ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

إذا لم يتعانق العمل مع العلم فالحضارة مهددة بالمزيد من الكوارث المحققة

الباحث السوري : هشام محمد الحرك

1- ستون مثقفا امريكيا يرون ان حرب الارهاب الامريكية تخلو من العدالة تثير الرسالة التي وجهها مثقفون اميركيون الى الرأي العام العربي والاسلامي مقاربات عدة تتوزع على ميادين عديدة وذات مستويات مختلفة، وكائنا ما كان خيارنا لهذه المقاربة دون تلك او بالعكس، فان تعمقنا في فهمها يستوجب مقاربتها، برأيي، من زوايا ثلاث اساسية ومتكاملة في الشكل، وفي المنهج، وفي المضمون.

أ في الشكل:

تعتبر هذه الرسالة، او هذا البيان، حدثا ثقافيا بالغ الاهمية على المستوى الدولي، وبخاصة على المستوى الاميركي (وكثرة من الأميركيين لا يرون حرجا من حذف واو العطف بين المستويين!) إذ يندر ان يجد المفكرون (والادباء والفنانون) حاجة الى التوجه الى من هم خارج الولايات المتحدة! فانجازاتهم وتحفهم العالمية التقدير تخضع عندهم لمقاييس (وسوق) محض أميركية! لذا، فان هذا التوجه الى رأي عام خارجي يستبطنون تلقاء دونيّته، من غير افصاح ومن غير خبث، برسالة صداقة تجهد في ايصال عدد من الافكار الى الطرف الخارجي على الوجه الصحيح، قاصدة فهمه لمضمونها، وتفهمه لغاياتها، وموافقته على ما فيها، يؤكد خروجا من عزلة (طالما كانت موضوع اتهام قاس من قبل غير الأميركيين) وفتح حوار عقلاني حر لا يعيقه اختلاف الثقافات والهويات ومستويات المعرفة (والقوة). وهذه البادرة الودية ينبغي ان تقابل بمثلها، وان تكون فاتحة لحوار لا ينقطع.

ب في المنهج:

1 لا بد من الا يغيب عن ذهننا ان هذه الرسالة/ البيان صادرة عن <<بضعة>> مثقفين ذوي اهتمامات واختصاصات ومستويات مختلفة، نجهل فعلا القيمة الثقافية لكل واحد منهم، او من غالبيتهم! ولا صفة تمثيلية لهم، معلنة او مضمرة، لا ثقافية ولا سياسية رسمية على وجه الخصوص. وان عددا من اصحاب الاقلام العربية الذين تعاملوا مع هذه الرسالة (الذين تسنَّى لنا قراءتهم) لم يأخذوا هذه التنبيهات بالاعتبار، فصاغوا، للرد عليها، نصا ايديولوجيا عدائيا موجها، عبرهم، الى السلطات الأميركية، جديرا ببيانات الشجب والتنديد الحربية.

وبعض هذه البيانات <<المضادة>> لم يستطع، مع ذلك، وتحت تأثير اسلوب الرسالة الأكاديمي الرصين، الا ان يشيد ايضا بما فيها من افكار <<قيّمة وعظيمة مدعاة للتقدير والعرفان>> (كذا)!

2 ان الرد على هذه الرسالة يمكن ان يتخذ شكلين: اما تدبيج رسالة جوابية الى هؤلاء المثقفين؛ او الاكتفاء بتحليل الرسالة ونقدها، وايا كان الشكل المختار، لا بد من مطالعة النص الاصلي والكامل للرسالة، وعدم الاكتفاء بتلخيصها وابراز <<خطوطها العريضة>>!

لذا فالرسالة الجوابية تختلف كليا عن الدراسة التحليلية؛ اذ ربما اتخذت شكل رسالة جماعية التأليف، او بيان موقع من مجموعة معيَّنة يكون، بطبيعة الحال، حصيلة حوار بين افراد هذه المجموعة، او بعضهم، وحصيلة تنازلات عن بعض الافكار من هنا وهناك، ويكون محكوما بالتوجه المباشر الى الطرف المرسل اليه، باسلوبه، او <<بمرافعته>>، وبتخليه عن التحليل المعمق والطويل الذي لا يتفق واسلوب الرسائل العلنية او الكتاب المفتوح.

والرسالة الصادرة عن مؤلف واحد، او مرسل واحد، لا تختلف من هذا الوجه، عن الرسالة الجماعية.

في مطلق الاحوال، فكما ان الرسالة المذكورة لا تعبَّر عن وجهة نظر <<كل المثقفين الاميركيين>>، ولا حتى، ربما، عن غالبتيهم، كذلك يكون الأمر في الردّ عليها.

وهذه الحقيقة، أيضاً، لا يدركها بوضوح العديد من المثقفين العرب. فرسالة <<بعض>> المثقفين الأميركيين اعتبرت تلقاء رسالة <<كل>> المثقفين الأميركيين، واستبطنت من هذا <<الكل>> أيضاً صفة تمثيلية كلية أخرى، غير الفكري أو الثقافي، هي صفة السياسي الرسمي على الخصوص!

والحال أن هذه المقولة <<الكلية>> لا وجود فعلياً لها إلا في أذهان مثقفين عرب ما زالوا <<يتمتعون>>، منذ نعومة أظفارهم، باتحادات كتّاب وفنانين، رسمية مركزية، على النمط السوفياتي البائد، تعبّر عن <<وجهة نظرهم>> الثقافية السياسية الإيديولوجية، التي هي وجهة نظر السلطة الحاكمة، أو الحزب الأوحد الحاكم، والتي لا تكون مرة ضد المواقف الرسمية، أو مخالفة لها! هذا الاسقاط اللاواعي الذي ينطلق من مسلمة مماهاة الثقافي والسياسي الرسمي، هو عائق معرفي حقيقي بوجه فهم الرسالة واستيعاب أبعادها، وهذا العائق يبدد، في المطاف الأخير، الغايات المنشودة من الرسالة التي هي تداول الأفكار والحوار. وهكذا يمكن القول إن مضمون الرسالة الموجهة إلينا لم يصل إلى الكثيرين ممن تبرعوا، مع ذلك، <<بالرد>> عليها، أو <<ردها>>!

