عن الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله):
(أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل،
تعرفوا ما أمرتم به وما نهيتم عنه وأعلموا أنه ينجدكم عند ربكم).
الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع
ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع فطر أجناس البدائع وأتقن بحكمته
الصنائع، فسبحان من لا تنقضي عجائبه، ومن عجائب صنعه وفريد خلقه
الإنسان بما فيه من أجزاء وأبعاد مختلفة ومعقدة وأعظم ما فيه العقل
الذي به كرمه الله تعالى على جميع خلقه، وإذا ضاع العقل ضاع معه كل شيء:
فالعقل بتلافيفه الدماغية الواعية التي تسير حياة الإنسان يكمن فيه
الذكاء ومنه تكون القدرة على الاستقرار والمقدرة على الاستنباط
والتمييز.
وهذا العقل ينمو بنمو الإنسان ويتطور بتطوره
ويستطيع أن يكون بمثابة المرشد الأمين له واللجام الذي يكبحه ويصده عن
أفعال الشر وهو مبعث الخير والصلاح إذا ما لبي ندائه. والعقل يختلف من
شخص لآخر في نسبته وأيضاً في مذهبه ووسائل إقناعه بل في سلوكه العام
أيضاً فسبحانه من قائل (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين
لهم أنه الحق...).
بحسب ما توصل إليه علم الطب: أن المخ ينقسم إلى
مساحات ومناطق مختلفة لكل منها فوائدها في الإشعاع والإشراف على سلوك
وأعمال الجسم، فهناك مساحة تتحكم في التفكير وأخرى للذكاء وثالثة
للحركة ورابعة للإحساس وخامسة للإبصار...
وينقسم المخ إلى قسمين أو نصفين متماثلين النصف
الأيمن يمثل الأيسر من الجسم، والنصف الأيسر يمثل النصف الأيمن من
الجسم، يمثل جسم الإنسان مقلوباً في المخ فالمساحات العليا السطحية من
القشرة المخية تتحكم في حركة القدمين، والمساحات المتوسطة منها تمثل
وسط الجسم، والمساحات السفلى من القشرة المخية تتحكم في ا لوجه والجبهة
والعينين، وكل سنتيمتر مكعب من المخ يحتوي آلاف مؤلفة من المراكز
والخلايا والقنوات العصبية المتوازية حيناً والمتقاطعة حيناً آخر، ولكل
منها مجرى خاص وسلوك معين.
وهناك جهازان عصبيان يعملان بالتناوب:
فالسمبتاوي: يقوم بالعمل أثناء النهار وهو مسؤول عن النشاط والحركة وهو
يهدم الطاقة ويهدر المختزن منها ويرفع ضغط الدم ويزيد من التوتر
والخفقان والقلق.
والباراسمبتاوي: يقوم بالعمل أثناء الليل، وهو
مسؤول عن الهدوء والسكينة، يختزن الطاقة ويدخرها، يهدئ ضغط الدم كما
يقلل من التوتر ويبطئ من خفقان القلب، فيتبادل الجهازان العمل في
ورديات، حين ينشط الأول يهدأ الثاني، وفي لحظات التسليم والتسلم ينتقل
الإنسان من حال إلى حال دون أن يشعر بأي تغير فسيولوجي بائن ويظهر في
استواء بالغ، وإدارة محلية حكيمة مدبرة.
ويبدأ تخلّق الدماغ منذ الأسبوع السادس للحمل
وتنتهي تسويته في الشهر الرابع منه، وخلال مرحلة التخلق تتكاثر الخلايا
العصبية بالسرعة المذهلة التي قدرها بعض علماء الأجنة بـ(250.000) خلية
جديدة في الدقيقة، إلا أن نمو الدماغ يزداد حتى سن البلوغ، أما عدد
خلاياه فلا يزداد أو يتجدد بعد الشهر الرابع وإنما ينقص تدريجياً مع
تقدم العمر. وفي دراسة أخرى أن خلايا الدماغ تتجدد كبقية الخلايا. كما
قدر بعض العلماء أنه خلال كل ثانية تفكير أو مذاكرة، تعمل شبكة من
الخلايا الدماغية يقارب عددها عشرة مليارات خلية، كل خلية منها متصلة
بآلاف الخلايا من أمثالها، وتسري في أسلاكها الأوامر العصبية بسرعة
(350) كلم في الساعة، بذلك يتمكن الإنسان من رؤية الشيء والنطق باسمه
بأقل من نصف ثانية، علماً أنه يجري في داخل كل خلية من شبكة الخلايا
هذه خمسة عشرة ألف تفاعل كيميائي هي الأساس في عملية التفكير.
وكلما توغل العلماء في دراسة المخ وجدوا أنفسهم
في بداية الطريق، فمع كل هذا التقدم في حقول العلوم والاكتشافات إلا
أنه في الدماغ كثير من الطاقات والخفايا مما لم يكتشفه العلم بعد، لكن
هناك محاولات كثيرة حيث أصبح من الممكن فهم الطريقة التي يتحكم بها مخ
الإنسان في كل شيء يقوم به بشكل أفضل، وذلك بسبب خريطة نجح العلماء في
رسمها.
واستخدم الفريق العلمي، الذي ضم علماء من ستة
دول، لرسم الخريطة سبعة آلاف صورة لأدمغة أفراد من جميع الأعمار،
ويعانون من حالات مرضية مختلفة.
ويقول الخبراء أن الطريقة الوحيدة لفهم كيفية
عمل الدماغ هي جمع معلومات من أكبر عدد ممكن من الفحوصات في محاولة
للحصول على ما يشبه دماغ عادي، وذلك بسبب اختلاف دماغ كل شخص عن الآخر
من حيث الشكل والحجم والتركيب.
فالهدف من الخريطة أن يكون لديهم فهم للدماغ
بطريقة أكثر شمولية لتحديد الأمراض وعلاجها، ربما بترتيب البيانات على
أساس الجنس أو المرض.
ولكن لم ينته الأسرار، بل هناك الكثير الكثير،
فسبحانه من مبدء ومعيد وسبحانه من عالم قدير. |