بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
رسـالـة مـفـتـوحـة لـلـمـجـلـس الأعـلـى
لـلـقـضـاء
السيد المستشار رئيس المجلس الأعلى للقضاء
الموقر
السادة المستشارون أعضاء المجلس الأعلى للقضاء
الموقرون
أكتب إليكم رسالتي هذه لا لتكون صرخة للتنفيس عن
غضب مكبوت فوقتكم أثمن من ذلك ومكانتكم أكبر من ذلك، ولكنني أكتبها
لأضع بين أيديكم أمانة أنتم أجدر الناس بحمايتها والذود عنها، رغم علمي
بأنني أشكو إليكم خصما لا يتورع عن ارتكاب جريمة مهما كانت وربما دفعت
ثمن مخاطبتي إياكم غاليا، وهو ما سيحدث غالبا، والأعمار بيد الله وحده
. أكتب إليكم لأتقدم إليكم بمطلب محدد يبرره حق الموطنة وأراه مطلبا
ملحا لإخراج مصر من مستنقع الوحل والدم الذي لوثنا جميعا . والدافع
المباشر لكتابة هذه الرسالة مقتل المواطن سعد سيد محمد قطب تحت التعذيب
في مقر مباحث أمن الدولة بشارع جابر بن حيان (بحي الدقي) فجر الرابع من
نوفمبر الجاري بعد اعتقاله بثلاثة أيام وهي جريمة يمكن أن توصف بصدق
بأنها القشة التي يجب أن تقصم ظهر البعير .
صحيح أن الموت تحت التعذيب تكرر كثيرا لكن هذا
لا يهون من بشاعة الجريمة بل يضاعفها، وصحيح أن القتل على يد أجهزة
الأمن خارج القانون جريمة ارتكبت كثيرا لكن هذا أيضا لا يخفف وطأة
الحدث بل يبرر أن تنتفض مصر كلها مذعورة من هذا الدرك الذي انحطت إليه
هذه الممارسات المتكررة التي أصبحت معها كرامة مصر كلها تحت أحذية رجال
الأمن .
انتهك الدستور فأغمضنا أعيننا وأهين القانون
إهانات فاحشة فابتلعنا مهانتنا في ذلة تعجز اللغة عن وصفها، فأصبح
الدستور والقانون تحت حذاء أصغر ضابط في هذا البلد المنكوب، صحيح أن
الوصف قاس لكن الواقع أكثر قسوة . ولم تقف حدود الكارثة عند غياب
الشرعية وهي كبيرة الكبائر إذ يرمى بها أي نظام سياسي لكنها تضاعفت
لتصل إلى سلب حقوقنا وحرياتنا كاملة لنعيش في ظل عقد إذعان مذل لا يضمن
لنا إلا ضياع سنوات العمر بين جدران المعتقلات أو ضياعه جملة واحدة
برصاص يفترض أنه رصاص القانون لكنه إذ يطلق خارج نطاق القانون يصيب مصر
كلها في مقتل، سواء أطلق على نيام اتهموا زورا بمقاومة السلطات أو
متظاهرين منحهم القانون حق التعبير وسلبه منهم المستبدون وانتزعوا معه
حياتهم نفسها .
أيها السادة المستشارون الموقرون
إن الدماء التي سفكت ظلما تستصرخ فمن لها ؟ وإلى
من يمكن أن يفزع الناس في هذا البلد إن لم يفزع إليكم فأنتم العلامة
الوحيدة الباقية للشرعية في هذا البلد، فالسلطة التشريعية على الحال
البائس الذي تعرفون من الافتقار للشرعية .
فإلى من نلجأ ؟
وأية جهة في هذا البلد يمكن أن تلجم جموح
الأجهزة الأمنية وعدوانها السافر على كل ما هو جدير بالاحترام والتقديس
؟
وأية عدالة تلك التي يمكن أن تتحقق في مواجهة
أجهزة تملك سلطات مطلقة ؟
وعلى ذكر العدالة يا حماة العدالة، لقد بشرنا
المؤتمر الأخير للحزب الوطني الحاكم بشعار " العدالة الناجزة "، فهل
يحصل المصريون على شيء ناجز إلا عدالة الموت تحت التعذيب ؟ فحتى الحياة
نفسها لا نستطيع حماية حرمتها من بطش قتلة يرتكبون جريمتهم بأموال
الدولة وبسلطات منحت لهم ليحموا أمن الناس !! . أعتقد أن هذا كثير جدا
على الشعب المصري، فنحن والله " نستحق أفضل من ذلك " لسبب بسيط هو أن
حقوقنا المسلوبة وكرامتنا المنتهكة هي من الله .
أيها السادة المستشارون الموقرون
إنني لا أجهل إذ أتوجه إليكم أنكم لستم جهة
تحقيق ولا ادعاء ولا أطالبكم بإجراء يتعارض مع الدستور أو القانون
فحرصكم عليه مما لا يحتاج إلى بيان، بل أطالبكم بإجراء بحجم المحنة،
إجراء يوقف حالة الانحدار التي نندفع إليها كما لو كنا نسقط في هوة لا
قرار لها . هل تتخيلون ما أشعر به وأن أرى دولة مثل كينيا تشكل لجنة
تحقيق خاصة تحقق في كل ما شهدته البلاد من تجاوزات رسمية منذ استقلالها
بينما نحن لا نملك المحاسبة على تجاوزات ما زال دم ضحاياها ساخنا !!
وعليه :
فإنني أطالبكم بتشكيل " لجنة تحقيق قضائية خاصة "
يشكلها المجلس الأعلى للقضاء بقرار منه وتكون له وحده مقدراتها جميعا،
لجنة تملك من ناحية حق أن يدعي أمامها أي مواطن بشأن أي تجاوز ارتكبته
الأجهزة الأمنية، وتملك من ناحية أخرى حق تحويل أي مسئول أيا كان منصبه
للمحاكمة . وغني عن البيان أنكم أكثر الناس تقديرا لمخاطر تحول الأوضاع
الاستثنائية إلى أوضاع طبيعية، ولا شك أيضا في أنكم أكثر الناس تقديرا
لمخاطر أن يصاب الناس باليأس من إمكان الحصول على العدل في بلادهم
فيلجأوا لجهات ادعاء دولية بحثا عن حقوقهم .
وفي النهاية
إن الملفات العالقة أكثر من أن تحصى والتقارير
الحقوقية حافلة بالجرائم المتنوعة من تعذيب وقتل تحت التعذيب وقتل عمد
وغيرها . وأنا على يقين من أنكم تقدرون مسئوليتكم حق التقدير وأنكم سوف
تنحازون للحق كما هو عهد الأمة بكم .
دمتم حصنا للعدالة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*
كاتب وسياسي مصري |