تصفح الجريدة.. وألقى نظرة سريعة على
العناوين ومن ثم القى بها في أحدى الزوايا كما أعتاد ان يفعل لتأتي
زوجته وترفعها وتضمها الى أخريات.. فسيأتي اليوم الذي تصبح فيه الجريدة
ممسحة جيدة لتنظيف الزجاج او يوضع فوقها أطباق الطعام..
كما هم لم يتغيروا.. وعود.. وعود لحل
المشاكل الاقتصادية.. وعود لحل المشاكل الاجتماعية.. ولكنهم يزايدون لا
أكثر.. يريدون منا أن ننام على ترنيمة تلك الوعود.
هكذا كان يقول دائما حين يلوح بالجريدة في
الهواء قبل رميها عند الزاوية - ولماذا تأتي بالجرائد الى البيت أذن ؟!
يمكن توفير ثمنها، تقول الزوجة معقبة..
فيجيب بلا مبالاة: لكي تنتهي الجريدة
النهاية الطبيعية.. عادت الحياة الى طبيعتها
بعد احداث جسام.. عادت الحياة الى روتينها
الممل بعد الاطاحة بالديكاتور السابق وفريق حكمه.. وجاء الرئيس الجديد
كمنقذ من السماء.. جاء ومعه الوعود بالتغيير الوعود بالحلول لكل
المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. تسلل الى الكرسي بتلك
الوعود التي داعب من خلالها أمال وأحلام البسطاء والمساكين.. تسلل الى
الكرسي بالقوة والإكراه.. تسلل بفعل مؤثرات ما خارجية..
تسلل بخطف الأبصار ببريق المال الذي حاز بواسطته على حرس وخدم
مستعدين لفعل أي شيء وكل شيء من أجل نيل الفرصة لمداعبة ذلك المال..
المال مفتاح الحلول الجاهزة لتكوين التجمعات التي تمجده وتسبح بحمده..
وتدعو له من على المنابر.. مادامت الزكيبة مفتوحة ليغرفوا منها, فهو
المنقذ.. هو المناضل..
القائد.. أقواله وأفعاله وزياراته الى بيوت الفقراء المتداعية
في ضواحي المدن ومسحه على روؤس الاطفال وخطاباته الثورية المتضمنة
لشعارات براقة عن الامل في الغد الجديد..
مسكه المسحاة وتعئبته لعربة اليد بالرمل لغرض البناء او رفع وعاء
الاسمنت على الكتف والسير به خطوات قليلة امام عدسات المصورين..
او مشاركة الفلاحين!
بالحصاد اليدوي بالمنجل.. كل تلك الأفعال
يجب أن توثق لحظاتها بالصورة والصوت.. كل تلك الأفعال تجعل المرء يقول
أنه ابن الشعب المتواضع البسيط وتزدان صوره صدر الصفحات الاول من
الجرائد والمجلات.. ويقطع البث التلفازي إرساله لينقل صور زياراته في
مدن البلاد.. نعم له الحق في ذلك فما يفعله
لايفعله غيره.. هل شرب الرئيس الامريكي مثلا
الشاي على قارعة الطريق.. هل شارك الرئيس
الفرنسي الفلاحين حصادهم بالمنجل.. هل زار
رئيس وزراء بريطانيا بيوت الفقراء وأطلع على مستواهم المعيشي بالنظر
الى داخل الثلاجة.. هل ارتدى الرئيس الروسي لباس قومية من قوميات دولته
أعترافا بها ولو شكليا.. لا رئيس مثله..
اذن هو أحق بكل شيء.. احق بأحتلال
صدر الصفحات الاول في الجرائد.. احق
بالتغطية التلفازية.. أحق بغفران أخطاءه
ونسيانها حتى لو أدت الى كوارث جسيمه.. أحق بإعدام المئات أو زجهم في
غياهب المعتقلات والسجون.. أحق بتقليد
أقرباءه المناصب.. فلماذا ناضل برأيكم وزلزل
أركان الديكتاتور السابق.. أليس من أجل
الديمقراطيه والحياة الافضل.. فها هي
الديمقراطية يمارسها مع جماعته في مناقشة أمور البلد من دون الاخرين..
والحياة الافضل لأقرباءه لينتشلهم مما كانوا فيه..
اما البسطاء.. فهم الرقم المكمل لصورة الوطن.. فلا وطن بلا شعب..
شعب من الجياع المحرومين يكفي ليقال وطن.. شعب يمكن أن
يستغلهم من يشاء, ويتخذهم كوسيلة للوصول الطامحين والطامعين على حد
سواء.. فيكفي ان يعد هؤلاء الشعب المحروم
الجائع ولا ينفذوا ما يوعدون فمن
سيسال عن الوعود التي أطلقوها عند تربعهم على الكرسي؟!..
فكيف سيرضي الرئيس غروره ان كان هناك في البلد من هو أغنى منه
؟!.. كيف سيرضي نرجسيته ان كان هناك من
يعارضه ويسفه خطواته؟!..
كيف سيشعر بقوته أن لم يملء السجون بالمعارضين والبسطاء؟!..
ويملء قلوب الناس خوفا ورعبا..
- أنظري.. واسمعي
هذا الخبر المنشور.. (الرئيس القائد يصدر
أمراً الى وزارة
الداخلية لتحدد فيها طريقة إيقاف المشتبه بهم وتفتيش منازلهم
ومدة توقيف وحقوق الشخص الموقوف).
- أمر جيد أخيرا اليس
كذلك ؟
- بالطبع جيد.. إذا
علمت انه تمت تصفية الموقوفين لأسباب سياسية بأعدامهم
.
فزع علي من نومه وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم..
الكابوس الذي رآه في منامه شديد الوطأة جعله يتصبب عرقا..
وأيقظه تماما.. نظر الى التلفاز ونظر
الى الساعة.. أنها الثالثة صباحا..
لاباس من مشاهدة التلفاز في هذه الساعة على
أحدى القنوات تبث عند هذه الساعة ليطرد تلك الهواجس والكوابيس المرعبة
بدل الاستسلام لها.. أدار زر التشغيل لتظهر صورة المذيع وهو يقول بلهجة
خطابية ثورية:
فيما يلي أعادة ثانية لزيارة الرئيس القائد
المناضل حفظه الله الى أحدى القرى النائية في وطننا الحبيب وتفقد
الرئيس أحوال المواطنين في تلك القريه والاطلاع على أحوالهم المعاشية...
لطم علي وجهه.. وأطفئ
التلفاز فلم يعد يميز الكابوس عن الحقيقة..
ارتمى على سريره مستسلما . ( انتهى) |