الدستور هو القاعدة الأساسية التي تبنى عليها
منظومة الحكم المدني للمجتمع ، كما يمثل حصانة الشعب تجاه سلطة الحكام
، لذلك توجهت المجتمعات المتحضرة إلى الاهتمام به ومنحه العناية
الكافية من حيث الإعداد والصيانة والمضمون.
وعند قراءة تاريخ تكوين الدساتير تلاحظ إن
الفترة التي تسبق إعداده تكون فترة متحركة وفعالة بنشاط تتفق والرؤى و
الطروحات التي تعبر عن فلسفة المجتمع .
وفي الوقت الراهن يلمس المواطن الكريم هذا
الهاجس لدى كل طبقات المجتمع السياسية والاقتصادية والقانونية وحتى
الفرد البسيط الذي يملك مستوى معين من الثقافة والتعليم . وهذا يمثل
قلق مشروع ناتج عن حرص الناس على المستقبل وعدم تفويت الفرصة التي سنحت
لهم ، والوقوع مرة أخرى تحت سلطة جبابرة العصر وطواغيته .
وانسجاماً مع هذا الفعالية النشطة في المجتمع
لابد وان نتصدى لبعض الطروحات المتعلقة بموضوعة الدستور ، فقبل أن نحدد
ماهية وطبيعة النظام الدستوري علينا أولا أن نجتهد في كيفية إعداد
وسائل صياغته وكتابته ، وقد اتفق الجميع على أن تكون هناك لجنة أو هيئة
مهمتها صياغته وكتابته على وفق معطيات وثوابت يتفق عليها الجميع ، إلا
إن الخلاف ظهر في كيفية تشكيل هذه اللجنة ، ففريق يرى إن يتم تعين
أعضائها من أهل الرأي والاختصاص والآخر يدعوا إلى انتخاب هؤلاء الأعضاء
، وبين هذين الرأيين لنا وقفة متواضعة تجاه تلك الطروحات وكما يلي :-
1- إن أسلوب التعيين يستدل منه على أن تكون هناك
جهة تقوم باختيار الأشخاص على وفق مؤهلات تحددها تلك الجهة ، وهذا
الاختيار يكون من خلال معرفة تلك الجهة بمجموعة من الأشخاص الذين تعتقد
تلك الجهة بصلاحيتهم لمثل هذه المهمة ، ونرى إننا سوف لا نضمن أن تكون
تلك الجهة على علم بكل أصحاب الاختصاص المؤهلين تجاه هذه المهمة ، كما
إن العمل سيكون باتجاه يخدم جهة التعيين لان الشخص المعين لابد وان
يحابي تلك الجهة ، إن لم يكن من دعاة تيارها وأفكارها ، بالإضافة إلى
ان الجهة التي تعين لها الحق في العزل فان تقاطع رأي الشخص المعين مع
تلك الجهة فلها أن تقيله وتعزله ، وعند ذاك لا نضمن الاستقرار في العمل.
كما إن التحفظ الذي ينهض في هذا الباب هو مدى
مشروعية تلك الجهة التي تعين لجنة الدستور فهل تمثل كل فئات المجتمع
العراقي وهل استمدت مشروعيتها من الشعب أو من أي قاعدة قانونية اقرها
الشعب ، لذلك فان العمل على وفق هذا السبيل يخلق في ذهنية المواطن بعض
المؤشرات التي تدل على إن الدستور المقبل سيكون معبراً عن رؤية فئوية
طبقية وسوف تتكرر مأساة الماضي .
