الخوف حالة طبيعية أوجدها الله في نفس الإنسان
للمنفعة، لأن الخوف هو العامل الرئيسي الذي يشد الإنسان نحو حماية نفسه
وتأمين الوقاية لها، والتفكير المستمر في إيجاد الوسائل القادرة على
درء الأخطار عنه وسلامته، فهو من حيث المبدأ عامل إيجابي ولا يعب فهي
ولا نقص, والمطلوب من الإنسان ليس هو اقتلاع جذور الخوف من النفس
والقضاء عليه نهائياً.. فهو أمر غير ممكن...
إنما المطلوب هو توجيه هذا الميل الفطري نحو
الأخطار الحقيقية الكبرى التي تهدد مستقبل الإنسان.. وليس نحو بعض
المخاطر الحقيرة البسيطة..
المطلوب أن يخاف الإنسان من مركز القوة والثقل
التي تهيمن على العالم وتسيطر على كل شأن من شؤونه أو كل ذرة من ذراته..
وهي قوة الله سبحانه وتعالى وهيمنته وعظمته..
والمطلوب أخيراً: أن لا يكون الخوف عقبة وحاجزاً
أمام الإنسان يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة..
لأن عقدة الخوف مرض نفسي إذا ما استبد بالإنسان
أفقده الكثير من مقومات الرجولة وأحدث خللاً خطيراً في حياته الشخصية
والاجتماعية..
إن الحياة البشرية ليست كلها مسرّات وأفراح
وهدوء واستقرار نفسي.. بل هي أيضاً سلسلة من المخاوف والمخاطر والنكسات
والغصبات والآلام.
أما لخوف من بعض الحشرات كالصراصير إلى حد أن
يصاب الإنسان برهاب الصراصير فهو أمر غير مقبول.
الصرصور يُخيف البعض... وتصرخ النساء عند رؤيته!
لماذا نخاف الصراصير؟ سؤال لم نحاول معرفة
أسبابه الحقيقية، ربما لعدم جدوى معرفتها، فمعظمنا يهرب عند مشاهدة "الصرصور
الأسود ذي الشوارب الطويلة" يطلّ من ثقب أو يمر سريعاً... والرعب الرعب
إذا كان طائراً. تنطلق صرخات هلع وأحياناً ترتفع أصوات بكاء وتدبّ
الرعشة في الأجساد، لمجرّد اختفائه فجأة وعدم معرفة مكان تربّصه بنا "نحن
الكائنات الضعيفة". ويصيبنا الجمود إذا رأيناه فوقنا أو حتى إذا بقينا
نظنّ أنه رابض تحتنا.
ونتخيّل كيف سينقضّ علينا من علٍ ويزدردنا.
ولا يرتاح البال إلا حين يقتل سحقاً أو "معساً"
أمام أعيننا، على يد "المنقذ الصنديد". حينئذٍ، نصاب بحكاك مستغرب
فنرفع طرف الثوب ونتحسس الظهر والشعر...
ثم نعود ونتساءل من جديد لماذا نخاف الصراصير
حين نراها او حين تدبّ علينا؟ أسئلة كثيرة ومواقف مضحكة وغريبة وآراء
عديدة من مصابين بـ"رهاب الصراصير".
عندما يفتح جناحيه
منذ الطفولة، تخشى سوزان الصراصير وتعترف بأنها
حين تشاهد الصرصور ترتجف كالبلهاء وتهرب إلى مكان بعيد جداً لأنها لا
تستطيع إيذاءه او الاقتراب منه، فهي تشمئز من شكله و"أخافه لأنه سريع
الهجوم والقفز".
ويقول سالم من الإمارات إن المسألة لا تتعلق
بالخوف، "إنما بالصرصور نفسه لقذارته وشكله المقزز، ابحثوا عن موطنه
حيث يعيش فتعلمون لماذا يخافه البعض ويكرهه البعض الآخر". ويضيف عن
شعوره والصرصور أمامه: "يقف شعر رأسي وبدني، خاصة حين يفتح جناحيه
ويطير".
