قسمت مخلوقات الله إلى إنسان أمتاز من دون تلك
المخلوقات بالنطق والى مقابلة حيوان عديم النطق لكن لغة التواصل منذ
بداية الخلق كانت جارية وكان التقارب بين الاثنين سمة دائمة لحياة
يسودها شيء من التفاهم والتسليم أحياناً لقدر العلاقة بينهما بحكم سد
الحاجة المفضلة أن تكون لصالح الإنسان في كل الأحوال.
ومع أن التشابه في الفطرة عند الإنسان أو
الحيوان لا يحتاج إلى تعريف بأحيان ليست كثيرة فمثلاً أن رعاية الأمومة
عند عائلة الإنسان وعائلة الحيوان مسألة ليس بمستطاع البشر حين يلاحظ
أن القرد الصغير مثلاً يلوذ بصدر أمه تماماً كما يطمئن الطفل إلى أمه
الإنسانة، والحيوان المسخر أن يكون في خدمة الإنسان ضمن بيئة تجلي
صورتها الواضحة جداً وجود الحيوانات الأليفة العائشة مع الإنسان أبداً
رغم أن مصيرها مهدد بأكله لهها وبديهي لا أحد يدري بالكيفية التي تفكر
بها الحيوانات المصادقة للإنسان فيما يتعلق بمصيرها الأخير معه إلا أن
دلائل ميدانية تشير إلى شيء عجيب في هذا المجال من (الجمل) الذي عادة
ما ينحر قبيل أكله إذا ما لاحظ أن آلة جارحة قد برزها صاحبه الإنسان في
حركة مشبوهة ولو بعيدة عنه فإنه يبكي أن تنسكب دموعه على مصيره الذي
سيؤول غليه والمحتم بوضع نهاية حياته على تلك الطريقة المأساوية.
إن كثير من أنواع السلوك وراثي بالفطرة لدى
الإنسان ولدى الحيوان أيضاً لكن نسبة السلوك المكتسب عند الإنسان أكثر
نسبة منه لدى الحيوان بسبب افتقار الأخير للعقل الراجح الذي عند
الإنسان.
ومن الأمور الغريبة حقاً أن الغزل السائد بين
الزوجين الرجل والمرأة يقابله شيء من المناجاة عند المخلوقات الأخرى
غير البشرية كمناجاة الطيور (المتزوجة) إلا أن من الأمور المشتركة بين
مخلوقي الله سبحانه في خلقه أن حفظ النوع هو النتيجة لمنع الانقراض
التي تتم بالتزواج فإذا كان الناس يعيشون بصورة جماعية في الأرياف
والمدن فتوجد أنماط من العيش تجمع المخلوقات الحيوانية للعيش أيضاً ضمن
تنظيمات متكاتفة سواء في البراري أو اليابسات كقطعان الغزال وأسراب
العصافير التي غالباً ما تعيش على مقربة من أماكن الإنسان لكنها لا
تعيش معه مباشرة إلا إذا كانت مجبرة على الخنوع لقوة حيلة الإنسان الذي
يضعها في سجن أقفاصه ومن نوادر علاقة اللاتآلف بين الإنسان والحيوان
التي لم تفهم بعد أن معظم العصافير الصغيرة الحجم تنطلق متنكرة لصاحبها
الإنسان في أول فرصة تتاح له للهروب من أقفاصها في حين أن الطيور
الأكبر حجماً تقيم علاقة أكثر وداً في استراتيجية عيشها المشترك مع
أصحابها لذلك يلاحظ أن هناك مطيروا لأسراب الطيور أو ما يطلق عليهم
بـ(المطيرجية) في العراق مثلاً حيث تعود تلك الأسراب بعد التمتع
بطيرانها في السماء القريبة الأفق من أعشاشها فوق سطوح المنازل الخاصة
بالإنسان، ولعل مما لا يفهم أكثر أن معظم القوانين في البلدان العربية
لا تنظر إلى الإنسان الذي يربي طيوراً كبيرة على أنه إنسان عاقل ولهذا
فإن المحاكم ودور العدل ترفض شهادة إنسان في أي قضية حتى لو كان الشاهد
الوحيد في دعوى كبرى مع أن العديد من الدول الأخرى تعتبر مربي الطيور
شخص ملتزم بالدفاع عن حقوق الحيوان وتثمن توجهه الإنساني.
وهناك من المخلوقات ما يمنحها الإنسان امتياز
عدم التعرض لها أو لحياتها كـ(النحل) الذي عادة ما تلدغ أي متقرب إلى
أماكنها ولكن مع هذا فليس في التراث العالمي والمدون ما يشير إن إنسان
ملدوغ قد أباد تعريشة النحل في أماكنها بسبب الانتقام فالإنسان يتذكر
خير عسل النحل ويبدي اهتماماً فائقاً بتجمعاتها قدر ما يستطيع ولا
يحاول إزعاجها لا بل وتوصل العقل المبتكر عند الإنسان إلى ارتداء ملابس
خاصة تقيه من لدغ النحل حين يضطر بالتقرب إلى أماكنها وجلب كتل العسل
من أماكن تعريشاتها التي تكون أحياناً على جذوع الأشجار أو بين الصخور.
وأهم ما في العلاقة بين الإنسان والنحل. إن العمل الجماعي المنظم لدى
النحل في مملكة النحل جعل الإنسان يشعر بقوة أنه بدون التضامن مع أخيه
الإنسان فلن تعني حياته شيئاً فمشاهد بعض مخلوقات الله عز وجل تعرض
علينا أنماطاً من السلوك الحيواني الذي يدعونا إلى مراجعة أنفسنا كي
نتخلى قليلاً عن بعض غرورنا وندرك أننا لسنا الوحيدين على هذا الكوكب
الأرضي. |