في «معركة الحجاب» الدائرة منذ سنوات بين المعلمة
فيريشتا لودين والمحكمة الإدارية في شتوتجارت، أجازت محكمة الدستور
الألمانية للمعلمة المسلمة ارتداء الحجاب في المدرسة. وبهذا القرار،
الذي صدر أمس تكون محكمة الدستور في كارلسروهه قد حسمت المعركة عدليا
فقط، لأنها علقت قرار منع ارتداء الحجاب في المدارس بقرارات برلمانات
الحكومات المحلية في الولايات الألمانية.
وجاء في قرار المحكمة ان من حق المعلمة ارتداء
الحجاب أثناء التعليم «طالما لم تتخذ البرلمانات إجراءات أخرى». وبهذا
أسندت المحكمة القرارات المستقبلية حول لبس الحجاب في الفصول الدراسية
إلى البرلمانات المحلية وليس إلى وزارتي التربية أو العدل في الولايات
الألمانية الـ16 وصوت 5 أعضاء من مجلس القضاة الثاني في محكمة الدستور
لصالح القرار في حين صوت ثلاثة منهم ضده. وألغى القرار الجديد بالتالي
قرار المحكمة الإدارية في ولاية بادن فورتمبيرغ الذي رأى في لبس الحجاب
في الفصل أحد أشكال التأثير الديني الذي تمارسه المعلمة على الأطفال.
ويبدو من القرار أن قضاة محكمة الدستور لم يتوصلوا
إلى «تنسيق» موقفهم إلا بصعوبة بالغة، كما جاءت صياغاتهم في منتهى
الحذر بالنظر لحساسية الموضوع. إذ كان عليهم موازنة القرار حول الحجاب
بين حرية ممارسة الدين وحق اختيار المهنة، اللتين يكفلهما الدستور،
وبين فقرات الدستور التي تترك للولايات حق صياغة سياستها التربوية في
المدارس بحرية. ولهذا أيضا فقد نص القرار على حق المعلمة لبس الحجاب
أثناء التدريس لعدم وجود «أساس قانوني» يمنع ذلك في ألمانيا. ورأت
أغلبية الأصوات الخمسة التي حسمت القرار في المحكمة أن الدستور
الألماني لا يحتوي مادة قانونية تتيح للدولة تحديد حق ممارسة الدين أو
تقليص حق ممارسة المهنة على الأفراد.
ومن المتوقع أن تتخذ الولايات الألمانية مواقف
مختلفة في «معركة الحجاب» التي انتقلت الآن من مستوى المحاكم الاتحادية
إلى مستوى البرلمانات المحلية في الولايات. وسيعتمد الموقف في هذه
البرلمانات إلى حد كبير على توازن القوى السياسية وتشكيلة الحكومات
المحلية. وباستثناء ولاية بادن فورتمبيرغ، التي يحكمها التحالف المسيحي
الديمقراطي وتميل بشكل ظاهر إلى منع ارتداء الحجاب في المدارس، فان
مواقف الولايات الأخرى سيتراوح بين تأييد موقف محكمة الدستور كما هي
الحال في سكسونيا السفلى أو الوقوف ضده كما في ولاية هيسن.
وكانت محكمة الدستور الألمانية قد حظرت تعليق
الصليب في المدارس الألمانية في قرار أثار استياء الكنيسة. وانطلق
القضاة في موقفهم آنذاك من حرية ممارسة الدين التي يكفلها الدستور ومن
واقع المدارس التي يتعلم فيها عدد كبير من التلاميذ المسلمين والبوذيين
واليهود... إلخ. ولا شك أن المسيحيين المتشددين سيرون في قرار المحكمة
حول الحجاب غبنا للدين المسيحي السائد في ألمانيا. من ناحيته، اعتبر
المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا القرار «مؤشرا على التسامح» بين
الأديان وتجسيدا لحق ممارسة الحرية الدينية. وأجرت مجلة «دير شبيغل»
الواسعة الانتشار استفتاء حول الموضع كشف أن نحو 60 في المائة من
الألمان يرون أن قرار السماح بلبس الحجاب في المدارس «خاطئ».
يذكر ان فيريشتا لودين ولدت عام 1972 في أفغانستان
وتعيش في ألمانيا منذ عام 1987. وأنهت تحصيلها العلمي في أحد معاهد
إعداد المعلمين في ولاية بادن فورتمبيرغ وتحمل الجنسية الألمانية منذ 8
سنوات. وفصلت وزارة التعليم في الولاية المعلمة المسلمة من وظيفتها
التعليمية عام 1998 بسبب رفضها نزع الحجاب في الصف. وطعنت لودين في
قرار المحكمة الإدارية بشتوتغارت (عاصمة بادن فورتمبيرغ) ثلاث مرات
عبثا قبل أن تقرر رفع القضية إلى محكمة الدستور. |