يبدو ان اوربا اخذت تحصد ثمار ثورتها الصناعية
المجيدة عندما هب عليها موجة حر كأنها قادمة من جحيم اخذ يحرق غاباتها
ويلسع ابناءها ويذيب جليدا المتماسك طوال قرون مديدة، واليوم يعتقد
الكثير ان هذه الموجة قوية هي نتيجة للتلوث الصناعي الذي انتج غازات
الانحباس الحراري مما ادى الى اختلال التوازن الطبيعي، فالانسان يحصد
ما زرع..
فقد كشفت دراسة دولية نشرت نتائجها الاربعاء ان
الطبقة الجليدية للقطب المتجمد الشمالي ستذوب كليا في خلال 100 سنة
بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون.
وقال اولا يوهانسن الاستاذ في معهد "نانسن"
للابحاث في بيرغن (جنوب غرب) وهو احد واضعي الدراسة لوكالة فرانس برس "منذ
العام 1978 تنحسر الكتلة الجليدية بنسبة 3 او 4% كل عقد. وفي القرن
الجديد سيكون الجليد قد ذاب تماما في القطب الشمالي خلال الصيف".
واضاف يوهانسن احد واضعي دراسة وهي بعنوان "التقلبات
المناخية في القطب الشمالي" : "في حال استمرت انبعاثات ثاني اكسيد
الكربون بوتيرة سريعة فان ذلك قد يحدث ابكر اما اذا تم خفضها فان ذلك
سيؤخر هذه الظاهرة".
وتثبت الملاحظات المسجلة عبر الاقمار الاصطناعية
والتي تستند اليها الدراسة ان مساحة الجليد في القطب الشمالي انحسرت
بمعدل مليون كلم مربع في السنوات العشرين الاخيرة لتصبح ستة ملايين كلم
مربع في الصيف.
وراى يوهانسن ان ذوبان الكتلة الجليدية تماما
سيحد بشكل كبير من حركة المد البحري ويؤثر على التيارات كتيار غالف
ستريم - وهو التيار الذي يجعل الحرارة مقبولة في اوروبا- بما يعني ذلك
من انعكاسات على المناخ والنظام البيئي.
لكنه اكد ان "ذوبان هذه الكتلة وخلافا لما هو
شائع لن يؤدي الى ارتفاع مستوى المحيطات لان الجليد الذي يذوب وهو
موجود في الماء ولن يزيد شيئا على الكتلة" مضيفا ان "مستوى البحار لا
يرتفع الا بفعل الامطار الغزيرة والانهار او ذوبان الجليد خارج الماء".
واستنادا الى يوهانسن نفسه فان ذوبان الكتلة
الجليدية سينعكس ايجابا على حركة النقل لان ذلك سيؤدى الى فتح طريق
بحرية جديدة في شمال روسيا من شانها اختصار المسافة عشرة ايام بين
اوروبا واليابان كما سيكون لذلك انعكاس جيد على الصيد البحري وعلى
النفط بسبب اتساع المساحات المناسبة للصيد والتنقيب بشكل كبير.
الى ذلك هناك اثر اخر وفق الباحث. فالمحيط يلعب
دورا كبيرا في امتصاص ثاني اكسيد الكربون "وبين كمية السبعة جيغاطن من
ثاني اكسيد الكربون التى تنبعث يوميا يمتص المحيط بصورة طبيعية 2,5
وكلما اتسعت مساحة المحيط كلما كان امتصاص اكسيد الكربون اكبر".
من جهتها نقلت صحيفة لوموند الباريسية الخميس عن
وزارة الصحة الفرنسية ان حصيلة موجة الحر الشديد التي تجتاح فرنسا منذ
اسبوعين قد تكون ارتفعت الى ثلاثة الاف قتيل.
وقال مدير عام الصحة لوسيان ابنهايم "يمكننا ان
نؤكد ان موجة القيظ اسفرت عن عدد مرتفع من الوفيات: اليوم رقم الثلاثة
الاف يبدو معقولا".
واضاف في حديث مع صحيفة "لوموند" ان المسنين اول
ضحايا موجة الحر التي لم تشهد فرنسا مثلها منذ اكثر من نصف قرن. وهذا
اول تقدير رسمي بالارقام ينشر منذ احتدام الجدل في فرنسا حول تقاعس
الحكومة لما وصفته الصحف "بالمأساة".
وفي وقت سابق الخميس أقر وزير الصحة جان فرنسوا
ماتاي بان عدد الوفيات وصل الى مستوى "مقلق". وقال في مقابلة مع اذاعة
"فرانس انتر" العامة ان "الارقام كبيرة حتى انها كبيرة جدا".
