رائعة جداً، كانت
ردود الفعل التي جاءت على لسان عدد من قادة وزعماء الأحزاب السياسية
العراقية، إزاء آراء ومواقف ومبادرات السيد
مقتدى الصدر الأخيرة، والتي أثارت الكثير من اللغط والانقسام في الموقف
منها، وأروع ما فيها قول السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى
للثورة الإسلامية في العراق، أن العراق
الجديد يستوعب كل الآراء .
أقول، إنه الأروع لعدة اعتبارات:
الأول: ما يصفه البعض
بالتنافس التقليدي وأحياناً التاريخي بين
العائلتين ـ الصدر والحكيم ـ والذي ظن الكثيرون أن الحكيم سيوظفه
للانتقام من الصدر والإجهاز عليه، خاصة وان اغلب ردود الفعل على
تصرفاته الأخيرة جاءت سلبية بعكس ما كان يتوقع، ما يشجع المتربص به
استغلالها وتوظيفها لتصفية حسابات قديمة ومستمرة،
ومحاصرته مثلاً أو على الأقل التشهير
به .
الثاني: أن الحكيم هو
من أكثر العراقيين تضرراً من التحريض على
العنف واستخدامه كأداة لتصفية الخصم.
فبالرغم من أن الكثيرين فسروا تصريحات ومواقف
الصدر الأخيرة بأنها نوع من أنواع التحريض على العنف، إلا أن الحكيم
بالذات لم يذهب مع هذا التفسير أو يتبناه، بل انه اعتبرها وجهة نظر
ورأي في الأحداث التي تشهدها الساحة العراقية، يحق لكل مواطن عراقي أن
يدلي بها كيف يشاء ومتى يشاء، لا زالت في الإطار السلمي والأسلوب
الحضاري، بعيدا عن العنف والإرهاب .
إنها الحكمة العراقية المعهودة التي ترفض التصيد
بالماء العكر واستغلال كبوة الفارس، للتشهير والتسقيط، انه الموقف
المسؤول الذي يقدم المصلحة العليا على كل المصالح الشخصية والحزبية
والعائلية والعشائرية الضيقة .
يخطئ من يفسرها بأنها مواقف تنطلق من موقع الضعف،
أو أنها صورة من صور المداراة والمحاباة، أبدا، فعند الحكيم الكثير من
الأسلحة التي بامكانه ـ لو قرر أن يخرج عن طوره ورزانته ولا يتصرف
بحكمة ـ أن يوظفها لتحطيم خصمه أو التشهير بمنافسه.
نعم، إن العراق الجديد يستوعب كل الآراء، إنها
كلمة حق أريد بها الحق أولا وأخيرا، فليس في العراق الجديد، طبقية
سياسية، واحدة حاكمة، لها مطلق الحق والحرية في أن تقول ما تشاء وتعمل
ما يحلو لها من دون رقابة أو مساءلة، وأخرى محكومة، لا يحق لها ذلك،
فصوتها مقموع، ورأيها محجور عليه، وقولها متهم، وأمرها مشكوك فيه ،أبدا،
ليس في العراق الجديد كل هذا، فالكل سواسية، وان مبدأ تكافؤ الفرص
معروض أمام الجميع، ولكل مواطن الحق في أن يتمتع بحقوقه السياسية كاملة
غير منقوصة، فليس في العراق الجديد سجناء رأي أو سجناء عقيدة أبدا، انه
عراق حر ديمقراطي، يستوعب آراء ومواقف الجميع، لا زالت لا تتعرض لحقوق
الآخرين وكرامتهم، ولا زالت لا تحرض على العنف والإرهاب والقتل
والكراهية والبغضاء والاثارات الجاهلية البغيضة التي تهدد البلاد
والعباد .
أنا ممن دافع عن منهجية الشهيد الصدر الثاني،
يشهد بذلك كل من يعرفني أو يتتبع مقالاتي وكتاباتي وأحاديثي الإذاعية
والتلفزيونية، وللتأكد أكثر، يمكن العودة إلى مقالتي المنشورة في العدد
ـ 55 ـ من مجلة الرأي الآخر اللندنية والصادر بتاريخ ـ 26 كانون الثاني
من عام 2001، المقال الذي اعتبره الصدريون وقتها بأنه الأفضل من بين كل
المقالات التي كتبت عن الشهيد ونهجه ـ راجع العدد 23 للسنة الثانية من
جريدة الجمعة والصادر بتاريخ آذار 2001 وهي تعبر عن رأي الصدريين ـ
فيما هددني خصومه بإصدار فتوى دينية تتهمني بالزندقة والتجديف، ولذلك
فعندما اكتب إليك ـ عزيزي السيد مقتدى الصدر ـ فمن منطلق الحرص على
توظيف دم الشهيد الصدر الثاني بشكل صحيح وسليم، من اجل بناء عراق جديد،
لذلك اكتب إليك راجيا أن تسمح لي بان أنبهك إلى الملاحظات التالية،
فلقد أصغيت إليك مدة طويلة، وحان الوقت الآن لأتحدث إليك متمنيا عليك
أن تصغي إلي .
أولا ـ يفترض بك أن تظهر لنا أقصى درجات الحيطة
والحذر والمسؤولية، عندما تقول وتتحدث وتدلي برأي اوتتخذ موقف اوتتقدم
بمشروع، لأنك تحت الأضواء، فلا يجوز لك أن تنطق قبل أن تفكر جيدا، ولا
يحق لك أن تدحرج الكلمات على عواهنها قبل أن تحسب تأثيرها وردود الفعل
المحتملة، حتى لا يستغل الأعداء قولك، ولا يحتج المتربصون بفعلك، ولا
يوظف ضد العراق وشعبه رأيك .