لم نزدد علما

3 وفي الجانب المنهجي أيضاً، وأخيراً، حاول مؤلفو الرسالة الأميركية (كي لا نكتفي بالقول: <<الموقعين عليها>> أن يكونوا واضحين وصريحين إلى حدّ كبير في التعبير عن موقفهم، وأن يصل موقفهم بسهولة إلى أوسع شريحة من الرأي العام العربي والإسلامي خصوصاً. إلا أن صدق النوايا الواعية لا يمكن أن يلغي دوافع وحوافز لا واعية يمكن كشفها إلى حد كبير بالاعتماد على المنهجيات التي ابتدعتها وطورتها الحضارات الغربية، وعلى رأسها منهجية التحليل النفسي (الفردي والجماعي)، والانثروبولوجيا، والسيميائية، وأنظمة التربية والقيم إلخ... إلا أن كشف هذا الجانب اللاواعي <<الخبيث>>، الخبيث لأنه لا واع وغير معلن، لا بل عاص على الإعلان، (ألم يقل سارتر، وليس من غير امتعاض واستنكار، <<إن دوافعي ونواياي هي طيبة في الأصل، إلا أن المحلل النفسي هو الذي يرى فيها الخبث والعدائية>>!) هو شرط ضروري، ولكنه غير كافٍ وغير وحيد، للتعامل مع الرسالة. والأسلم التعامل معها بحسب نواياها الظاهرة: فهي رسالةصداقة تراهن بتفاؤل على الحوار الفكري الحر وعلى التداول والتفاعل، وبهذا التوجه يجب مقاربتها وتقييمها. ويسهل جداً اعتبار الرسالة مثيراً، أو حاثاً، ننطلق منه، ولا نلبث أن نتجاهله، للاسترسال في عرض الأفكار والاعتقادات، لا بل الشعارات المتداولة والمكرسة والمقدسة والنهائية والكلية، في بيئاتنا!

ج في المضمون:

العنوان الرئيسي للرسالة هو التسويغ الأخلاقي والشرعي <<للحرب على <<الإرهاب>> من حيث المبدأ. أما من حيث الوقائع، فإنها تنطلق من حدث 11 أيلول 2001 الارهابي المعروف، والرد الاميركي الرسمي عليه (العسكري والسياسي خصوصا) الذي تمثل بالعمليات العسكرية في افغانستان التي أدت الى سقوط حكم حركة الطالبان الاسلامية فيها المتحالفة مع <<تنظيم القاعدة>> الاسلامي بزعامة أسامة بن لادن الموجود هو أيضا على الأرض الأفغانية.

تنطلق الرسالة من مجموعة مبادئ أخلاقية تعتبرها كونية، أو عالمية (أي كلية، تجاوزت كل أخذ ورد حول صلابة أسسها!) اسمتها: <<الحقائق الأساسية الخمس الموجودة لدى كل الشعوب من دون تمييز>>، كحرية الكائن البشري، وأهمية الدين، وإدانة القتل كمبدأ لأنه مناف للدين (وهذه الفكرة أساسية لأنها تنقض الأساس الفقهي للسلوك الانتحاري الذي تدعو إليه حركة <<القاعدة>>، والذي طبق يوم 11/9)... وترى أن هذه المبادئ والقيم هي التي بنيت عليها الديموقراطية الاميركية التي هي من ازهى الديموقراطيات في العالم. وبالمقابل فإن العمل على ضرب هذه الاسس يعتبر عملا ارهابيا ينبغي استئصال خطره بمختلف الوسائل ومن غير تلكؤ.

ولئن كانت <<هذه المبادئ>> هي فعلا واسعة الانتشار، فإن ربطها بالعمل الردعي الذي استوجبته (وكان يمكن لها ايضا ان تستوجب سواه) ينطلق من مبدأ اخلاقي ظل طاغيا على الفكر الحقوقي الفلسفي والديني، يقوم على مطابقة الشر المرتكب بالعقاب المفروض، وهو الاساس لمبدأ <<العين بالعين والسن السن>>، والتي وجد فيها الفلاسفة واللاهوتيون القدامى <<مؤازرة عقلية>>، او <<انسجاما ضروريا>>، كما قال لايبنتز، بين الخطيئة والعقاب المعد لها!

هذا المسوغ الاخلاقي المقترح لأعمال الرد على الارهاب يغفل، مع ذلك، ثلاث قضايا اساسية لم تستوقف كاتبي الرسالة:

1 ان للارهاب، كما لكل جرم مرتكب، دوافع تتجاوز جذورها المتهم نفسه، وغالبا ما تكون لاواعية، وبالتالي غير صادرة عن ارادة حرة؛ وتلعب التربية ونظام القيم والظروف القاسية، وهي كلها ظروف موضوعية، دورا اساسيا في صوغ شخصية الارهابي الذي يعتبر افعاله الموسومة <<بالارهابية>> ردا مبررا، وشرعيا وحتى مقدسا، على ارهاب اكبر مورس عليه وعلى بني قومه.

لذا فإن الاتجاهات الحديثة في القوانين الجزائية تميل الى ادخال عوامل غير ذاتية، عوامل موضوعية، في الجرم المرتكب، تخفف من كلية الاحكام القضائية واطلاقيتها. فالارهابي، كأي مجرم، هو بشكل ما <<ضحية>> ظروف اجتماعية ثقافية (تربوية، واقتصادية...)، وهو <<نتاج>> هذه الظروف الموضوعية: لذا تلجأ المحاكم الحديثة الى علماء النفس والاجتماع والتربية لتحديد المسؤولية الجزائية ولتحويل العقاب، لا الى انتقام متدثر بالشرعية والعدالة، بل الى مناسبة للاصلاح والمساعدة. تلك هي قواعد الفلسفة الاخلاقية الحديثة لنظم المعاقبة.