وتعبّر ميسون عن خوفها منه بسبب حركته السريعة
وشكله الذي يسبب الغثيان: "استيقظت مرة ودخلت الحمام أغسل وجهي، فإذا
بـ"شيء" يمشي على أصبعي. وعندما فتحت عينيّ صرخت وخرجت مرعوبة وموجوعة
في الوقت نفسه من الصابون فيهما. وحين هدأت، اقتحمت الحمام متسلّحة
بمبيد للحشرات وقمت برشه حتى فرغت العبوة ثم تناولت المكنسة وواصلت
ضربه حتى سحقته. فعدت إلى غرفتي مسرورة مرتاحة... طبعاً، لم ألمّه عن
الأرض".
يجد سعود المغلوث (مرشد مدرسي في السعودية) أن
المسألة متعقلة بالدرجة الأولى بشكله غير المقبول والمؤرق إضافة إلى
انه يحمل الأمراض. ويروي: "الطريف أني أصبحت بطلاً بعدما كنت أخافه.
ذات يوم من أيام طفولتي قتلت صرصوراً، من غير قصد طبعاً وبدافع الخوف
الشديد، إذ حاصرني واحد من تلك الكائنات البشعة. وصادف أن كان والدي
شاهداً على هذا الموقف البطولي، فقدم لي هدية لن أنساها. ومذذاك أقسمت
أن لا أترك صرصوراً يتعرض لي".
وتقول منال (سورية مقيمة في أبو ظبي): "أخاف
بشدة منه بخاصة إذا كان كبيراً ويطير. وبمجرد أن أشاهده من بعيد يتكهرب
جسمي بسرعة وأصاب بحكاك وأتسمّر في مكاني... حشرة كلها أوساخ!".
صرصور باليد...
وتحكي سندس (سعودية) عما فعلته زميلتها في الفصل
مع المعلمة: "ذات يوم وصفت إحدى الزميلات صرصوراً كبيراً جداً في علبة
الطباشير التي نضعها على السبورة. وحين حضرت المعلمة فتحت العلبة
كعادتها وأدخلت أصابعها لتسحب الصرصور بدلاً من الطبشورة. فأخذت تصرخ
وهربت من الفصل متوعدة الطالبات. وإثر الحادثة، باتت المعلمات يطلبن من
الطالبات سحب الطباشير من علبها. أما المعلمة التي أمسكت الصرصور بيدها
فأصيبت بمرض "السرساب" المؤقت وصارت تغسل يدها آلاف المرات يومياً ولا
تأكل بها".
وتروي هتون قصتها مع الحشرة المرعبة: "دخلت
الحمام ولم أرَ الصرصور على الجدار إلا بعدما باشرت في الاستحمام. جمدت
في مكاني والمياه تسيل وأخذت أراقب تحركاته. وانتهزت توقّفاته من حين
إلى آخر لأكمل مهمّتي.
أخيراً، انتهيت وبدأت أرتدي ملابسي سريعاً ثم
اختفى. عندئذٍ، ذعرت ورحت أجول بنظراتي لأجده عبر المرآة جاثماً على
رأسي. لم أدرِ كيف تجرّأت وطرحته أرضاً بيدي ورحت أصرخ وأركض في كل
الاتجاهات حتى صار باب الحمام أمامي فخرجت".
ويصف غ خ (سعودي) شعوره: "لو تخيلت أن صرصوراً
يداعب إحدى أصابع قدمي فإني لن أتوانى عن القفز والنطنطة متحديا بذلك
أشهر لاعب جمباز! وتتساءل هوازن (كويتية) لماذا تصاب بالحكاك في كل
أنحاء جسمها. نوبة تنتهي بعد فترة او "عندما أنسى الصرصور الذي كان في
غرفتي او لامس جسدي... ربما أنا مصابة بمرض منه".
الطب النفسي
بداية، تشير الأخصائية النفسية أماني الجحدلي
إلى المشكلات النفسية التي تصيب الإنسان بسبب الحشرات عموماً: "هناك
خوف طبيعي مـن كـل شـيء قد يتسبب في إلحاق الضرر بنا. وهناك حالات
عديدة يخرج فيها الخوف عن حده الطبيعي ليصبح مرضياً. ولكي نحدد أنه
كذلك لا بد أن نعرف الخوف في حالته المرضية. وهو في ابسط تعريف له: خوف
من موقف معين أو شيء معين من دون أن يشكّل خطراً حقيقياً على الفرد".
