لست ممن يتتبع أخبار ،بيت العرب، الجامعة
العربية ،أو يتوقع خيرا من قراراتها ، لأنها وبصراحة ليست من اولويات
اهتماماتي ، كما أنني لا اشعر بأهميتها بالنسبة لي كمواطن عربي ،ولذلك
استنكف أن أضيع
بعض أوقات فراغي في متابعة أخبارها
فبعد تجربة قرابة أربعة عقود من الزمن ، تأكد لي
ولأمثالي بأنها ليست سوى منتدى للزعماء العرب وممثليهم يتحلقون حول
موائدها المستديرة بين الفينة والأخرى للتلاسن والتلاوم والمشاجرة
وتجبين وتجريم وتخوين بعضهم للبعض الآخر قبل أن يفضوا اجتماعاتهم
بإصدار البيان الختامي الذي لا يختلف عادة عن أمثاله من البيانات
الختامية السابقة المملوءة بالاستنكار والتعاطف والتوسل والاستجداء
والتهديد والوعيد الفارغ
إنها لم تقدم حتى الآن أي مشروع حقيقي تكفل ونجح
بحل أية مشكلة من مشاكل العرب المستعصية
وأزماتهم المستديمة ، لا السياسية منها ولا
الاجتماعية ولا التعليمية ولا الصحية ولا الأمنية ولا الاقتصادية ولا
أي شئ آخر ، ولذلك فهي بصراحة لا تعبر عن الواقع العربي وطموحاته ولا
تشبع حاجاته أبدا
ولكنني لا اكشف سرا إذا قلت أن أخبارها خلال
الأسبوع الماضي كانت مثار اهتمامي وشغلي الشاغل ، لسبب بسيط وواضح وهو
، أن العراق الجديد كان محور أخبارها هذه المرة ، وكنت أخشى ما أخشاه
هو أن يتخذ العرب هذه المرة كذلك وكما في كل مرة ، قرارا خطا جديدا
بحقه إذا ما رفضوا استقبال ممثل العراق الجديد في اجتماعات دورتهم
الوزارية الجديدة فيضيفوا خطا إلى أرشيف أخطائهم ويدقوا بسمارا آخر في
نعش بيت الأنظمة والسلاطين
ولكن بحمد الله فقد اتخذ العرب هذه المرة قرارا
صحيحا ومناسبا ،وان كان ناقصا ، في الوقت الصحيح والمناسب ، فلأول مرة
يشغل مقعد العراق في اجتماعات الجامعة العربية مواطن عراقي كامل
الأهلية ومن الدرجة الأولى يتمتع بثقافة عالية وأخلاق راقية وذكاء وقاد
ولسان مهذب ، لم يتورط بدم أو فضيحة مالية ، عراقي وحدوي ودبلوماسي من
الطراز الرفيع ، مؤدب ومعروف الأب وألام ومن عائلة عراقية معروفة ، ألا
وهو صديقي العزيز وزميلي أيام النضال السلبي ، الوزير السيد هوشيار
زيباري
فبعد عقود طويلة من الزمن شغل فيها الأوغاد
والجهلة والقتلة والأميين واللصوص مقعد العراق الحبيب ، شاء الله أن
يستبدلهم بنماذج جديدة نتمنى عليهم أن يأخذوا العبرة من الماضين حتى
يكونوا ذكرى حسنة وطيبة للأجيال القادمة وللمستقبل القادم
اعرف أن العرب اغتاضوا من تمثيل مواطن كردي لبلد
عربي في اجتماعاتهم ، ولكن مهلا مهلا فالعراق الجديد لكل العراقيين ،
ليس فيه لمفاهيم العنصرية والقومية والعصبية المقيتة دور في تقسيم
وتمييز العراقيين ، فكلهم سواسية في الواجبات والحقوق وأمام القانون ،
وان مبدأ تكافؤ الفرص يشمل الجميع من دون استثناء أو تمييز ، ولكل منهم
الحق في أن يتصدى لأي موقع أو يتسنم أية مسؤولية أو منصب حكومي صعودا
ونزولا ، على أساس الكفاءة والأمانة بغض النظر عن أي اعتبار قومي أو
ديني أو مذهبي أو سياسي أو أي اعتبار جاهلي آخر
من الآن فصاعدا ، على العرب أن لا يفاجاوا إذا
ما بعث لهم العراق الجديد في المستقبل مواطنا تركمانيا مثلا أو آشوريا
لتمثيله في اجتماعاتهم وليشغل مقعد بلاده ، وليس مقعد قوميته
أمام العرب فرصة أن يفهموا ويستوعبوا هوية
العراق الجديد حتى لا يفاجاوا في كل مرة
اعرف أنها مهمة شاقة لان العراق الجديد يختلف
كليا عما تعود عليه العرب وان ـ العادة التي في البدن لا يغيرها إلا
الكفن ـ ولكن ما في اليد من حيلة وان من مصلحة العرب أن يفهموا العراق
وان كان فهمهم هذا بحاجة إلى ثمن يجب أن يدفعونه بسبب تراكمات الماضي
وأخطائه وعنادهم القاتل الذي وضع سلطانهم في مهب الريح
أما أشجع ما سمعته الأسبوع الماضي من الأمين
العام السيد عمرو موسى ، فهو قوله أن الجامعة ستستمر في الاستماع إلى
العراقيين المعارضين لمجلس الحكم الانتقالي إلى جانب ما ستسمعه من
أعضاء المجلس أنفسهم
إنها كلمة حق ولا أقول يراد بها باطل ، وهي أول