ولكن ما يثير الدهشة فعلا هو ان الولايات المتحدة التي كانت <<ضحية>> ارهاب 11/9، هي المركز العلمي الاول في الحضارة المعاصرة، وهي بخاصة عاصمة العلوم النفسية والانثروبولوجية ودراساتها المعمقة واكتشافاتها الكبرى، لم يجد علماؤها ومفكروها ومثقفوها عموما (وليس فقط اصحاب هذه الرسالة الستين، اصحابنا) ما يحثهم على دراسة هذه الظاهرة الارهابية ودوافعها ودلالاتها ورمزيتها. وقد قامت علومهم الانسانية، في الاصل، على الاهتمام بظواهر اقل منها اهمية وخطورة! لكأن العقل الاميركي المتفوق بإنجازاته المعرفية والتقنية، فرض على نفسه محرمات فكرية (طابو) من اللامفكر فيه، او <<الممتنع>> كما يدعوه علي حرب، تجعله يرهب (بالمعنى المرضي) من المضي بفكره الى الحدود القصوى لمنطقه، لاكتناه الاسباب العميقة والخفية للظاهرة الارهابية التي تقض فعلا مضاجع عصرنا!

لقد خيبونا، نحن ابناء جنوب الكوكب (مع ما في التسمية من معاني التخلف الاقتصادي والعلمي...)، فلم نستزد منهم علما كما نشتهي ونتوقع، وكما ادمنّا على فعله! لا بل لم نلق منهم الاسئلة الكبرى التي يمكن ان تنبثق عن هذه الظاهرة الارهابية، من مثل: ما العلاقة بين الارهاب (ارهاب 11/9 تحديدا) وما يجري من صراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ودعم الاميركيين الحاسم للطرف الاسرائيلي (وهذا ما صرح به المتهم الاول عن احداث 11/9 أسامة بن لادن)؟ هل هذا الارهاب يندرج في صراع غير معلن بين الشرق الاسلامي والغرب المسيحي (وهذا ما تلهج به كثرة، ومن بينها، في احد جوانبها، <<رسالة الستين>> التي تعتبر الارهاب خروجا على الدين (الاسلام وغيره)؟ ولماذا كانت الولايات المتحدة بالذات موضوعه؟

هل لهذا الارهاب تعلق بالفروقات المعيشية الشاسعة بين اغنياء الشمال وفقراء الجنوب، والاتهام بنهب الشمال ثروات الجنوب؟... وثمة اسئلة تذهب الى انحاء غير هذه، والى صراعات داخل المعكسر الواحد... وهذا ما يؤول الى عدم استبعاد كون ظاهرة 11/9 قابلة للتقليد والنمذجة في اعمال آتية (؟) لا يقوم بها هذه المرة <<أغراب>> (عرب ومسلمون؟) بل من اهل الدار!..

فبدلا من هذه المساءلات الاحتمالات الاساسية، وما يترتب علىها من اجابات وحلول علمية، ندهش من رؤية المفكرين الاميركيين يقاربون هذه المسألة الخطيرة بفلسفة اخلاقية مثالية غير مموضعة لمفاهيمها، ولا زمانية! وهم ينتمون الى بلد يعتبر منشأ الفلسفة الذرائعية، والنفعية، والبراغماتية مع وليم جيمس، ومرجعها في مختلف اوجه حياته العامة وحيثما كنا ننتطر منهم مقاربة علمية تعتمد على العلوم الانسانية التي لا يبرع احد فيها خيرا منهم: كعلم النفس والتحليل النفسي، والانثربولوجيا، والسيمياء، والاجتماع... نجدهم يطرحون

فهما يصفعك بسطحيته، تسمعه، ليس فقط من مسؤوليهم السياسيين، بل من مدنيين مثقفين، ويطرحون كلاما فلسفيا لاهوتيا (حول الشر المتأصل في الانفس الشريرة) يضع كل انجازات العلوم التي اكثرها من انجازاتهم، بمنأى عن تفكيرهم ويكتفون بالادانة الاخلاقية، ومن منظور تقليدي بإحياء هذه اللغة الخيبية. لكأن مواقفهم هذه تبغي ان توازي بالكلام ما تقوله الافلام الاميركية بالصورة والصوت المضخم حول الاعداء الاشرار الماكرين، ولكن غير النجباء ناهيك بالتعتيم المحير حول تاريخ العلاقات الرسمية الاميركية بحكومات ومؤسسات دولية <<ارهابية>> دعما وتأييدا لها، وانقلاب مقاييس الحكم عليها بعد فترة وكأن التحديد الثابت والواحد للارهاب لا يستقر في معجم الادارة الرسمية الاميركية نفسها ضعف النقد لقد لاحظ حازم صاغية وصالح بشير ،وحسن منيمنة، في تعقيب مشترك لهم على هذه الرسالة ضعف الجانب النقدي فيها، وبخاصة النقد الذاتي، و<<سذاجة>> بعض طروحاتها، والتي نراها نحن مبتورة عن سياقها وعن <<موضعتها>>. هذه المقولة (الموضَعة) التي اقترحها علماء المنهج في الإنسانيات الحديثة لا يستغنى عنها عند مقاربة أية موضوعية إنسانية بغية توسيع آفاق فهمنا لها. وهكذا نقول عن المقولة المركزية في الرسالة، وهي مقولة <<الحرب العادلة>> ضد الإرهاب التي تطرح من غير الالتزام بتوافق دولي موسع حول تحديدها و<<اصطفاء>> هدفها، اذ ان الحرب، كل حرب، هي تخريب للسلام الدولي. هذا لا يعني ان رأينا في مسألة هذه الحرب هو بالضرورة أصوب من رأي السلطة الأميركية؛ بل نعني ان الرأي الأصوب هو الذي يكون توليفة

كبرى هي ثمرة تداول دولي موسع حول هذه المسألة. وهنا أيضا نقطة هامة لم يكترث لها أصحاب الرسالة المذكورة، وهي تعطيل الولايات المتحدة، بسبب من قوتها العظمى التي لا تساوى، لأهم إنجاز بشري في العلاقات الدولية، هو منظمة الأمم المتحدة، هذا التعطيل المتمادي الناجم عن تشبثها بصيغة هرمة وغير عادلة <<لمجلس الأمن الدولي>> قائمة على حق النقض؛ وهيمنتها على هذا المجلس، مهمشة الى أقصى الحدود الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هي، من حيث المبدأ، برلمان جميع الأمم والشعوب، مهددة كل مرة بالعمل العسكري خارج إطار الأمم المتحدة، إذا لم تحظ على التأييد من هذه المنظمة الدولية الموجودة على الأرض الأميركية، والتي قامت أصلاً بمسعى أميركي أساسي!

