التجارب الشخصية تؤكد أن الانتحار المعنوي للنفس
أمضى تأثيراً من الانتحار الجسدي ذلك أن الناس كرأي كبير سرعان ما
ينسون أو يتناسون المنتحر جسداً لكن الحي اليائس من الحياة الذي يعيش
بقية حياته منتحراً معنوياً لا ينساه الناس لكنهم على الغالب يتجاهلون
وضعه وهذا ما يزيد فوق محنته محنة أخرى.
يمكن التنويه بدايةً أن العلاقات الإنسانية
الحقة بين مجتمع النساء – على حدة – ومجتمع الرجال – على حدة أيضاً
يكاد يكون رمزياً على أكثر في المجتمعات الغربية إلا أن ما يلاحظ أن
شيئاً من الإنسانية ممكن لمسه حين يكون طرفا العلاقة بين رجل وامرأة
والمعنى هنا واضح فضريبة العلاقة الجنيسية على وجه العموم والعيش
المشترك يفرض شروط الاتكيت أن يكون كل الصديق والصديقة في مستوى إبداء
الاهتمام بالثاني وكيف لا يكون ذلك في الغرب والتقاليد العائلية تقضي
بأحيان غالبة وقف مد الأولاد ذكوراً وإناثاً من يد المساعدة المالية
حين بلوغهم الثامنة عشر سنة على اعتبارهم قد بلغوا سن الرشد وينبغي
عليهم وعليهن الاعتماد على النفس في كل شيء، ولما كان الانطلاق
الانفرادي تحت مبدأ حق التمتع بالحرية المزعومة قد عزل الشباب والشابات
عن عوائلهم حتى في استحصالهم على مسكن مستقل فإن التفتيش لديهم ولديهن
سيجعله الجميع أمام تجارب لا أول ولا آخر لها التي غالباً ما تبدأ
بالانكسارات العاطفية المتتالية لذا يمكن القول أن الغربيين هم أبكر
الناس عمراً في الشعور بتفاهة الحياة إذ يشعروا بالإخفاق المزري وهم في
عمر العشرين نتيجة لنمطية العلاقات الزائفة في المجتمعات الغربية التي
تتراجع مآلات الزواج فيها إلى نقطة الصفر وبذا يساء هناك إلى فطرة
الإنسان البديهية الطامحة للعيش حياة هادئة ضمن أسرة جادة في عواطف
أفرادها.
لذلك فحين يجد الإنسان الغربي – امرأة أو رجل –
النفس وحيدة في عالم المصداقية فيه مؤقتة أو مؤجلة أو مائتة فيسيطر شيء
من الشعور النامي الذي تؤسس عليه النفوس المنهزمة ما يبعدها عن تنمية
الذات بصورة يسدل فيها الستار على مرارة الماضي والنظرة بتفاؤل إلى
المستقبل على ما يسمو بالنفس البشرية لا أن يشتت أملها في إمكانية
الظفر بحياة فاضلة.
لذلك فيشهد الغرب حالياً ظواهر إقامة لقاءات
وندوات لتدارس الأوضاع الاجتماعية المستفحلة في كل المجتمعات الغربية
المتشابهة في نمطية تفكيرها وحياتها ودرجة نزوعها البعيد عن علاقات
الروح ففي فرنسا ينظم الاتحاد الوطني للوقاية من الانتحار ندوات بين
أوساط الشبيبة في المدن الرئيسية مما كان له الأثر الطيب في خفض حالات
الانتحار الجسدي داخل فرنسا إذ كشف النقاب مؤخراً مثلاً أن سنة 1993م
لوحدها شهدت وفاة (12.250) ألف شخص بسبب الانتحار.
ناهيكم أن أسباب أخرى مثل عدم تحسن الظروف
المعيشية لدى بعض الشرائح الاجتماعية وبالذات كبار السن يدفع بعضهم إلى
الانتحار. ويعزو (ميشيل ديبو) رئيس (الاتحاد الوطني للوقاية من
الانتحار: (إن الطرد من العمل كافٍ ليقود إلى إماتة النفس بالانتحار)
أما في أوساط المراهقين فإن الانتحار بات شائعاً أيضاً فهناك (7%) من
المراهقين في حزن ممن تتراوح أعمارهم بين (11) و(19) سنة لم يترددوا في
محاولة القضاء على أنفسهم عن طريق الانتحار في حين يبلغ عدد المراهقات
المنتحرات ثلث عدد المنتحرين إذ غالباً ما يلجأن إلى ابتلاع الأدوية
بكميات غير معتادة.
أما الجانب الثاني الذي يخص الرغبة للخلاص من
الحياة في البلدان النامية فهي ما ابتليت به من وجود انتحار من نوع آخر
بين مجتمعاتها ألا وهو الانتحار المعنوي الذي قد يكون في حالات كثيرة
أصعب على الفهم من وقوع الانتحار الجسدي ليس في العالم الشرقي عموماً
بل والعالم الغربي.
إن نهج إجراء (الانتحار المعنوي) قد لا يكون
سببه ما عمله الفرد اتجاه نفسه من تقصير أو عدم إدراك تام بما كان أو
يكون ولكن اقترافات الآخرين بحق بعضهم البعض كـ(ناس) بلا وجود مبرر
عادل يمثل صورة تردية جداً من الاستغلال بين الأقوياء والضعاف مثلاً
عملية إفساد الآخرين وخصوصاً الفتيات لقاء منحهن لقمة العيش ففي لندن
كشفت محكمة عالية بريطانية مؤخراً عن: (أن موظفي الأمم المتحدة
وبوليسها الدولي في إقليما البوسنة والهرسك بيوغسلافيا السابقة مارسوا
ويمارسون الآن أبشع الجرائم اللاأخلاقية من دون رادع وأبرز هذه الجرائم
الاتجار بالفتيات القاصرات واغتصابهن إضافة إلى تهريب المخدرات، بحسبما
أفادت بذلك محكمة سيلزبوري في مقاطعة ويلتشير البريطانية على لسان
كاترين بوتلوفاتش (41) سنة الموظفة السابقة لدى الأمم المتحدة في
ساريغو عن تفاصيل أخطر الجرائم التي يرتكبها موظفون دوليون، خانوا شرف
واجبهم الوظيفي في حماية حقوق الناس.. وإماتتهم معنوياً كما في حال
اغتصاب النساء.
المصدر: شبكة النبأ
المعلوماتية |