2- أما إذا تم تعيين لجنة الدستور على وفق أسلوب
الانتخابات ، الذي هو بلا شك سيكون من افضل السبل ، لان من ينتخبه
الناس لا يطعن في شرعية وجوده في اللجنة بالإضافة إلى انه أسلوب حضاري
يؤمن ثبات المجتمع في العمل المؤسساتي المستقبلي للعراق ، ألا إننا نقف
عند بض المؤشرات ومنها ما يلي :-
أ - إن الانتخابات يجب أن يكون لها قانون ينظمها
ويحدد المسؤوليات والمهام والجهات المشرفة عليها والكيفية بالانتخاب هل
بالأسلوب المباشر أو الغير المباشر وهل يكون لدورة واحدة أو لدورتين ،
مع مراعاة كون العراق الآن تحت وطأة الاحتلال ، على وفق التوصيف الوارد
في قرار مجلس الأمن المرقم 1483 ، إضافة إلى إننا لا نتوفر على قانون
للانتخابات ، وحتى ما ورثناه من النظام السابق لا يسعفنا لمعالجة هذه
النقطة ، كما إننا نعاني من فراغ السلطة التي لو كانت موجودة لتمكنا من
الحصول منها على تشريع ينظم عملية الانتخاب ، لذلك فان معرقلات السير
على هذا الطريق عديدة .
ب - إن الانتخابات التي تكون في ظل الظرف الراهن
، لربما ستقود بعض الأشخاص الذين لا يملكون المؤهل والقدرة الذهنية
والرؤيا السياسية والاجتماعية لمتطلبات البلاد إلى الوصول إلى هذه
اللجنة ، حيث لا زال المجتمع العراقي يخضع لنفوذ وسطوة أصحاب الوجاهة
الاجتماعية اللذين يساومون الناس على ضمان أمنهم وسلامتهم في ظل غياب
الأمن والاستقرار أو أصحاب الثروات المالية اللذين يؤثرون على الناخبين
مستغلين صعوبة الظرف الاقتصادي والحاجة المعاشية للناس وعند ذاك سنكون
قد صنعنا بأيدينا طغاة وجبابرة جدد كالذين سامونا سوء العذاب في
المرحلة السابقة .
لذلك يلاحظ القارئ الكريم إن الأمر لا يخلو من
صعوبة لأنه من اخطر المهمات التي على المجتمع أن يتصدى لها ، ولغرض
الوصول إلى وسيلة تمثل الآلية السليمة التي بواسطتها نؤمن وجود لجنة
تمثل مصالح الشعب بشكل حقيقي وواع بعيد عن التأثر بالتيارات السياسية
والفكرية الفئوية ، أرى أن يكون تشكيل اللجنة بمعدل خمسة مقاعد لكل
محافظة مع إعطاء محافظة بغداد عشرة مقاعد لخصوصية تعداد سكانها وحجم
مساحتها وطبيعة تشكيلها العرقي والطائفي ، وهؤلاء الأعضاء يتم اختيارهم
من قبل أبناء المحافظة عن طريق الاقتراع السري بواسطة المجالس المحلية
المشكلة فيها على أن نضع مواصفات خاصة بهؤلاء ، منها أن لا يقل تحصيله
الدراسي عن درجة البكالوريوس وان لا يقل عمره عن الأربعين عام وذلك حتى
نضمن توفر الثقافة والوعي والنضوج الفكري ، ومن ثم يتم تطعيم هذه
اللجنة بعناصر يعينها مجلس الحكم من أصحاب الاختصاص القانوني والقضائي
والاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، على أن تكون نسبتهم ثلث مجموع
الأعضاء الذين ترشحهم محافظات العراق كافة ، ونرى أن لا تكون اللجنة
حكراً على الحقوقيين بل تضم في ثناياها كافة الاختصاصات لان الدستور لا
يتعلق بفئة دون أخرى فانه يعبر عن فلسفة الأمة والشعب ويحدد توجهها
المؤسساتي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني .
لذلك ومما تقدم نرى إن الأمر بحاجة إلى الاهتمام
الجدي والفعال من كل فئات الشعب وأطياف المجتمع ، وان نفكر بصوت مسموع
حول كل ما يتعلق بهذا الأمر ، وان نطرح الآراء ونناقش المطروح ، حتى
نضمن الحصول على اكبر قدر من التكامل في إعداد وصياغة دستور يضمن سلامة
العراق ووحدته ويوفر الحرية والديمقراطية الصحيحة التي تتفق مع قيمنا
وأفكارنا ومعتقداتنا الدينية والدنيوية .
المصدر: شبكة النبأ
المعلوماتية |