أمامه على درع ادعى أنها له، لان القاضي لم يعدل بينهما عندما كناه وسمى خصمه، فالعدل في نظر الإمام يجب أن يكون شاملا ودقيقا، ليس في الحكم فقط، وإنما حتى في تسمية المتخاصمين عند مناداتهم للمثول أمام المحكمة أو عند توجيه الأسئلة لهم.

لقد كان العدل بالنسبة للإمام أعظم شئ، فلا خير في حاكم لا يعدل بين رعيته، ولا خير في سلطان يقيم ملكه على الظلم والعدوان، ولذلك كان كل همه أن يكون عادلا في كل الأمور، لا يتجاوز على حقوق أحد، ولا يعتدي على مواطن مهما كان بسيطا متواضعا، أو فقيرا معدما، أو منسيا مهمشا، فقال لحظة تسنمه مسؤولية الخلافة، مشيرا إلى العدل كمحور أساس في منظومة سلطانه ؛ ـ والله لو وجدته، يقصد المال العام الذي وزعته السلطة التي ورث عنها الخلافة بلا حساب ولا كتاب، قد تزوج به النساء، وملك به الإماء، لرددته، فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق، وهو القائل ؛ ـ والله لإن أبيت على حسك السعدان مسهدا، أو أجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشئ من الحطام، وكيف أظلم أحد لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها ؟.

كان يرفض الباطل ويحذر منه مهما كان مصدره، وكان يقبل بالحق ويدعو إليه أيا كان مصدره، لم يهتم بالهوية، ولم يحاسب على الزي، إنما كان هاجسه الحق والعدل، ولذلك، فعندما كان يرفض باطلا، لم يكن مهما عنده هويته أو زيه، إنما المهم ذات الباطل، فيتصدى له بكل قوة من دون أن تأخذه في الله لومة لائم، فكان يقول ؛ ـ ألا من دعا إلى هذا الشعار، الباطل، فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه، لعلمه بمن سيأتي من بعده من المزيفين والدجالين الذين يتخندقون بعمامته ويتحصنون بزيه أو بهوية الانتماء، للإضرار بالأمة، والإيقاع بين أبنائها، من تجار الدين وزيه.

كان يدعو إلى المساواة في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بين المواطنين، وان التفاضل فيما بينهم، يكون على أساس الأداء فقط، وليس على أساس الاسم أو الزي أو الانتماء، أو القومية، فكان يقول ؛ ـ أما بعد، فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد، إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه، لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه.

كان يرى ضرورة إشاعة المعلومة الصحيحة بين الناس، وعدم احتكارها أو حجبها عنهم، لان الوعي لا يبنى من دون معلومة، أو بمعلومة خطأ، كما أن الموقف الصحيح توأم الوعي الناضج، الذي يولد بالمعلومة الصحيحة، ولذلك لم يشأ أن يحجبها عن رعيته، وكان يحرص على استشارة أصحابه، ليحملهم المسؤولية إلى جانبه، فلم يكن مستبدا برأيه أبدا، فكان يقول ؛ ـ من شاور الرجال شاركهم عقولهم ـ و ـ من استبد برأيه هلك ـ و ـ ما تشاور قوم، إلا هدوا إلى الصواب، كما كان يدعو قواده إلى الثبات على الأسلوب الصحيح، دون الاغترار بنصر يصيبونه، أو نجاح في إنجاز، حتى لا يتكبروا على من دونهم، ولا يشمخوا بأنوفهم على من تحت أيديهم من الناس، فكان يقول ؛ ـ أما بعد، فان حقا على الوالي ألا يغيره على رعيته فعل ناله، ولا طول خص به، وان يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده، وعطفا على إخوانه، ألا وان لكم عندي ألا احتجز دونكم سرا إلا في حرب، ولا اطوي دونكم أمرا إلا في حكم، ولا أأخر لكم حقا عن محله، ولا أقف به دون مقطعه، وأن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك، وجبت لله عليكم النعمة، ولي عليكم الطاعة، وألا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات إلى الحق.