كلمة صحيحة اسمعها من الأمين العام ل ـ بيت العرب ـ، كما سماها احد
موظفي الجامعة العربية
فبغض النظر عن النوايا فلست هنا في معرض محاكمة
النوايا ، وبغض النظر عن هوية وتوجهات العراقيين المعارضين الذين
سيواصل موسى الاستماع إليهم ، وبغض النظر كذلك عن هوية الجهة أو الجهات
التي تقف وراءهم وتدفعهم وتدعمهم بهذا الصدد ، إلا أنني اعترف أنها
صراحة شجاعة ورأي سديد وقرار رائع ، أتمنى أن تعممه الجامعة العربية
على كل الأعضاء فتفتح أبوابها لكل المعارضين لأنظمة الحكم العربية ،
ولا تبقى تستمع إلى الأنظمة فقط ، وتصغي إلى ادعاءاتها الفارغة وكذبها
المفضوح فحسب ، بل لو تتكرم الأمانة العامة وتعمم قرارها الجرئ هذا على
كل الدول العربية ، لتستمع إلى المعارضين كما تستمع إلى السلاطين ،
وتصغي إلى الآخر كما تصغي إلى الحاكم ،علها تكسب بعض الشعبية في صفوف
الشعوب العربية فتعيد بعض الاعتبار إلى نفسها
وبذلك ستتعرف الجامعة العربية عن قرب على البديل
عن كل نظام حكم عربي ، فلا تؤخذ على حين غرة كلما شهد بلد عربي تغييرا
في السلطة ،أو تأخذ وقتا طويلا للتعرف على البديل ـ الغريب والمجهول ـ
في كل مرة يسقط فيها نظام عربي كما حصل ذلك بالنسبة إلى مجلس الحكم
الانتقالي في العراق
إن الإصغاء إلى ما يقوله المواطن العربي المقموع
في بلاده من قبل الأجهزة الإرهابية السلطوية ، هو بعض الحق الذي يمن به
على جامعته العتيدة
وبهذا الصدد اقترح تأسيس جامعة عربية ـ شعبية ـ
إلى جانب الجامعة العربية ـ السلطوية ـ ، يحضر اجتماعاتها المواطن
العربي العادي ليقول فيها كلمته ورأيه في قضايا بلاده وأمته بكامل
حريته وبعيدا عن أعين السلطة وأجهزتها القمعية المخيفة
فما دامت المسافة طويلة بين الشعوب العربية
وصناديق الاقتراع التي تختار من خلالها حكامها ، فلنفسح لها المجال
لاختيار جامعتها العربية على الأقل ، إذ ليس من الإنصاف أبدا أن تبتلى
بسلاطين مفروضين عليها في بلدانها ، وبممثلين عنها مفروضين عليها في
مثل هذا المحفل ـ الوحدوي ـ العريق
أما القرار أو التوصية الشجاعة والفريدة من
نوعها التي صدرت عن الاجتماع الوزاري للجامعة الأسبوع الماضي ، فهو ما
يتعلق بموضوع المقابر الجماعية التي تم الكشف عنها في العراق بعد سقوط
النظام الديكتاتوري الشمولي
اشهد كذلك انه قرار شجاع وتوصية رائدة وان جاءت
متأخرة جدا جدا جدا إلا أنها مع ذلك تبقى شجاعة وجريئة ، قد تساعد على
تطييب خاطر العراقيين من الجامعة العربية التي ظلت مصرة على دعم وإسناد
نظام المقبور صدام حسين حتى آخر لحظة
بهذا الصدد اقترح ما يلي:
أولا / أن يوقع كل الزعماء العرب على هذه
التوصية لنتأكد من براءتهم
ثانيا / أن تشكل الجامعة العربية لجنة خاصة
لتقصي حقائق المقابر الجماعية والسجون الجماعية في البلاد العربية ليتم
الكشف عنها والوقوف على حقيقتها اليوم اليوم وليس غدا ، فقد يساعد ذلك
في إيقاف مجازر الأنظمة والحكام العرب بحق شعوبهم
إن الشعوب العربية ، وللأسف ، تحولت اليوم إلى
طوابير أسرى في معتقلات الأنظمة ، كما تحولت إلى فئران تجارب في
مختبرات الأنظمة تجرب عليها أحدث أجهزة القمع والإرهاب والتعذيب ، وان
الأنظمة تتصرف بأرواحها ودمائها وأموالها وأعراضها كيف ومتى تشاء ،
فلماذا لا تبادر الجامعة العربية إلى فعل أي شئ من اجل إيقاف هذه
المهزلة ؟
لازال السلطان في البلاد العربية هو الآمر
الناهي بلا منازع ، وهو صاحب السلطة والصولجان ، وهو حارس السجن وحفار
القبور ، أما المواطن فليس أكثر من مجرد دمية لاحول لها ولا قوة ، قد
أنهكها الجوع والتخلف والفقر والأمية والمرض والخوف وضياع المستقبل
لا نريد أن تفاجأ الجامعة العربية بالمقابر
والسجون الجماعية في البلاد العربية كلما سقط نظام أو تغير سلطان أو
هلك ملك ، ولذلك اقترح عليها أن تمسك بالمبادرة وتسبق الزمن لاكتشاف
الحقائق قبل فوات الأوان ، فإذا عفا العراقيون عنها مرة فان الشعوب
العربية سوف لن تعفو عنها في كل مرة.
[email protected]
|