وتتابع الجحدلي أن "الناس يختلفون، فاستجابتهم
للمخاوف متفاوتة. بعضهم يصل إلى المستوى الطبيعي بينما البعض الآخر
يخاف بشدة إلى درجة تظهر عليه أعراض جسدية، يكشفها الطبيب أو الأخصائي
او المعالج النفسي، فلو أخذنا على سبيل المثال الخـوف مـن القطـط او
الحشرات نجد أنه يصنف ضمن خانة المخاوف من الحيوانات zoophobia. فبمجرد
رؤية الحيوان تبدأ أعراض جسدية معينة في الظهور عليه كالتعرق والإغماء
وزيادة ضربات القلب.
ولابد من التدخل الطبـي بحيث يخضع الفرد للعلاج
ليتخطى هذه الحالة". وترى الجحدلي أن "من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك:
تخويف الأطفال بأسماء الحشرات مثلا او الحكايات المخيفة التي تحكى لهم
وأحيانا يكون الخوف موجوداً أساسا عند الكبار فينتقل إلى الصغار بطريقة
لا يعيها الوالدان. فتصبح العملية وكأنها مشاركة وجدانية او مجرد تقليد
للآباء وبعض الخبرات السالفة التي تكون ذات صلة بموضوع الخوف".
أما الحكاك، تشرح الجحدلي، "فهو استجابة شرطية
للموقف. أي أن الشخص ربما كان تعرّض لموقف سابق وأنتابه حكاك فتتعمم
لديه ردة الفعل هذه وتتكرّر".
تكوين الصورة المخيفة
ومن جانب آخر يتحدث الدكتور فلاح الغزوان،
المدير التنفيذي لمركز "آراء للاستشارات والدراسات والتدريب" في دبي عن
كيفية علاج الآثار النفسية الناتجة عن خوف الإنسان من الصراصير فيقول:
"لا يخفى علينا أن الكثير منا يتملكه بعض مشاعر الخوف عند مشاهدة
الصراصير وربما باقي الزواحف والحيوانات.
ومن الملاحظ بوضوح أن هذه الظاهرة تعانيها
الإناث أكثر من الذكور وهذا في الحقيقة يعود إلى بعض الأفكار التي
ينسجها الذهن الإنساني من خلال عملية التأمل السريع وربط الصور خلال
مشاهدات تطبع صوراً تخيلية مثــيرة للاشمــئزاز".
ويشرح الغزاون أن "عامل الخوف من هذه الحالات
ناتج عن الأفكار التي علقت بذهن الشخص والتي يبني عليها صورا جديدة
تثير حالة الخوف على الرغم من أن هذه الحالة في بعض الأحيان لا يوجد
لها ما يقابلها في الواقع. ولكن الشخص يشكل صورة مخيفة لنفسه من خلال
رؤية عالقة في ذهنه بغض النظر عن صحتها. وهي مرتبطة بالانطباع الحسي
الذي تشكل نتيجة رؤيته لها من قبل لأن هذا سيقوم بتشكيل صورة ذاتية
نابعة عن رؤية الشخص نفسه. ويبدو أن السبب الذي يجعل المرأة تعاني أكثر
في هذا الجانب يعود إلى نعومتها وتعاملها مع مفردات حياتية سهلة بعيدة
عن العنف وكل ما يتعلق بالجوانب الشديدة والمخيفة. وهذا امتداد طبيعي
لأنوثها".
مسكين ابن آدم يخاف من أضعف مخلوقات الله تعالى،
لكنك تراه بجهله يعصي أوامر ربه، بل ويصر ويكابر ويعاند ويدعي الربوبية
أحياناً فهذا فرعون يقول: (أنا ربكم الأعلى) وآخر يقول أنا أحي وأميت
ألا يعلمون أن لله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً.
وأيضا قوله تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثل
فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا
له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)
فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير واستمع قول الإمام
علي (ع) كيف يصور ضعف الإنسان وعدم لياقته للتكبر: (مسكين ابن آدم
مكتوم الأجل مكنون العلل محفوظ العمل، تؤلمه البقة تقتله الشرقة وتنتنه
العرقة، ما لابن آدم والفخر أوله نطفة وآخر جيفة لا يرزق نفسه ولا يدفع
حتفه) صدق الإمام (ع). |