لقد شاءت الأقدار أن تكون المعبر عن تيار الصدر
الثاني، أو هكذا يفهمك الآخرون على الأقل، فالله الله في سمعته، فلا
تقل ما يشوهه، ولا تفعل ما يخدشه، ولا تتصرف بما يضره، فانه والله تيار
جهادي صادق، عزيز على العراقيين، محبوب إلى قلوبهم، عظيم شانه عندهم،
فلا تستعجل فتورطهم، ولا تتسرع الأمور فتحرجهم، دعني اقسم عليك بجدك
وأبيك وأمك وأخيك أن لا ترتكب غلطة العمر، وكما قيل فان غلطة الشاطر
بألف، فاحذرها .
لا يحق لأحد أن يسكت صوتك ويصادر رأيك ويقمع
تصورك للأمور، ولكن في نفس الوقت، فانه ليس من حقك أن تستفز الآخرين،
أو أن تضع نفسك في موضع التهمة والغيبة، وليس من حقك أن تتهجم أو تقلل
من إنجازات الآخرين، وليس من حقك أن ترعب قلوب المؤمنين، وليس من حقك
أن تحرض على العنف ولو بالإشارة أو بالتلميح، فان التلميح أحيانا ابلغ
أثرا من التصريح، وأنا اعلم بأنك ابعد ما تكون عن كل ذلك، وانك لا تبغي
أن تعرف عندما تخالف، ولكن احذر أن تقدم للمتربصين مادة دسمة على طبق
من ذهب، فكلي ثقة بأنك تلتجئ إلى ركن الحكمة الحصين الذي ورثته عن
والدك الشهيد، الذي كانت مصلحة العراق بالنسبة له فوق أية مصلحة أخرى،
حتى أريق دمه الطاهر في سبيلها، فالحذر الحذر من مغبة الخطأ في القول
والعمل .
رحمة بالعراق وشعبه، ورحمة بالإسلام وأهله،
ورحمة بالتشيع وأنصاره، ورحمة بالعلم ورجاله، ورحمة بالحوزة وروادها،
ورحمة بالمرجعية وفقهائها، ورحمة بالمستقبل وأجياله، فسمعتهم بين يديك،
وأحلامهم على طرف لسانك، وآمالهم تتراقص بين أناملك، فاحذر أن تضغط على
الزر الخطأ في التوقيت الخطأ، فلا تورطهم فيما يكرهون، ولا تجبرهم على
فعل ما لا يرغبون، فان التاريخ لا يرحم أحدا، فهو لا يمازح، انه يلعن
كل من يخطا بحق الآخرين، بغض النظر عن اسمه أو رسمه أو زيه أو انتمائه
أو عشيرته، فلقد لعن التاريخ شمرا ذا الجبهة السوداء من كثرة السجود،
ولذلك جاء في الآية المباركة، ـ وقفوهم إنهم مسؤولون، من دون تحديد
لاسم أو هوية.
قل ما بدا لك، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة .
وافعل ما بدا لك، ولكن تذكر بان المسلم من سلم
الناس من يده ولسانه .
وصرح بما بدا لك من آراء، ولكن تذكر بان الحكمة
ضالة المؤمن .
وعبر عما شئت وكيف شئت وأنى شئت، ولكن تذكر بان
الفرصة غصة، وأنها تمر مر السحاب .
ثانيا ـ احذر المتسللين إلى صفوف تيارك المتدين
الطيب، فاحذر البعثيين والقتلة والسراق وأصحاب السوابق واللصوص والجهلة
والأميين الذين يسعون إلى استغلال طيبة قلبك وبساطة حديثك وترابية
تصرفاتك، للتسلل إلى داخل التيار وتحميلك من المواقف ما لا تطيق، واطرد
وافضح من يتقول عليك أو يدعي ما ليس له أو فيه أو من ينتسب إليك كذبا
وزورا، واضرب بيد من حديد كل من يدفعك ويجبرك على التغريد خارج السرب
بطرق ووسائل عنفية ومتشنجة، أو ان تخرج من الجماعة وتنفصل عنها وتشرد
منها فان الشاردة للذئب كما تعلم .
لا نريد ان نخسرك، ولا نريدك ان تخسر الشارع
الذي ورثته عن أبيك الذي صنعه بأغلى الأثمان، فاحذر ان تحرجنا، واحذر
ان تخسر تأييدنا، واحذر ان تحصرنا في الزاوية الحرجة .
تصرف بحكمة وتحدث بحكمة وقل رأيك وعبر عنه بحكمة،
فان من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، ولك منا كل المحبة والتقدير،
وعلينا كل النصرة وبكافة أشكالها .
تأكد من ان ما تقوله اليوم سوف لا تندم عليه غدا،
وان ما تفعله اليوم سوف لا تخجل منه غدا، بل ستفتخر به أنت وشيعتك، وان
ما تدلي به اليوم من آراء سوف لا تعتذر عنها غدا، فتحاول مثلا التهرب
منها أو التنصل عنها .
اعرف جيدا، ان ما تقوله وتدلي به وتعلنه من آراء
ومشاريع، هي من بنات أفكارك لا يمليها عليك احد، ولكن، احذر ان تتسرب
إليك آراء المغرضين والطامعين والمتربصين بالعراق الدوائر، فتنطلق على
لسانك فتبدو وكأنك تنطق بلسان غيرك وتفكر بذهنية الآخرين وتتبنى
مشاريعهم، أو انك مجرد جسر يعبر عليه الآخرون ثم ينسفونه في اليم نسفا.
نريدك رمزا لكل العراق، نريدك مثلا للحكماء،
والله هو الموفق والمستعان .
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM |