أحدث استطلاع لأراء مسلمي أمريكا والذي أصدره
مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في العاشر من سبتمبر الحالي
كشف عن حقيقة هامة توقعها البعض وفاجأت آخرين وهي زيادة نشاط مسلمي
أمريكا على الصعيد السياسي خلال العامين الماضيين ومنذ أحداث الحادي
عشر من سبتمبر 2001 على وجه التحديد.
فقد ذكر 59 % من المشاركين في الاستطلاع أن
مجتمعاتهم المسلمة المحلية زادت من نشاطها السياسي والاجتماعي بشكل عام
خلال العاميين الماضيين، وتقاربت هذه النسبة من نسبة الذين ذكروا أنهم
زادوا من أنشطتهم الشخصية على المستويات الاجتماعية (58%) والسياسية
(45%) وعلى مستوى الحوار مع أبناء الأديان المختلفة (52%).
هذه النتائج تمثل مفاجأة لمن توقعوا انكماش نشاط
مسلمي أمريكا وتوجههم نحو الانعزال على المستويات السياسية والعامة بعد
أحداث سبتمبر بسبب الضغوط المتزايدة التي تعرضوا لها على مستويات
مختلفة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وفي ظني أن تزايد نشاط مسلمي وعرب أمريكا على
المستوي السياسي وفي الحياة العامة الأمريكية كان متوقعا نظرا
لمجموعتين رئيسيتين من الأسباب ترتبط أولهما بخصائص المجتمع المسلم
والعربي الأمريكي ذاته، وترتبط ثانيهما بخصائص المحيط الأمريكي العام
الذي عمل فيه مسلمو وعرب أمريكا خلال العامين الماضيين.
الأسباب الداخلية
على الصعيد الداخلي يمكن القول أن مسلمي وعرب
أمريكا يمتلكون عدد من المقومات التي تدفع مشاركتهم السياسية إلى
الأمام بشكل مضطرد وعلى رأسها التالي:
(1) مسلمو وعرب أمريكا مروا بمرحلة تغيير
أيديولوجي هامة خلال العقد الأخير من القرن العشرين على الأقل، وتتمثل
أهم معالم هذا التغيير – والتي تعنينا في مقالتنا هذه – في زيادة قناعة
مسلمي وعرب أمريكا بمختلف فئاتهم بأهمية المشاركة في الحياة العامة
والسياسية الأمريكية.
وقد كشفت دراسة رعتها المنظمات المسلمة
الأمريكية في عام 2000 رصدت توجهات قادة مساجد أمريكا عن حدوث هذا
التحول، إذ ذكر 96% من القادة المسلمين الذين شاركوا في الدراسة أنهم
يؤيدون مشاركة المسلمين في مؤسسات المجتمع الأمريكي المختلفة، كما أيد
89% منهم المشاركة في العملية السياسية، وأيد 77 % منهم فكرة أن
الولايات المتحدة تقدم نموذجا من الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعلم
منه المسلمون.
هذه النسب العالية توضح أن التوجه السابق أصبح
التوجه عاما في أوساط المسلمين الأمريكيين في أوائل القرن الحادي
والعشرين، وأن مطالبة مسلمي وعرب أمريكا بالمشاركة في الحياة العامة
الأمريكية أصبحت رسالة أساسية يطالب بها المسلم الأمريكي العادي بشكل
مباشر ومتكرر.
(2) الجيل الراهن من المسلمين الأمريكيين يمتلك
بعض أهم عوامل تشجيع المشاركة السياسية، وعلى رأسها ارتفاع مستواهم
التعليمي، وإحساسهم العالي بقضاياهم السياسية الأساسية، ونشاطهم في
العمل التطوعي على المستوى الداخلي على الأقل.
إذ يعد مسلمي وعرب أمريكا من أكثر الجماعات
الأمريكية ارتفاعا في مستواها التعليمي نظرا لأن جزء كبير منهم هاجروا
إلى الولايات المتحدة للدراسة فيها – وخاصة على المستويات الأكاديمية
العليا - ثم قرروا الاستقرار فيها، وتشير الإحصاءات المتعلقة بهذا
الأمر أن 48 % من المسلمين المترددين على المساجد هم من حملة الشهادات
الجامعية وهي بلا شك نسبة مرتفعة تبشر بقدرة مسلمي أمريكا على الوعي
بالقضايا السياسية وسبل المشاركة في العملية السياسية الأمريكية.
كما يمتلك المسلمون والعرب الأمريكيون مجموعة من
القضايا السياسية الهامة المؤثرة على حياتهم والقادرة على توحديهم،
وعلى رأسها قضايا الحقوق المدنية على المستوى الداخلي، وقضايا السياسية
الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي على المستوى الخارجي، وعلى
الرغم من أن لبعض هذه القضايا تأثيرا سلبيا ضاغطا على مسلمي وعرب
أمريكا إلا أنها في نفس الوقت توحد المسلمين والعرب وتجعلهم راغبين في
تغيير واقعهم بعكس الجماعات المسترخية التي لا تمتلك قضايا تحفزها أو
توحدها.
المسلمون والعرب الأمريكيون يتميزون أيضا
بارتفاع معدلات نشاطهم التطوعي على المستويات الثقافية والاجتماعية
داخل الأوساط المسلمة الأمريكية ذاتها إذا تستطيع 80 % من المساجد في
أمريكا العثور على مسلمين راغبين في التبرع لها بأوقاتهم حتى ولو بعض
عناء قليل.
ويمثل العمل التطوعي في النطاق الاجتماعي
والثقافي العام مصدرا هاما من مصادرة قدرة أية جماعة أمريكية على
المشاركة في العملية السياسية بشرط إلا يقتصر أعضائها على العمل داخلها
فقط، وأن يمتد نشاطهم إلى العمل مع المحيط الأمريكي العام، ولكن يستفيد
المسلمون والعرب الأمريكيون - على هذا المستوى - بحقيقة أنهم مجتمع
معتاد على التبرع للعمل العام.
(3) مسلمو وعرب أمريكا بنوا خلال العقد الأخير
من القرن العشرين عددا متزايد من المنظمات المسلمة المعنية بالعمل على
المستويات السياسية والإعلامية وعلى مستوى الحقوق المدنية وذلك بغرض
ترجمة موارد مسلمي وعرب أمريكا واستعدادهم على صعيد المشاركة السياسية
إلى قوة سياسية فعلية ومتنامية.
وقد استطاعت هذه المنظمات – على الرغم من صغر
عمرها وقلة مواردها مقارنة بالمنظمات المشابهة لها في المجتمع الأمريكي
– تحقيق كثير من النجاحات في مجال توعية المسلمين والعرب الأمريكيين
بقضاياهم، وعقد الدورات التدريبية لهم، وتوحيد جهودهم وتطويرها في مجال
تسجيل أصوات الناخبين والتصويت ككتلة انتخابية موحدة، وتمثيلهم في
العديد من الفعاليات السياسية في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي
الولايات الأمريكية المختلفة.
(4) خبرة مسلمي وعرب أمريكا التاريخية تميزت
بخاصية هامة وهي قدرتهم على تحويل الأزمات الكبرى إلى فرص ومساعي حثيثة
للتنظيم السياسية والاجتماعي، وقد رأينا هذا يحدث بعد أزمة حرب 1967 إذ
أسست العديد من المؤسسات العربية الأمريكية، وبعد أزمة حرب الخليج
الأولى عام 1991 إذ أسست العديد من المؤسسات المسلمة الأمريكية العاملة
على الساحة السياسية في الفترة الراهنة، وقد شهد العامان الماضيان
زيادة ملحوظة في مساندة مسلمي أمريكا لأنشطة مؤسساتهم السياسية وفي
رغبتهم في بناء المزيد من هذه المؤسسات.
الأسباب الخارجية
البيئة الأمريكية المحيطة بمسلمي وعرب أمريكا
خلال العامين السابقين وقبلها شجعت إلى حد ما مشاركتهم السياسية لأسباب
عديدة نذكر منها ما يلي:
(1) المسلمون والعرب الأمريكيون يعدون أكثر حظا
من أقليات أمريكية أخرى فيما يتعلق بحجم الحقوق والحريات المدنية
المتاحة لها في الفترة الراهنة خاصة على الصعيد السياسي، إذا لم يضطر
المسلمون والعرب الأمريكيون إلى خوض كفاح طويل للحصول على حقهم في
التصويت أو في عدم فصلهم عنصريا كالذي خاضته أقليات أمريكية أخرى مثل
الأفارقة الأمريكيين والنساء الأمريكيات والذين لم يكن يحق لهم التصويت
خلال فترات تاريخية معينة.
(2) تبعات أزمة سبتمبر السلبية لم تمتد إلى
التضييق على حرية المسلمين في ممارسة دينهم، وقد أشار استطلاع كير
الأخير لهذه الحقيقة إذ ذكر 70 % من الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم
يشعرون في الفترة الحالية بالحرية في ممارسة دينيهم بلا قيود.
(3) ضغوط أزمة سبتمبر السياسية العديدة على
المسلمين في أمريكا - وخاصة فيما يتعلق بنشاط بعض النخب السياسية صاحبة
النفوذ والمتطرفة في ولائها لإسرائيل أو لليمين الأمريكي المتشدد في
المطالبة بعزل المسلمين والعرب الأمريكيين واستبعادهم سياسيا – لم
تستطع إغلاق أبواب المجتمع المدني الأمريكي بمؤسساته المختلفة والعديدة
أمامهم، وقد مدت العديد من الجماعات الأمريكية أيديها لمسلمي وعرب
أمريكا خلال العامين الماضيين.
فعلى سبيل المثال قربت خبرة العاميين الماضيين
بين مسلمي أمريكا وعدد من أكبر جماعات الحقوق والحريات المدينة – مثل
اتحاد الحريات المدنية الأمريكية – والتي انتقدت ما تعرضت له حقوق
وحريات مسلمي وعرب أمريكا خلال العامين الماضيين، كما قربت بينهم وبين
عدد كبير من جماعات السلام ومناهضة الحروب خاصة خلال فترة الحرب على
العراق، هذا إضافة إلى علاقاتهم المتنامية مع الجماعات المدافعة عن
حقوق الأقليات في أمريكا – كالأفارقة واليابانيين والسيخ الأمريكيين –
التي توحدت شعوريا مع مسلمي وعرب أمريكا خلال الفترة التالية لأحداث
سبتمبر رافضين ما تعرضت له حقوق وحريات المسلمين والعرب من انتهاكات
ذكرتهم بمعاناتهم خلال فترات تاريخية أخرى.
وفي النهاية نحب أن نؤكد على حقيقة أساسية، وهي
أن تركيزنا – خلال هذا المقال - على الجوانب الإيجابية من تجربة مسلمي
وعرب أمريكا على صعيد النشاط السياسي والمشاركة في الحياة العامة
الأمريكية خلال العاميين الماضيين لا يعني إغفالنا بأي من الأحوال
للتحديات والضغوط العديدة التي مازالوا يتعرضون لها منذ أحداث الحادي
عشر من سبتمبر، وإنما هي محاولة منا لتركيز الضوء على تلك الجوانب
الإيجابية وتوعية المسلمين والعرب في أمريكا وخارجها بها إذا لم يكونوا
مدركين لها بالفعل. |