بين الأمية التقليدية وهي الحالة التي
يوصف بهائل من لا يجيد القراءة والكتابة
والأمية الثقافية المتمثلة بأشخاص متعلمون
بمن فيهم أشخاص يحملون شهادات أكاديمية محترمة .. خيط رفيع ـ
فدوي الحالة الاولى
يفتقرون إلى التفكير الراجح للعديد من الأمور
على أكثر احتمال بسبب تدني مستوى معرفته
بما يجري في الكون الواسع ولكن ذوي الحالة
الثانية من المتعلمين الذين يطلق عليهم بـ
(الأميين الثقافيين) يمتازون لصفة عدم الاستيعاب لما يجري حولهم بسبب
تدنٍ آخر لديهم هو تدني مستوى البصيرة
دول العالم تجري إحصاءات لعدد نفوس مواطنيها وتوضح للرأي العام
أعداد متعلميها وإعداد الأميين ممن لا يعرفون القراءة والكتابة لكن تلك
الاحصاءات لا تحتوي على عدد الاميين الثقافيين في بلدانها لأن استحصال
أرقام حقيقية تمثل هذه الشريحة من الناس هو في منتهى العسر... ففي
الوقت الذي يستدل على (الشخص الأمي) دون بذل أي عناء سوى الوقوف على
جهله بالقراءة والكتابة فإن (الشخص الأمي الثقافي) يوجد نموذجه بين كل
شرائح المجتمع وأحياناً تكون متخفٍ خلف شعار اجتماعي لا يمكن التعرف
على أميته الثقافية إلا بعد حين قد يكون طويلاً.
ونموذج (الأمي المثقف) إذ جاز الاشتقاق فأصل
التسمية المتداولة (الأمية الثقافية) يتواجد هنا وهناك له موقعه في
المجتمع وقد يكون له موقعه الأكبر في السلطة فالأمي المثقف قد يكون
موظفاً صغيراً في مؤسسة رسمية أو أهلية وقد يكون حاكماً لدولة أو رئيساً
لحزب سياسي وإذا كانت البطالة تساهم في وقف نشاط (المثقف الحقيقي) لحين
لكن الطموح في نفسه يبقى متقداً لأداء خدمته لمجتمعه من خلال ما تجود
به نفسيته الثقافية الحقة أما (المثقف الأمي أو الأمي المثقف) أي
الفاقد للبصيرة وهو المتعلم أكاديمياً أو مهنياً (مثلاً) فإنه لا يتحمل
البطالة أو أن يحاط بظرف سياسي أو معاشي صعب لذلك يلاحظ أن أكثر خونة
الشعوب من القياديين في دول عديدة هم (أميون مثقفون) فقد باعوا أنفسهم
للشيطان وأصبحوا في صفّهِ وضد مصالح بني جلدتهم لضعف بصيرتهم في معرفة
الأشياء متناسين أن أصل البطالة على أكثر احتمال هي صناعات حكومية تقوم
بها حكومات لإبقاء حالة الوعي جامداً لدى عامة الناس.
وبسبب تمتع الأميون المثقفون يعمل منهم حالياً
فمن يحملون شهادات أكديمية عالية في إعادة تجارة الرقيق ويديرون شبكات
الهجرة السرية الدولية العابرة للقاءات وفي إحصاء أخير نشرت وزارة
الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي مؤخراً حول تجارة الرقيق في العالم
إذ كانت فيه: (إن الشبكات الدولية المتورطة في تجارة النساء والرجال
والأطفال للعمل في الدعارة وبعض الأعمال الأخرى التي كان يمارسها
العبيد في الزمن الماضي آخذة بالانتشار) وفعلاً فإن آخر إحصائية مسجلة
لدى دوائر هيئة الأمم المتحدة تشير إلى أن (4.8) مليار طفل في وقتنا
الحاضر هم ضحايا تجارة الرقيق. وهكذا فالأميون المثقفون الأغنياء
يكرسون مآسي الفقراء في كون الكرة الأرضية وبلا أي أخلاقيات.
والعالم اليوم الواقف على حافة أرضية اللاشعور
بالأمان حيث لا يوجد للناس العاديين أصوات تُرفع لتقول ما في نفوسها
تفاجأ بأن الأيام التي ينبغي أن تحتفل بها البشرية مع منظمة اليونسكو
ما حددته تحت اسم اليوم العالمي لمحو الأمية أو باليوم العالمي للقراءة
والكتابة رغم أن اهتماماً دولياً لملاقاة الأمية عن المجتمعات هي ظاهرة
متصاعدة ففي العالم العربي اليوم (70) مليون مواطن ومواطنة لا يعرفون
الكتاب والقراءة وهذه الشريحة الاجتماعية المليونية تشكل مرتعاً قوياً
تقبل أن تقودها عناصر (الأمية الثقافية) في بلدانها ولا ترغب حقيقة أن
يكون حكامها من المثقفين الحقيقيين وإذا ما وصل حد من الطبقة الأخيرة
إلى سلطة الحكم فإن مجاميع الأميين وأشباه الأميين يتحركون تحت قيادة
الأميين المثقفين بالإطاحة بنظام الحاكم المثقف الحقيقي الذي وضع نصب
عينيه خدمة بلاده ومجتمعه.
إن التصدي سلامية الثقافية والأميين الثقافيين
كظاهرة هي اليوم واجب وطني كبير يصعب البدء به في كل ظروف اجتماعية
تعاني من حالة التخلخل الثقافي. وإذا كانت هناك توصية يمكن الاعتماد
عليها فهي أن نتجه إلى المجتمع كي نساعده على تقوية الذاكرة والتذكر
لما حدث في العالم المعاصر من مآسٍ تسمية الواقفين حول تلك المآسي
والمحركين لأجل وقوعها.
وبعيداً عن العالم الانفعالي فينبغي التنبه
الدائم أن وراء تعاطي المخدرات في المجتمع الطلابي المصري قادة من (الأميين
الثقافيين) الذين يعرفون كيف يجعلوا المصريين في منأى عن أي تطلع مشروع
تقدم بلادهم والصورة ليست مقتصرة على مصر باعتبارها أحد بلدان الحضارة
القديمة وإنما قد طالت شريحة من أطفال العراق أيضا بحسبما أذاعت ذلك
إذاعة BBC قبل ذلك شهرين ضمن برنامج (من الرافدين سلام) ولعل من مفرزات
الأميين المثقفين أنهم يقفون حتماً خلف العنف في المدارس التي انتقلت
من الغرب إلى بعض البلدان العربية كالمملكة العربية السعودية وإن كانت
مشاكل العنف لم ترمى بعد إلى مستوى الـ (ظاهرة). |