كما لأسأل أصدقاءنا <<المثقفين الستين>> على الرغم من تصريحهم بوجود انحرافات وخلل في تعامل الأميركيين مع <<هذه القيم الكونية>> (التي يجسدها الأميركيون برأيهم) لماذا ينبغي ان تدور <<الحروب العادلة>> دائما على أرض الغير، من غير الاكتراث كغاية على أرض الحرب، بالتمييز بين الغير الإرهابي وهو قلة، والغير غير الإرهابي وهو الكثرة الكاثرة فتتحت ذريعة هذا <<الادعاء>> (إذ ان الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة خارج أرضها كانت دوما <<عادلة>>، كما يمكن ان يستشف من هذا الخطاب!) تم حصار شعب العراق وتجويعه على يد الأميركيين، وتحت هذه الذريعة ايضا تقوم حكومة شارون بإبادة الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه وبمساندة أميركية لا حدود لها ومن غير الالتفات الى الاعتراض الواسع العربي والإسلامي والعالمي (الكوني) على هذا الانحياز الذي تحول الى عزلة سياسية دولية لأميركا (وإسرائيل معها) وحدهما، ومن غير تساؤل الأميركيين عن اسباب هذه العزلة! لقد أشار عباس بيضون في رسالة/رد الى هذه المفارقة الصارخة حيث المخيلة الأميركية لا تدرك وحشية الأعمال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لأنها تختزن وحشية استعمارية شبيهة <<بوحشية>> الأميركيين ضد الهنود الحمر أصحاب أميركا الأصليين!

لقد <<اكتشف>> بعض نقاد هذه الرسالة من العرب <<مركزية أميركية>> مختبئة فيها، مضمرة غير معلنة، وذلك من خلال قيامها بمماهاة <<القيم الأميركية>> ب<<القيم الكونية>>!

وأنا أرى ان هذا <<الاكتشاف>> فقد صفته (ودهشته) <<الاكتشافية>>، وفترت غبطة معرفته بعقدة العنجهية والاستكبار والتمركز المخبوءة خلف سطور نص الرسالة، والتي تفترض <<خبث>> كاتبيها وعدائهم الماكر!!

ويمكننا ان نسأل زملاءنا العرب كيف يمكن للاميركيين الذين يمارسون فعلا هذه المركزية الكونية، وبزعامة العالم ذي القطب الواحد، وباعتراف كل الاطراف ألا يكون لديهم بالطبع وبالواقع هذا الشعور بالمركزية الكونية؟ ام اننا يجب ان نطلب منهم تواضعاً <<مهذباً>> يريحنا، ويرفع عنا <<تهمة>> التعامل معهم ثقافياً مع علمنا بهذه النزعة المركزية المتفوقة عندهم؟! ألم نطلب ايضاً من المستشرقين ان ينظروا الى احوالنا النظرة التي تريحنا، اي ان يكونوا ما ليسوا هم فعلا كي نتقبلهم، أي ان يكونوا <<أنا آخر>> لا <<الآخر>>!

ان الحوار الذي يقترحه هؤلاء المثقفون الاميركيون الاصدقاء (كما رغبوا في ان يطرحوا انفسهم، وكما نقبلهم نحن بطيبة خاطر بهذه الصفة) لا ينفي التفاوت الكبير بين مواقع المتحاورين: انهم اقوياء (الاقوياء) ونحن ضعفاء (الضعفاء)، وفي مختلف الميادين. هذا الواقع الصعب علينا ينبغي ألا نخفيه او نموهه بعنجهية كاذبة وفارغة! ولا ان نقبل ايضاً من محاورنا ان يعمد الى تمويهه بتهذيب خبيث. هذا الشرط من اللامساواة هو اكثر مدعاة وايثاراً للحوار، ويمثل حاجة اكبر للرهان على مفاعيله الايجابية في مختلف الميادين وعلى كل المستويات.

2- بوش الفاشل ابدا...

بعد كل ما فعلته وانفقته امريكا فيما تسميه الحرب على الارهاب، فان المحصلة الواضحة والمرئية رأى العين هى الفشل الامريكى الذريع، فعلت امريكا ـ واسرائيل باعتبارها وكيلا امريكيا وذيلا امريكيا ـ كل شئ من اجل تحقيق هدفها، استخدمت كل انواع السلاح والجنود، القنابل الذكية والغبية، غزت دولا واحتلتها افغانستان ـ العراق ، ضغطت على دول اخرى وحصلت او لم تحصل على ماتريده من اجراءات ومعلومات وشخصيات وسياسات، انفقت مئات المليارات من الدولارات، اشترت اقلاما وادباء، انشأت اذاعات،استخدمت آلة اعلام جبارة، غيرت مناهج التعليمى فى بعض الدول، بل واعتدت على هامش الحريات الفردية ذاته داخل امريكا..

فعلت كل شئ واى شئ والمحصلة هى الفشل الذريع، ذلك لان الارهاب ليس مافيا بل تعبير عن احتجاج شعوب وعقائد وحركات وامم ضد الهيمنة والغطرسة والاستكبار والنهب، قد يكون التعبير عن ذلك صحيحا 100% او خاطئا، او بنسب متفاوتة، ولكنه فى النهاية تعبير عن وجدان وعقائد ومصالح وبالتالى فلا يمكن القضاء عليه لان ظروفه الموضوعية التى افرزته لاتزال موجودة، وما لم تكف امريكا واسرائيل عن القمع والنهب والاحتلال والغطرسة والاستكبار ـ وهذا مستحيل بالنظرالى طبيعة الاشياء ـ فان الارهاب لن يتوقف حتى لو تم

القضاء على كل عناصره ورموزه المعروفة حالياً.

