من الصعب على معارض للانظمة الشمولية ان يجد
نفسه متعاطفا مع قرار مجلس الحكم القاضي بمعاقبة قناتين تلفزيونيتين
لتغطيتهما اخبار عراقنا الحبيب بصورة غير متوازنة.
ففي الوقت الذي يحتم انتمائي السياسي وبعدي
الاعلامي ان اتعاطف مع الحريات العامة، الا ان مصلحة وطني العراق تضغط
علي باتجاه الانحياز اليه ومواساته في اوضاعه الصعبة.
فقداتخذ مجلس الحكم قرارا بطرد مراسلي الجزيرة
والعربية من العراق بعد اتهام الجلبي للقناتين بالتحريض ضد مجلس الحكم
! ....
واعلن القرار احمد الجلبي الرئيس الدوري لمجلس
الحكم ووصفه بالقرار الشجاع .."
والقراريخشى منه على الحريات العامة ف
"من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته"
واذا بدأ القرار اليوم بفضائيتين عربيتين، فهل
ستدور الدائرة على وسائل اعلام عراقية غدا او بعد غد؟
وكنت اتمنى على القنوات العربية العاملة في
بغداد ان تكون بمستوى المسؤولية في تغطيتها لاخبار العراق، لا ان تركز
على سلبيات الاوضاع ، وكأن لا ايجابية تستحق الذكر ابدا في هذا البلد
المفعم بعناصر الخلق والقوة والجمال والابداع. ..
ويؤسفنا ان نضطر لتذكير الزملاء في بغداد بما
كانوا عليه من اوضاع اعلامية ظالمة ايام الطاغية صدام وصنيعته الصحاف،
كيف كانوا"يتكيفون" مع تلك "الضرورات" لتحاشى بعض" المحضورات" وما
ادراكم ماتلكم المحظورات!!!!!!.
الا ان المتابع للتقارير المبثوثة من بغداد -
لهذه الفضائيات - يجد اللون الرمادي طاغيا فيها بصورة ملفتة لكل متابع،
وكأن مساحة الحرية التي تتمتع بها –في العراق وليس في عواصم البث- يبرر
لها ان تتصرف عبر "اعلام موجه" يصب لصالح الفوضى والبلبلة في البلد،
وتعطي مساحة اعلامية لكل من امسك ببندقية وتلعثم بعنتريات اين منها
قاموس احمد سعيد في اذاعة صوت العرب ليلقى هذه المرة امريكا في البحر.
والسؤال الذي نطرحه –همسا – في اذن فضائياتنا
العربية هو هل تعتقد بان تصرفات الاردن والكويت والسعودية وغيرها تجاه
بعضها عمل مقبول، وعلاج لكل تجاوز؟
و هل تعتقد بان غلق مكاتبها في تلك العواصم كان
اجراء صحيح ليلجيء اليه مجلس الحكم، رغم انعدام وجه المقارنة بين اوضاع
العراق الحالية-وهو ينزف من كل ذرة في كيانه - واوضاع تلك الدول؟
قد يكون من الصعب ان نطلب من هذه القنوات ان
تكيل المدح لمجلسي الحكم والوزراء –وهو منهج نرفضه اساسا- ولكننا
نطالبها بتسليط الاضواء على الجوانب المشرقة من الملف العراقي وهي غير
قليلة، وعدم الاكتفاء بالنصف الفارغ من الاناء، ليكن هناك توازن بين
الصورتين على الاقل.
لماذا لاتعد برامج حول تجربة اسقاط النظام
البائد وكيف يتنفس الناس الصعداء.
لماذا لايتم الحديث عن اصرار العراقيين على
مقاومة الطغيان الصدامي ، وكيف استعد شباب العراق لمواجهة هذا الطاغوت
بعزيمة يحسد عليها، الى ان عزله عن الشعب، فسقط هاربا من اول دبابة
دخلت بغداد؟
لماذا لاتذهب الفضائيات لبيوت عوائل الشهداء
وتتحدث اليهم وتسالهم عن اعزائهم الذين فقدوهم،وماهي المعاناة التي
ألمّت بهم بعد استشهادهم وكيف ضايقتهم السلطة حتى في ارزاقهم؟
كيف كانت معنويات الشهداء وهم يودعون اباءهم
وامهاتهم واخوانهم؟
وكيف تلقت تلك العوائل نبأ استشهادهم؟
لماذا لاتفتح هذه الفضائيات ملف الحريات العامة
في العراق الجديد، وكيف تمارس من قبل الناس؟
قد لانكشف سرا اذا قلنا بان الشعب العراقي اكتوى
بنار النفاق الذي مارسته معظم الفضائيات العربية ايام حكم الطاغية
المخلوع، وكان يتمنى ان تكفّر بعض هذه الفضائيات عن بعض ما ارتكبه
مراسلوها الذي اعترفوا بنوع الممارسات المهينة التي اتخذت بحقهم من قبل
"اجهزة" وزارة الاعلام، الا ان هذا لم يحدث للاسف بل حدث العكس تماما،
على الاقل من وجهة نظر مجلس الحكم الانتقالي.
ربما يحاول مجلس الحكم بقراره هذا ابعاد مراسل
العربية والجزيرة ان يقول للبقية الباقية بان طرد المراسلين خطوة اولى
وعبرة لمن يريد ان بعتبر.
لو كنت مكان مجلس الحكم لفضلت اعطاء المراسلين
مهلة علهما يعيان ابعاد المحنة التي يعيشها العراق، ويقدران مسؤولية
الكلمة المضاعفة فيما يخص وطننا، بعدها يمكن ان يكون لكل حادث حديث.
Esam126@hotmail.com |