|
|
رجال صدام حسين ....
الصورة الأخرى |
حسونة المصباحي |
بكثير من التشفي والشماتة، انظر اليهم من بعيد،
وهم في معتقلهم في هذا الصيف اللاهب، يذلّون ويهانون صباحا ومساء. هم
رجال الطاغية صدام حسين الاوفياء. وزراؤه ومستشاروه وابناء عشيرته
والمقربون منه وحراسه الشخصيون، وجميع اولئك الذين كانوا يسمونه «زعيم
الأمة» و«الرئيس القائد» والذين بمباركته نكلوا بالشعب العراقي، ودمروا
العراق، وبددوا ثرواته، وحولوه الى بلد جريح يعاني من الف داء.
بلا اي ذرة من الرحمة، او الشفقة انظر اليهم من بعيد، وهم يسامون مختلف
انواع العذاب والاذلال والاهانة تحت الشمس الحارقة، وقد نتنت جلودهم
وانمحى من وجوههم كل أثر من آثار النعم السابقة. هم اولئك الذين كانوا
يعيشون في القصور الفاخرة، ويعبثون بخيرات العراق كما لو انها ملكهم
الخاص، ويقيمون السهرات الحمراء، في حين كان ابناء شعبهم يعانون من
تبعات الحروب الطويلة التي اشعلها «سيدهم». هم اولئك الذين كانوا
يباركون كل كلمة ينطق بها، وكل امر جائر يطلقه، وكل جريمة يقترفها بحق
رفاقه وابناء شعبه، وامامه يقفون صاغرين. فلا احد منهم كان يجرؤ على ان
يعارضه او ان يوجه له حتى نقدا خفيفا لا غلواء فيه ولا شطط. ولأنهم
كانوا على هذه الصورة من الطاعة العمياء، فإن الطاغية امعن في الجريمة
حتى الاقاصي، وسلط على شعبه مظالم ندر مثلها في التاريخ البشري برمته.
ترى هل يتذكرون ما فعلوه بشعبهم وببلادهم على مدى ثلاثين عاما؟! هل
يتذكرون انهم وقفوا الى جانب «سيدهم» لما أمر اواخر السبعينات بإعدام
ابرز القادة البعثيين واخلصهم، اولئك الذين علموه الرماية، ايام كان
مجرد نصير للحزب، بلا ثقافة، وبلا تجربة، وبلا اي شيء آخر غير تلك
الخشونة التي تطبع بها منذ الطفولة، والتي ستكون في ما بعد، اداته
الاساسية لحكم العراق، وللتعامل مع الآخرين، القريبين والبعيدين على حد
سوا!
هل يتذكرون انهم ساندوه مساندة مطلقة لما اشعل مطلع الثمانينات من
القرن الماضي تلك الحرب المدمرة ضد ايران، والتي استمرت ثمانية اعوام
كاملة، وكان ضحاياها يعدون بمئات الآلاف؟! هل يتذكرون انهم صفقوا له
عندما امر بقصف الاكراد في حلبجة بالغازات السامة؟! هل يتذكرون انهم
هللوا له عندما قرر غزو الكويت طمعا في ثروتها النفطية؟ هل يتذكرون ولو
القليل القليل من الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها لتأكيد ولائهم وحبهم
له؟!
ما أظنهم يتذكرون، فعشرتهم الطويلة للطاغية «البلطجي» افقدتهم الرشد
والصواب، وافرغت قلوبهم من اية عاطفة ومن اي حس انساني، وعندهم ما عادت
الذاكرة غير صندوق اسود فارغ. ألم يقل الكاتب التشيكي الكبير ميلان
كوتديرابان: الطغاة يميلون الى النسيان؟ فليمعنوا في النسيان اذن. غير
ان هذا لن يقيهم شر العقاب الذي ينتظرهم قريبا.
من شقتي الصغيرة في حي «شوابينغ» بميونيخ، انظر اليهم وهم يجيبون عن
اسئلة المحققين وقد زالت عنهم وجاهة السلطة التي كانوا يتمتعون بها قبل
التاسع من نيسان/ابريل الماضي، وباتوا اشخاصا قميئين، مرتبكين، خائفين،
مذعورين، يديرون السنتهم بصعوبة في افواههم المرة الجافة، ذلك ان اللغة
لم تعد تسعفهم مثلما كان حالهم في ماضيهم الذهبي، ايام كانوا يرفعون
اصواتهم عاليا لتهديد هذا او ذاك، او لتمجيد «أم المعارك» او للتأكيد
على قدرتهم على الحاق هزيمة نكراء بـ «العلوج» الامريكان والبريطانيين
او لاطلاق شتائم بذيئة ضد كل من يعارضهم في المحافل الرسمية والدولية
او يطلب منهم بكل لطف وأدب الاعتدال في الكلام او في السلوك او يلتمس
منهم الهدوء، بينما هم يضربون على الطاولة نافخين مزمجرين. اما الآن
فعليهم ان يجيبوا عن اسئلة دقيقة ومحددة تتضمن في طياتها الكثير من
الحيل والاحابيل. لهذا فإن اللغة اصبحت عصية عليهم، وباتت السنتهم حجرا.
مبتهجا انظر اليهم وهم يتبادلون الشتائم والاتهامات، وقد اعتملت قلوبهم
حقدا وكراهية ضد بعضهم بعضا. فالآن وقد ابتعد عنهم «سيدهم»، فإن ما ظل
كامنا في النفوس وفي القلوب، طلع «على بره» واضحا جليا. وبذلك لم يعد
باستطاعتهم ان يظهروا للناس انهم «رفاق» متلاحمون، متكاتفون، متعاضدون
تحت راية «الرئيس القائد». وها هم المحققون يكتشفون ان كل واحد منهم
يكن عداء شديدا للآخر، ويحاول جاهدا ان يثقل كاهله بالعديد من الجرائم
التي اقترفت خلال العقود الثلاثة الاخيرة، ويحمله مسؤولية الاخطاء
الفادحة التي ارتكبت. ولا يلبث المحققون ان يكتشفوا ايضا ان رجال
الطاغية جبناء وانانيون. لا يمتلكون ولو ذرة واحدة من تلك الشجاعة التي
كانوا يفاخرون بها، ولا من ذلك الحب لوطنهم العراق الذي كانوا يتباهون
به، زاعمين انهم مستعدون للتضحية بحياتهم من اجله.
ببطء هم يمرون الآن امامي الواحد بعد الآخر. طارق عزيز دون سيجاره
الكوبي. سعدون حمادي نادما ندما شديدا على دوسه على صورة الرئيس جورج
بوش الاب امام فندق «الرشيد». برزان ووطبان وقد عادا بدويين من تكريت
بلا غطرسة ولا جاه ولا سلطة ولا مال ينفقانه يمينا وشمالا بلا حساب.
عبد حكود وقد فقد مظهره القديم مظهر رجل المافيا ذي السحنة البشعة،
المكلف بالمهمات القذرة. وزير الداخلية وقد بدا مثل ديك نتف ريشه في
معركة مكسيكية حامية، وها هو قابع الآن تحت الشمس باذلا جهودا مضنية
لاستدرار عطف المحققين معه.. كلهم يمرون امامي الواحد بعد الآخر وقد
عادوا الى صورتهم الحقيقية.. تلك الصورة التي ظلوا يخفونها عن شعبهم
وعن العالم بأسره على مدى ثلاثين عاما. |
شبكة النبأ المعلوماتية -
السبت 21/9/2003 - 23/
رجب/1424 |
|