بصرف النظرعن الرأى فيما يقوم به هذا الارهاب، فانه لايزال قويا وفاعلاً ففى افغانستان التى غزتها القوات الامريكية ولاتزال بها، وبعد عامين من الضرب بالقنابل والصواريخ ملايين الاطنان ، فان الملا عمر واسامة بن لادن لايزالان حيين يرزقان، ولاتزال طالبان والقاعدة تنفذان عمليات ضد الوجود الامريكي، وضد القوات التابعة للامم المتحدة، وضد حكومة قرضاي، بل تم ضرب منزل شقيق الرئيس قرضاى فى قندهار، وعلى حد تعبيراحد المتخصصين فى شئون الارهاب جوهان جونترانا رئيس وحدة ابحاث الارهاب بمعهد دراسات الامن والاستراتيجية فى سنغافورة ومؤلف احد الكتب عن تنظيم القاعدة فان الولايات المتحدة قد حققت اكبر فشل عسكرى فى الحرب على الارهاب، وانها لاتزال محتاجة الى المزيد من الموارد والجنود للاستمرار فى تلك الحرب ، ناهيك عن نتيجتها لان النتيجة لن تكون مرهونة بعدد الجنود او كمية الاموال المنفقة ولكن بتغيير ظروف موضوعية وهو امر صعب او مستحيل كما قلنا من قبل لاسباب موضوعية تتصل بطبيعة التركيب والتوجهات الداخلية فى بنية الاستكبار العالمى الامريكى الصهيوني، منذ عام 2001 مثلاً وبعد غزو افغانستان، فان المقاومة لاتزال موجودة فى افغانستان، وحدثت عمليات منسوبة الى القاعدة فى افريقيا ضد فندق اسرائيلي، وفى الدار البيضاء بالمغرب، وفى الرياض بالعربية السعودية مايو 2003 ثم فى مدينة جاكرتا عاصمة اندونيسيا ومن قبل فى مدينة بالى بأندونيسيا ايضا، وهناك من ينسب عمليات التفجيرات ضد السفارة الاردنية فى بغداد، وضد مقر الامم المتحدة فى بغداد ايضا لجماعة انصار الاسلام المتأثرة بتنظيم القاعدة، وهكذا فان تنظيم القاعدة لايزال يعمل رغم كل ما حدث من حرب ومطاردة بل ومساعدات معلوماتية وامنية من دول مثل مصر والسعودية والمغرب والسودان، بل ومن سوريا وايران وغيرها.

من جانب آخر فان اسرائيل ـ وامريكا بالتالى ـ قد فشلت فشلاً ذريعا فى تحقيق هدفها فى اثارة حرب اهلية فلسطينية بين الفصائل المجاهدة والسلطة، بل ولم تستطع امريكا ان تقنع احداً بجدية خريطة الطريق المزعومة مع كل الممارسات الصهيونية والسكوت او الموافقة الامريكية، وفشلت اسرائيل ايضا ـ وبالتالى امريكا فى القضاء على المقاومة، او تحقيق الامن لنفسها مع الجدار الواقي، والاستحكامات العسكرية الضخمة والاستخباراتية الاضخم، وممارسة القتل والاغتيال ونسف البيوت واعتقال الناشطين، ويبدو كأن المقاومة شجرة مباركة كلما قطعت منها جزءا نبتت آلاف الاجزاء بسرعة ملائكية او سحرية مباركة، ولعل استمرار العمليات الاستشهادية منذ صعود ابى مازن رئيس الوزراء الاسرائيلى وتوقيع الهدنة وخاصة عملية القدس فى 2003/8/19 هو خير دليل على ذلك وغيرها طبعا من العمليات.

وفى جانب ثالث ـ فان المقاومة العراقية تتصاعد وتتجذر يوما بعد يوم لدرجة انها اصبحت الاعظم والاشمل، فهى عمليات يومية متنوعة وجريئة ومستمرة ومنتشرة، والنعوش الحاملة للجنود الامريكيين من قتلى وجرحى تعود يوميا الى واشنطن مما يهدد الداخل الامريكى نفسه بل ويجعل مصير الرئيس الامريكى نفسه بين العراقيين وليس الامريكيين حتى انه يمكن ان يقال ان العراقيين الذين لم يحصلوا حتى الآن على حق اختيار رئيسهم او حكومتهم هو انفسهم الذين سيختارون الرئيس القادم للولايات المتحدة وبريطانيا ايضا!! ورامسفيلد مثلاً الذى كان يصر على تجنب اى محاولة تدخل دولية فى الشأن العراقى ويعبر عن ذلك علنا بقوله ان من

خاض الحرب هو الذى سيقرر مايحدث فى العراق، هو نفسه الذى راح يستجدى الدول الاخرى الاوروبية والآسيوية بل ودول الاتحاد السوفيتى السابق والكتلة الشرقية السابقة، بل والدول العربية لكى ترسل جنودها للعراق لكى تحل محل جنوده والرئيس الامريكى وافق على اشراك الامم المتحدة، وبعد ان كان يتبجح ويتباهى بالانتصار السريع فى العراق راح يدافع عن نفسه وعن استمرار القوات الامريكية فى العراق، ولولا مصالح شركات امريكية كبري، ولولا مصالح عدد كبير من رموز الادارة الامريكية، ولولا ضيق افق وصلابة اليمين الامريكي، لتم الانسحاب من العراق على غرار الانسحاب الامريكى من لبنان عام 1983 بعد مصرع 230