وبحسب رئيس جمعية الاطباء في اقسام الطوارىء في
مستشفيات فرنسا باتريك بولو ان الحصيلة قد ترتفع اكثر وتحدث امام
الصحافيين عن "آلاف الضحايا حتى وان لم نكن بعد قادرين على تحديد العدد
بدقة". واضاف ان "الارقام كارثية".
واشارت هيئات رسمية منذ الاربعاء الى مئات
الوفيات منذ مطلع الشهر الحالي لكن الصحف الباريسية ذكرت الخميس ان
الضحايا بالالاف. وبحسب تحقيق اجرته صحيفة "لو باريزيان" في العاصمة
الفرنسية والمناطق القريبة "سجلت نحو الفي حالة وفاة في باريس خلال
الايام الثمانية الاخيرة". وسجل اكبر عدد من الوفيات في صفوف المسنين
والاشخاص المصابين بامراض.
وقال وزير الصحة ان "حجم الوفيات غير معقول بسبب
موجة حر غير مسبوقة لجهة درجات الحرارة ومدتها".
ولم يقتصر الامر على موجة الحر بل ساعد على ذلك
انقطاع التير الكهربائي، فقد انقطع التيار الكهربائي عن أكثر من 1500
منزل في باريس مساء الثلاثاء، فيما تجهد فرنسا للمحافظة على الاستمرار
بإمدادات الطاقة في أجواء حرارة مرتفعة جداً.
وقد وضعت هيئة كهرباء فرنسا EDF اللائمة على
درجات الحرارة العالية غير العادية التي أثرت على كابلاتها المطمورة
تحت الأرض.
وقال رئيس هيئة كهرباء فرنسا EDF فرنسوا روسلي
لإذاعة RTL "إننا نحرك كل الوسائل الممكنة لتطوير الانتاج، والخطر
الأكبر هو أن نفقد الطاقة."
وكان قرابة 50 شخصاً قد قتلوا جراء أسباب ترتبط
بموجة الحر المرتفعة، في الأيام الأربعة الأخيرة في منطقة باريس،
لترتفع حصيلة قتلى هذه الموجة منذ الرابع من أغسطس/ آب الحالي إلى مائة
شخص على الأقل، حسب ما أعلنه مسؤول في السلطات الصحية في فرنسا
الثلاثاء، فيما تستمر الموجة الحارة في التصاعد في أرجاء مختلفة من
أوروبا.
وحسب مسؤولي هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية فإن
موجة الحر بفرنسا، مستمرة لوقت متأخر من هذا الأسبوع.
ويتوقع أن تصل الحرارة في باريس إلى 37 درجة
مئوية (98.6 فهرنهايت)، وإلى 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) في مدينة
لشبونة في البرتغال.
هذا وكانت أجهزة الأرصاد الجوية البريطانية سجلت
الأحد، رقما قياسا جديدا غير مسبوق لدرجة الحرارة العظمى في بريطانيا.
وأوضح المسؤولون أن درجة الحرارة وصلت إلى 37.9
درجة مئوية (100.2 فهرنهايت) في مطار هيثرو لتصبح بذلك أعلى درجة حرارة
يتم تسجيلها في بريطانيا على مدار التاريخ.
وكان الرقم السابق مسجلا في منطقة "شيلتنهام"
بوسط إنجلترا، بتاريخ 3 أغسطس/أب 1990.
وقد بلغت درجة الحرارة في ذلك اليوم 37.1 أو
98.8 فهرنهايت.
وقد أوضح مسؤول في هيئة الأرصاد البريطانية أن
المملكة المتحدة تحتفظ بسجلات لدرجة الحرارة منذ منتصف السبعينيات من
القرن التاسع عشر.
وتشهد بريطانيا حاليا موجة من الهروب إلى
الشواطئ والبحيرات بحثا عن ملجأ من الموجة الحارة التي تجتاح مناطق
عديدة في غرب ووسط أوروبا.
ومن المتوقع أن تستمر الموجة الحارة على ألمانيا
حتى منتصف الأسبوع القادم.
أما إيطاليا فيقول الخبراء أن درجات الحرارة لن
تنخفض إلا مع نهاية شهر أغسطس/أب.
وكانت الغابات في كل أسبانيا والبرتغال وإيطاليا
قد تعرضت خلال الأسبوع الماضي لسلسة حرائق شديدة بسبب ارتفاع حرارة
الجو.