لم يتربص بإخوانه، ولم يعد عليهم زلاتهم وهفواتهم، ولم يحتفظ بأسرارهم وفضائحهم لابتزازهم بها عند الحاجة، ولم يكن يتصيد بالماء العكر للإيقاع بهم أو التخلص منهم، بل كان يمكنهم من اجل أداء أفضل وإنجاز أحسن، فكان يوصي القوي بالضعيف، والناهض بالساقط، والقائم بالجالس، والمقتدر بمن كبا لسبب من الأسباب بقوله ؛ ـ وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من احد من إخوانه فشلا، فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه،كما يذب عن نفسه،فلو شاء الله لجعله مثله.

لم يكن يحب أن يخالف قرارالاغلبية، فكان يكره أن يحملهم ما يرفضون، أو يجبرهم على فعل ما لا يطيقون، وهو القائل ؛ ـ لقد كنت أمس أميرا، فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت أمس ناهيا، فأصبحت اليوم منهيا، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون، ولذلك، كان يبذل قصارى جهده من اجل إقناع الرعية بما يراه صحيحا، ثم يترك أمر الخيار والاختيار إليهم، فإذا اجمعوا على الخطأ مثلا، كما في صفين وفي قضية التحكيم، كان يشعرهم بالمسؤولية التي يجب أن يتحملوها ويدفعون ثمن الخطأ الذي ارتكبوه، من دون أن يتهربوا منه، ليعيشوا تأنيب الضمير ويتحسسوا جسامة نتائج الخطأ، فيتعلمون منه ما يصيبون به الحق في المستقبل، وتلك هي ضريبة الديمقراطية.

حرم أن يكون سببا لإراقة دماء المسلمين، مهما عظم الخطب، فأوصى أهله بقوله بعد أن طعنه عدو الله تعالى، ابن ملجم، بسيفه المسموم، الطعنة التي استشهد على أثرها الإمام ؛ ـ يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون، قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فاني سمعت رسول الله يقول، إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور،.

كان يحرص على معالجة حالات الخطأ في المجتمع من دون النظر إلى هوية الضحية، فاستنكر مثلا حالة الرجل النصراني العجوز الذي مر عليه في إحدى طرقات الكوفة، مرميا على الرصيف، قائلا ؛ ـ ما هذا ؟ ـ ولم يقل ؛ ـ من هذا ؟، ففي رأيه أن مثل هذه الحالة، خطأ لا يجوز أن يشهد مثلها في ظل سلطان القسط والعدل، ولذلك فهو استنكر الحالة، بغض النظر عن اسم الضحية وهويته ودينه، وعندما علم من الناس أن الضحية رجلا نصرانيا عجوزا، ليس له في المدينة من يعيله ويقوم بخدمته ويقضي حوائجه، أجابهم ؛ ـ استعملتموه شابا، ورميتموه كهلا ؟، ثم أمر أن تكفل حياته من بيت المال، كاملة غير منقوصة.

كان على أتم الاستعداد للقبول بتهمة الخصم، إذا كان ذلك طريقا لدرء الفتنة، وحقن دماء المسلمين، فقال للخوارج عندما أحس منهم الإصرار على خوض الحرب ضده ؛ ـ فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت، فلم تضللون عامة أمة محمد بضلالي، وتأخذونهم بخطأي، وتكفرونهم بذنوبي ؟.

أخيرا، لم يشأ أن يبادر خصمه بإعلان الحرب عليه أبدا، إلا بعد أن يلقي عليه الحجة كاملة، بالحوار والمنطق والخطاب والبيان والمراسلة والرسل والمفاوضين ولجان التحكيم والشهود، فإذا لمس منه إصرارا أعمى على خوض الحرب، خاضها بكل شجاعة وعزيمة لا تلين ورجولة وإقدام ويقين، من دون تردد أو خوف أو وجل، في إطار الأخلاق والمناقبيات الإلهية الربانية، وهو القائل لأصحابه ؛ ـ لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا معورا ولا تجهزوا على جريح ولا تهيجوا النساء بأذى وان شتمن أعراضكم، وسببن أمرائكم.

ما أعظم عليا ؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 18/11/2003 - 23/ رمضان/1424