امريكيا على اثر عملية استشهادية ضد مقر قيادة القوات الامريكية مشاة البحرية فى بيروت ، وكذلك الانسحاب من الصومال بعد التنكيل بجثة احد الجنود الامريكيين امام شاشات التليفزيون العالمية ولكن العراق بها بترول، وامريكا الآن بها حكومة اصولية!! ليس المستنقع فى العراق فقط فى عدد الجنود الذين يسقطون كل يوم قتلى وجرحي، ولكن ايضا فى نجاح المقاومة العراقية فى ضرب امدادات النفط بصورة شاملة عن طريق التفجيرات المستمرة والكبيرة والمتنوعة لأنابيب النفط، وهى من الامتداد بحيث يستحيل عمليا حراستها على طول امتدادها ـ اللهم الا بتكاليف عالية وباهظة ـ وهكذا فان المقاومة العراقية نسفت المردود الاقتصادى والاستراتيجى للاحتلال الامريكى للعراق، وبالتالى فان محصلة غزو امريكى للعراق بـ 160 الف جندى وحوالى 200 الف اخرين فى القواعد المساعدة، وعشرات الالاف من الحلفاء بريطانيا ـ استراليا ـ بولندا ـ جورجيا.. الخ وتكاليف زادت على مائة مليار دولار، هى الفشل الامريكى الذريع.

3- المعايير المزدوجة للرئيس بوش ستلوث سمعة الأميركيين

يتعلق الامر بشخص يتمتع بحرية الوصول الى اكثر الاسرار حساسية واهمية ويتآمر لبيع عشرات الصواريخ الاميركية المتطورة الى ايران وحوكم بتهمة الكذب على الكونغرس وعرقل التحقيقات الفيدرالية واتلف آلاف الوثائق الرسمية لتضليل متعقبيه.

ربما ستقول ادارة الرئيس بوش بأن هذا التقدير سيمنح القيمة للحقوق المسلوبة والخصوصية المنتهكة والحرية المستلبة التى منحوها لنا.

لكن تلك الادارة لا تقول ذلك ، فبدلا من احتجاز ذلك الشخص في دياجير لا يصلها المحامون او عرضه على محكمة عسكرية سرية تقوم الادارة الاميركية بتعين ذلك الرجل لادارة واحد من اهم برامجها حساسية.

انه الادميرال المتقاعد جون بونيديكستر الذي عين مؤخرا لرئاسة ادارة الوعي المعلوماتي في البنتاغون التي تمثل جانبا من وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة. ذلك يعني في الاساس بأن بوينديكستر قد اعطي مسؤولية في البنتاغون وتفويضا بالغ السرية ومائتي مليون دولار كميزانية لتعقب جيرانه وكل من يعتقد انه يشكل خطرا ارهابيا.

وحتى نفهم ازدواجية المعايير التي تتبعها الادارة الاميركية في حربها ضد الارهاب لننظر الى قضية رجل الدين المسلم محمد عاصي والاخير مثله مثل بوينديكستر مواطن اميركي وعسكري متقاعد..

وعلى العكس من بوينديكستر فان عاصي الذي يقطن سيلفرسبرنغ في ولاية ميرلاند رجل دين محترم جرى التجسس عليه وتسجيل مكالماته ومراقبته من قبل ست جهات مختلفة دون الوصول الى دليل يثبت تورط الرجل في نشاطات اجرامية او مرتبطة بالارهاب.

ويقول بعض المسؤولين الاميركيين بأن جريرة الرجل الوحيدة علاقاته الحميمة مع رجال الدين الايرانيين وانتقاداته اللاذعة للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط.

في الاسابيع الاخيرة زادت ادارة الهجرة ومكتب التحقيقات الفيدرالية من حملات المراقبة والاعتقال بحق رعايا من دول الشرق الاوسط والمسلمين. في اغلب الحالات تم اعتقال اشخاص ليست لديهم سوابق اجرامية.

او قد يكونون ارتكبوا بعض المخالفات البسيطة لقانون الهجرة وجرى اعتقال العديد من هؤلاء الاشخاص عندما تقدموا طواعية لتسجيل اسمائهم وفقا لقانون الهجرة الجديد.

قال مايكل راتنر مدير مركز الحقوق الدستورية الذي يتخذ من مدينة نيويورك مقرا له (لقد تحولت الحرب ضد الارهاب الى حرب ارهابية ضد كل شخص له سحنة تشبه سحنات مواطني بلدان الشرق الاوسط ان ذلك يذكرنا بأيام الاعتقالات التي جرت ضد اليابانيين في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية.

هل تعتقد الادارة الاميركية أن من يفكر بارتكاب اعمال عدوانية يتقدم ليسجل اسمه لدى احد مكاتب ادارة الهجرة ؟ هل سلم بوينديكستر نفسه طواعية بعدما قام ببيع اسلحة لايران وكذب على الكونغرس ؟

قال احد مسؤولي حفظ القانون الفيدرالي السابقين والذي فضل ابقاء اسمه مجهولا (ذلك شيء لا يصدق هنالك عملاء اتحاديون يجوبون البلاد ويبددون الوقت والمال ويعتقلون الاشخاص الذين تجاوزوا يوما واحدا لمدد اقامتهم في أميركا. لكن مجرم فضيحة (ايران ـ كونترا) والذي باع السلاح الى بلد معاد يمنح حرية الوصول الى سجلات سرية تعود الى الملايين من الاميركيين.

تلك ليست مبالغة

استنادا الى رؤياه الخاصة بالوعي المعلوماتي الشامل والتي اثارت جدلا كبيرا فان بوينديكستر يستطيع تعقب كل خطوات عاصي وعلى الاخرين مساعدته في ذلك : على بوينديكستر معرفة مع أي مصرف يتعامل عاصي وماذا يشتري واين يذهب وبمن يتصل او يراسل وما هي الكتب التي يقرأها.

وبعد كل هذا يمكن مواصلة تعقب عاصي واستجوابه ومحاكمته وفقا لنظام قانوني يرى في جميع المسلمين اعداء ولا يحق لهم التمتع بالحقوق المدنية ذاتها التي يتمتع بها بوينديكستر لقد نجح الاخير في التخلص من الادانات الخمس التي صدرت بحقه لاعاقته الكونغرس ومن القرار القاضي بسجنه لمدة ستة اشهر في عام (1991).

ويرى الكثير من الاشخاص أن السياسة الحالية ليست عنصرية لكننا سنشعر معها بأننا لسنا في امان.