اما الالمان فأنهم يكرهون البرد.. ويتذمرون من
الحر اذ يمضي الالمان اغلب الشتاء في الشكوى من طقسهم الضبابي البارد
الرطب وعندما ترتفع حرارة الصيف يتذمرون.
واحدث ارتفاع طفيف في درجة الحرارة على ساحل
البلطيق ازدهارا في السياحة حقق مزيدا من العائدات وارقاما قياسية من
الزوار هربوا من موجة الحرارة التي أحدثت اضرارا كبيرة في أوروبا. قال
الكهربائي سيجارد لورينتس (43 سنة) الذي جاء الي هذا المنتجع على ساحل
البلطيق شمال برلين "هكذا الحال معنا نحن الالمان... لا يرضينا الطقس
مهما كان. ولكن البلطيق رائع عندما لا يكون حارا."
في ستة اسابيع متواصلة من الدفء والشمس المشرقة
ارتفعت الحرارة في البلطيق البارد عادة الى 23 درجة مئوية او خمس درجات
فوق معدلها وساعد ذلك على إنعاش المنطقة التي طال اهمالها اقتصاديا
واصبحت من أكثر الاماكن اجتذابا للسياح في ألمانيا.
وبارتفاع الحرارة الى 40 درجة مئوية هرب الاف
الالمان في طوابير طويلة من السيارات كادت توقف حركة السير الى البلطيق
حيث العدد كامل في الفنادق والنزل وحتى المخيمات. وتنظم ايضا رحلات يوم
واحد الى هذا المنتجع.
وتكدست الشواطيء التي كان يرتادها عدد قليل من
المصيفين بمظلات يسترخي تحتها الهاربون من الحر. قالت كارين تسابل
المتحدثة باسم وزارة الاقتصاد في ولاية مكلنبرج/فوربوميم الشمالية
الشرقية وهي من اصغر وأفقر الولايات الالمانية "انه افضل صيف على
الاطلاق للسياحة في البلطيق."
وفي هذه الولاية تعتمد واحدة من كل ست وظائف على
السياحة التي اصبحت مع الزراعة اكبر صناعتين بعد انهيار الشيوعية في
1989 وتشكلان 10 في المئة من الاقتصاد.
اضافت تسابل "ارتفع النمو السياحي جدا بسبب
الطقس الرائع وتحسين البنية التحتية. وللاسف انه ليس لدينا ضعف ما
عندنا من فنادق لتلبية الاقبال الذي يمكن ان يجعل هذه الاماكن كاملة
العدد."
وقال مسؤول سياحي محلي ان الطلب على اماكن
الاقامة زاد عن المعروض عشر مرات. قال يوي هانوش مدير فندق ماريتيم
(133 غرفة خمس نجوم) في هرنجتسدورف "فندقنا كامل العدد طوال الصيف.
وأيضا كل الفنادق. اننا نستفيد من الشمس. انه أفضل صيف اشهده."
وأثار ازدهار السياحة في المنطقة حيث تبلغ نسبة
البطالة 20 في المئة املا بين الشباب الذين يهاجر كثير منهم الى الغرب
بحثا عن عمل. في العشر سنوات الاخيرة بلغت الاستثمارات في البنية
التحتية السياحية نحو 1.6 مليار يورو في بناء فنادق وارصفة وممرات على
الشاطيء.
يوجد الان 2650 فندقا ودار اقامة باجمالي 164650
سريرا. وقبل سقوط حائط برلين كانت توجد خمس فنادق فقط في البلطيق
الالماني الشرقي.
وقد تحول هذا الحر الى عملية استثمار اقتصادي
تطبيقا للقول المعروف مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد شهدت أسواق بلجيكا
بداية من الاسبوع المقبل رقعة لاصقة يفوح منها شذى وعبير محببان
للتخفيف من آثار الصداع والآثار الناجمة عن موجة الحر.
وقالت صحيفة دي مورجن إن الرقعة المبردة ذات
العبير أروما كولنج وتبلغ مقاساتها (5سم في 12 سم) تخفف من آثار الصداع
عندما يجري تثبيتها في جبهة الشخص. وتحتوي على جيل مبرد وتفوح منها
رائحة محببة من النعناع أو اللافندر. ويقول جي بيشوبس الذي يقوم بتسويق
الرقعة إنها مزودة بغلاف من الالومنيوم حتى يتسنى حملها في الجيب مما
يجعلها عملية لتخفيف الحرارة أكثر من رقعة قماش مبللة.
المصدر: وكالات، النبأ
المعلوماتية |