نستميح الأستاذ صلاح عيسى عذرا في استعارة هذا
العنوان في معرض حديثنا عن الظاهرة القراقوشية التي شكلها (بهاء الدين
قراقوش) تلك الشخصية التي هب رجال العلم و الدين و أساتذة التاريخ
المستنيرين هبة رجل واحد دفاعا عنها في مواجهة حملة التشويه (الظالمة)
التي تعرض و ما زال يتعرض لها هو و رموز الأمة من قبل (التحالف المعادي
للإسلام و الدين المكون من العلمانيين و الشيوعيين و الرافضة فضلا عن
بقايا الغزو الصليبي)!!!!.
كما قرر هؤلاء السادة (إنشاء هيئة علمية تحت اسم
"هيئة أنصار قراقوش المفترى عليه" تكون مهمتها تصحيح صورة الإسلام و
قراقوش باعتبار التلازم و الترابط الشديد بين الأمرين من وجهة نظر
هؤلاء الجهابذة الحريصين على الحفاظ على الفهم الإسلامي الصحيح في
إطاره القراقوشي الكسيح كما تقرر أيضا أن توكل إلى الهيئة العلمية
الموقرة إعداد دراسات و برامج تليفزيونية تعمل على تصحيح صورة كل من
يحتاج إلى تصحيح للصورة مثل الوهابية على أن يكون الدفع بالدولار).
فمن هو ذلك السيد (قراقوش المفترى عليه) ذلك
الشخص الذي ما زال يشكل في الوجدان الشعبي المصري رمزا لكل ما هو مبالغ
في جوره و تعسفه و ظلمه.
كان (السيد المبجل) بهاء الدين قراقوش عبدا
تركيا خصيا من عبيد السيد (يوسف بن أيوب) الملقب بالناصر صلاح الدين و
هو أيضا كان عبدا من عبيد سيده نور الدين محمود و لا أدري كيف يمكن أن
يكون العبد سيدا أو حاكما؟؟
لا يهم فالمخرج عايز كده.
أضف إلى ذلك أن هذه الثقافة التركية العريقة و
انعدام صلته باللسان العربي أهلته لأن يكون مسئولا عن إدارة و تدمير
أكبر مكتبة عربية عرفها التاريخ باعتبار أن المملوك المناسب لا بد من
وضعه دائما في المكان المناسب و الأهم من هذا أن هذا الغباء و الجبروت
أهلاه للقيام بمهمة تدمير ما تبقى من أسرة الخليفة الفاطمي العاضد و
قطع نسلهم و توالدهم بعد أن حكم عليهم (أطفالا) بالسجن مدى الحياة
مصفدين في الأغلال و يالها من عدالة و إنسانية خلدت ذكراه و ذكرى سيده
في التاريخ الإنساني.
إذا فقد كلف (السيد المبجل قراقوش الأول) من قبل
سيده القيام بمهمتين رسميتين : الأولى هو (ضبط و إحضار و (ربط) أبناء
الأسرة الفاطمية الأسيرة في قصر الخلافة السابق) منعا لنسلهم و ليس حتى
تحديدا لهذا النسل!! و الثانية هي تصفية ممتلكات الدولة الفاطمية و
خاصة مكتبة القصر التي تحدثنا عنها سابقا فكان أن قام (الرجل) لأنه كان
(خصيا) بما كلف القيام به من مهام رسمية على خير وجه استحق من أجلها أن
يكون مضرب المثل في الظلم و الطغيان كما أنه ليس هناك ما يمنع على
الإطلاق أن يكون الرجل قد كلف القيام بمهام أخرى رسمية و غير رسمية من
هذا الصنف القراقوشي لم يدونها المؤرخون الأيوبيون القراقوشيون.
و لنقرأ ما قاله مؤرخ الدولة المملوكية الأيوبية
أبو شامة المقدسي عن بعض هذه الإنجازات القراقوشية.
الإنجاز الأول ضبط و ربط الأسرة الفاطمية:
(و كان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أهله و
أصحابه بذلك و كرهوا أن ينغصوا عليه بذلك فتوفي يوم عاشوراء و لم يعلم
بما جرى في دولته و لما توفي جلس صلاح الدين للعزاء و استولى على قصره
و جميع ما فيه و كان قد رتب فيه قبل وفاة العاضد بهاء الدين قراقوش و
هو خصي لحفظه فحفظه حتى تسلمه صلاح الدين و نقل أهل العاضد إلى مكان
منفرد و جعل أولاده و عمومته و أبناءهم في الإيوان في القصر و جعل من
عندهم من يحفظهم و أخرج من كان للقصر من العبيد و الإماء فأعتق البعض و
وهب البعض و باع البعض و أخلى القصر من أهله و سكانه).