وقال مسؤول حفظ القانون الفيدرالي (أشعر بالقلق لاننا بتركيزنا على منطقة الشرق الاوسط فاننا نسلم ارواحنا الى اشخاص من طراز تيم مكفي ليعبثوا بنا كيفما شاءوا اعتقد ان انصار لوائح الحقوق والدستور عديدون جدا).

نحن نفخر بأن النظام لدينا يتبع معيارا واحدا يطبق على الجميع لقد شاهدنا نتائج وخيمة ـ العبودية ومخيمات الاعتقال ومحميات الهنود الحمر ـ عندما طبقنا معايير مختلفة على الناس.

ان معايير الرئيس بوش المزدوجة ستلوث سمعتنا بالطريقة نفسها

4- جرائم ترتكب بغطاء ارهابي

لا نعرف كم من الجرائم سوف يرتكب باسم مكافحة «الارهاب». ويبدو أننا لن ننتظر طويلاً حتى نعرف. فقد نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية على صدر صفحتها الأولى يوم الأربعاء الماضي 9/ 26 صورة لعشرات السجناء المسلمين الصينيين من أبناء مقاطعة تركستان الشرقية (سينكيانج حالياً)، وقد حشدوا مكبلين بالأغلال على ظهر شاحنات زرقاء اللون، طافت بهم شوارع مدينة «أورموش»، عاصمة المقاطعة، قبل أن تسوقهم إلى مكان فسيح بقلب المدينة لتنفيذ حكم الاعدام فيهم علناً، عقاباً لهم على مطالبتهم باستقلال اقليمهم ذي الأغلبية المسلمة، الذي ضمته الحكومة الصينية إلى حدودها قبل 250 عاماً.

قالت الصحيفة ان السلطات الصينية سقت السجناء خمراً مع وجباتهم الأخيرة، وهو ما اعتبرته استخفافاً بمشاعر المسلمين في الصين، قبل أن تحملهم إلى الشاحنات لتقتلهم باطلاق رصاصة على مؤخرة رأس كل واحد منهم.

الزاوية المهمة التي أبرزتها «التايمز» في الخبر أن الصين أقدمت على هذه الخطوة بتلك الصورة «استرضاء للغرب» واستغلالها لموجة الغضب من التطرف الاسلامي بعد الهجمات التي تعرضت لها مدينتا نيويورك وواشنطن.

يستشعر المرء غصة ويجتاحه شعور شديد بالتشاؤم والغضب وهو يقرأ هذه الكلمات الأخيرة، التي توحي بأن استرضاء الغرب الذي تتمكن منه هذه الأيام روح الانتقام حينا بعد حين، لن يتحقق في المرحلة الراهنة على الأقل ـ التي لا يعرف أحد متى تنتهي ـ إلا بالخوض في دماء المسلمين وازهاق أرواحهم، وهو الانطباع الذي يستدعي إلى الذاكرة روح الحروب الصليبية المقيتة ومشاهدها البائسة.

اعدام المسلمين في الصين ليس جديداً، فالمسلسل مستمر على نحو متصاعد طيلة العقد الأخير على الأقل، منذ سقط الاتحاد السوفيتي واستردت جمهوريات آسيا الوسطى هويتها واستقلالها، ولو من الناحية القانونية، الأمر الذي فتح شهية الملايين العشرة من أبناء تركستان الشرقية لكي يحاولوا اللحاق باخوانهم على الضفة الأخرى، الأمر الذي أيقظ شوقهم إلى الاستقلال الذي طالما حلموا به، وناضلوا من أجله في انتفاضات متتابعة تكررت خلال الـ250 سنة الماضية.

الجديد في الأمر هو الأسلوب الذي تم به الاعدام، والرسالة التي أريد توصيلها إلى العالم الخارجي من خلاله، على الأقل في حدود ما عبرت عنه الصحيفة البريطانية. وفيما هو ظاهر فلن تكون الصين وحيدة في ذلك الباب، لأن ثمة شواهد متعددة تدل على أن بعض الأنظمة الاستبدادية رحبت بشدة بالدعوة إلى مكافحة الارهاب، حيث وجدتها فرصة لقمع معارضيها، بزعم أنهم ارهابيون. وهي اللافتة التي ما إن ترفع فوق رأس أي شخص أو فئة من الناس، هذه الأيام بوجه أخص، حتى يستباح دمه وعرضه وماله، ولن يجد من يسأل عنه أو يشفع له في الدنيا.

فباسم مكافحة الارهاب تشددت روسيا في موقفها من الشيشان، وأصرت على تركيعهم، رافضة أي مفاوضات مع قيادتهم الشرعية إلا بعد الاستسلام والقاء السلاح، واعتبر عسكر تركيا أن أيديهم أصبحت مطلقة في سحق الأكراد. وفي أوزبكستان التي لا تزال تحكمها قيادة ستالينية سيئة السمعة وموغلة في القسوة، كان الترهيب أشد بالانضمام إلى جهود مكافحة الارهاب والاستعداد أكبر لتقديم كل التسهيلات اللازمة في هذا الصدد. وما حدث في أوزبكستان تكرر في جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى، التي ما زالت محكومة بقيادات المرحلة الشيوعية، والتي تلقى مقاومة من العناصر الوطنية والاسلامية صنفتها تلك الأنظمة كارهابية في السابق واستخدمت في سحقها مختلف أساليب القمع، حتى ادانتها تقارير منظمات حقوق الانسان في داخل روسيا وخارجها. هؤلاء المناضلون المدافعون عن هوية شعوبهم وأوطانهم أصبحوا الآن في موقف غاية في السوء حيث استقوت عليهم الأنظمة المستبدة بدرجة أكبر، بعد اطلاق شعار مكافحة الارهاب.

ما حدث في آسيا الوسطى وجدنا له صدى في منطقتنا، حيث سارعت بعض الأنظمة إلى تقديم قوائم بأسماء معارضيها السياسيين، وطالبت بتسليمهم باعتبارهم ارهابيين. وما أسهل أن تلفق التهم وتوضع الاعترافات على الألسن، لجمع الأدلة والقرائن التي ثبت ضلوع الغائبين في الارهاب. ومن المفارقات أن بعض جنرالات القمع الذين كانوا إلى عهد قريب مهددين بالملاحقة الدولية، رفعوا أصواتهم في الأجواء الراهنة مطالبين باستعادة الذين فروا من ظلمهم وحصلوا على اللجوء السياسي في أقطار أخرى.

لا تسأل عن مصير المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، أو عن موقف منتديات المجتمع المدني، ولا عن أوضاع المطالبين بالديمقراطية وبحرية التعبير، ولا حتى عن المنظمات الاغاثية، في فلسطين أو غيرها. فمثل هذه الأنشطة معرضة للقمع والاستئصال في اطار حملة مكافحة الارهاب. وقد تابعنا قبل أيام أنباء اغلاق منتديات الحوار، وصدور مرسوم جديد للطباعة في احدى الدول العربية فرض قيوداً جديدة على النشر وقرر عقوبات مشددة على الذين يجرؤون على ممارسة حرية التعبير. ومن أسف أن هذا التوجه طرأ على مسيرة مستجدة، كان الظن أنها تمضي صوب الانفتاح السياسي والانفراج الديمقراطي، لكنها صادفت انتكاسات عدة كان مرسوم تقييد التعبير والطباعة أول تجلياتها.

ان الخطر الناشئ عن عدم تعريف وضبط مصطلح الارهاب، فتح الباب لخطر آخر لا بد أن ينشأ من جراء عدم تعريف وضبط مصطلح مكافحة الارهاب. ومفهوم أن مصطلح الارهاب ظل بلا تعريف محدد قبل اطلاق الحملة الأخيرة، حتى لا يؤدي ذلك إلى اعلان الخلاف بين الولايات المتحدة والدول العربية والاسلامية بشأن الموقف من مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. وهي المقاومة التي تصنفها الادارة الأميركية ـ بضغط اسرائيلي ليس خافياً ـ بحسبانها ارهاباً، بينما يرفض ذلك العرب والمسلمون، وعقلاء الدين بأسرهم.

من ناحية أخرى فإن الحديث عن الارهاب في الوقت الراهن ينصب على أفراد وجماعات، ويستثني الحكومات والأنظمة، وبعضها ارهابي بامتياز، وينبغي أن يتصدر قائمة الملاحقين، إذا كان الهدف الحقيقي هو اقامة العدل واجتثاث جذور الارهاب. ولأن الولايات المتحدة بحاجة لتحقيق مرادها إلى عون الأنظمة وآلتها القمعية، فانها غضت الطرف عما يمارسه بعضها من ارهاب، في حين انها لم تتردد في اعداد قائمة بالأنظمة التي اعتبرتها داعمة لما اعتبرته ارهاباً، حين تعلق الأمر بمصالح الدولة العبرية والصراع العربي ـ الاسرائيلي.

اننا ندعو إلى التفرقة بين الارهاب الذي يتعرض له الأبرياء في أي بلد، وبين مقاومة الاحتلال والمغتصبين، وترفض بحسم أي ممارسة للعنف في الحالة الأولى ـ بينما تعد المقاومة في الحالة الثانية دفاعاً شرعياً عن النفس يكفله ميثاق الأمم المتحدة وتؤيده الأعراف ويوجبه الشرع.

بنفس المنطق فاننا ندعو في مقاومة الارهاب إلى التفرقة بين أنظمة ديمقراطية، وأخرى غير ديمقراطية. ووحدها الأولى الأجدر بالنهوض بتلك المهمة، لأن الأنظمة غير الديمقراطية، هي في حقيقة الأمر مصدر الارهاب ومنبعه، بما تمارسه من قهر وبما تتبعه من أساليب، تستحق المقاومة والمكافحة، واختفاء بعض أجهزتها ومؤسساتها يعد اسهاماً حقيقياً في تجفيف منابع الارهاب.

ان أخشى ما أخشاه أن يكون بين ضحايا الحملة الراهنة، الناشطون الديمقراطيون والمنظمات الاغاثية والشعوب الاسلامية التي تعرضت طويلاً للقهر والقمع، وتطلعت إلى يوم الخلاص، الذي تسترد فيه حريتها وهويتها. وإذا كانت أجواء ما قبل الحملة على الارهاب رحبت باستقلال تيمور الشرقية وانفصالها عن اندونيسيا، في حين تشددت في مسألة استقلال الشيشان وكوسوفا وتمنعت حين تعلق الأمر بكشمير، ولعب الهوى في ذلك دوراً كبيراً، حيث التيموريون وراءهم الكنيسة الكاثوليكية، بينما المسلمون ليس لهم ظهر في الدنيا، فما بالك بحظوظ أولئك المسلمين الآن، والريح المعاكسة لهم أشد.

أما الناشطون الديمقراطيون فهذه ليست أيامهم يقينا حيث لم يعد يعلو صوت فوق صوت الأمن كما تراه الولايات المتحدة. واذا كان الأمن لدى بعض الأنظمة ان ما يفعله هؤلاء يعد تعكيراً للأمن وتهديداً للسلام الاجتماعي و.. و.. إلخ، فما بالك بهم في وضع استثنائي كالذي يمر به العالم الآن.

طالعت في عدد «نيوزويك» الذي صدر في الأسبوع الماضي رسماً «كاريكاتيرياً» صور رجلاً جالساً أمام شاشة للكمبيوتر كتبت عليها داخل مربعين منفصلين كلمتا «الحرية» و «الأمن»، وفوق المربعين توجيه يقول: انقر على واحدة، اشارة إلى الخيار المطروح الآن في الولايات المتحدة، الذي وضع اعتبارات الأمن على النقيض من مقتضيات ومستلزمات الحريات المدنية.

حين وقعت عيناي على الصورة قلت: اذا كان الأمر كذلك عندهم، فما الذي تخبئه الأقدار لأمثالنا؟!

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 2/11/2003 - 7/ رمضان/1424