قال العماد (و جلس السلطان للعزاء و أغرب في
الحزن و البكاء (!!) ثم تسلم القصر بما فيه من خزائنه و دفائنه و وكل
بهاء الدين قراقوش (أيضا) بالقصر و جعل زمامه و استنابه مقام نفسه و
أقامه فما دخل إلى القصر شيء و لا خرج إلا بمرأى منه و مسمع و لا حصل
أهل القصر بعد ذلك على صفو مشرع فلما توفي العاضد بطلت تلك القواعد و
وهت المقاعد و أمر السلطان بالاحتياط على أهله و أولاده في موضع خارج
القصر جعله برسمهم على الانفراد و قرر ما يكون لهم برسم الكسوات و
الأقوات و الأزواد).
قال العماد: (و هم إلى اليوم في حفظ قراقوش و
احتياطه و استظهاره يكلؤهم (!!؟؟) و يحرسهم بعين حزمه في ليله و نهاره
و جمع الباقين من عمومتهم و عترتهم من القصر في إيوان و احترز عليهم في
ذلك المكان بكل إمكان و أبعد عنهم النساء لئلا يتناسلوا فيكثروا و هم
إلى الآن محصورون محسورون لم يظهروا و قد نقص عددهم و قلص مددهم ثم عرض
من بالقصر من الجواري و العبيد و العدة و العديد و الطريف و التليد
فوجد أكثرهن حرائر فأطلقهن و جمع الباقيات فوهبهن و فرقهن و أخلى دوره
و أغلق قصوره و سلط جوده على الموجود و ابطل الوزن و العد عن الموزون و
المعدود و اخذ كل ما صلح له و لأهله و أمرائه و لخواص مماليكه و
أوليائه من أخائر الذخائر و زواهر الجواهر)
المهمة الأخرى المقدسة سلب و نهب دار الحكمة
قال العماد: و كان لبيع الكتب في القصر كل أسبوع
يومان و هي تباع بأرخص الأثمان و خزائنها في القصر مرتبة البيوت مقسمة
الرفوف مفهرسة بالمعروف (لاحظ و تأمل!!) فقيل للأمير بهاء الدين قراقوش
(العبد الأمير؟؟!!) متولي القصر و الحال و العاقد للأمر هذه الكتب قد
عاث فيها العث و تساوى ثمينها و الغث و لا غنى عن تهويتها و نفضها من
بيوت الخزانة إلى أرضها و هو تركي لا خبرة له في الكتب و لا دربة له في
أسفار الأدب (أي أن الرجل كان حمارا يحفظ أسفارا!) و كان مقصود دلالي
الكتب أن يوكسوها و يخرموها و يعكسوها فأخرجت و هي أكثر من مائة ألف من
أماكنها و غربت من مساكنها و خربت أوكارها و أذهبت أنوارها و شتت شملها
و بت حبلها و اختلط أدبيها بنجومها و شرعيها بمنطقيها و طبيها بهندسيها
و تواريخها بتفاسيرها و مجاهيلها بمشاهيرها و كان فيها من الكتب الكبار
و تواريخ الأمصار و مصنفات الأخبار ما يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين
جزءا مجلدا إذا فقد منها جزء لا يخلف أبدا فاختلطت و اختبطت فكان
الدلال يخرج عشرة عشرة من كل فن كتبا مبترة فتسام بالدون و تباع بالهون
و الدلال يعرف كل شدة و ما فيها من عدة و يعلم أن عنده من أجناسها و
أنواعها و قد شارك غيره في ابتياعها حتى إذا لفق كتابا قد تقوم عليه
بعشرة باعه بعد ذلك لنفسه بمائة.
قال فلما رأيت الأمر حضرت القصر و اشتريت كما
اشتروا و مريت الأطباء كما مروا و استكثرت من المتاع المبتاع و حويت
نفائس الأنواع و لما عرف السلطان ما ابتعته و كان بمئين أنعم علي بها و
أبرأ ذمتي من ذهبها).
هذا هو السيد العبد الخصي التركي الأمي كبير
أمناء المكتبة العربية و المسئول عن حفظ التراث الإنساني من التلف و
الضياع بهاء الدين قراقوش الذي قررت جمعية أنصار قراقوش للثقافة
العربية إقامة تمثال تخليدا لذكراه و تنظيم اكتتاب لإنشاء المكتبة
القراقوشية الجديدة على أنقاض ما تبقى من عقولنا و قدرتنا على التفكير
كما تقرر تسمية هذه المكتبة مكتبة الحضارة القراقوشية و حشد كل أصحاب
الميول القراقوشية و استجلاب مؤلفاتهم القيمة و اقتراحاتهم للحفاظ على
الخط القراقوشي المهدد بالتلاشي و الضياع بل و الإعلان عن جائزة سنوية
للفكر و الأدب و تسميتها جائزة قراقوش للحضارة و الآداب على أن يجري
تشكيل مجلس أمناء الجائزة من أبنائه الروحيين لأن (الرجل) كان خصيا و
لم يترك أبناءا من عقبه و لكنه و الحمد لله استطاع أن يشكل تيارا فكريا
و سياسيا ما زال حاضرا بقوة في ساحتنا الفكرية العربية الإسلامية. |