فى التاسع من نيسان
من هذا العام 2003 انتهى تاريخ مظلم فى العراق المعاصر بسقوط اعتى
دكتاتور عرفه العصر الحديث بكل المقايس التى عرفتها
الأنسانية وسطرتها فى ذهنية التارخ
البشرى.
وبهذا السقوط انتهت الدولة العراقية وطويت
صفحتها السوداء, وبدى العراق شعب بلا حكومة سوى القوى الاجنبية التى
دخلت بغداد وسائر المدن والضواحى الاخرى, وشكلت قوى التحالف حكومة
فعلية فى البلد من دون اعلان.
وبدأت الجماهير تعيش عصرا جديدا يتمكن فيها
المواطن ان يقول ما يجول فى خاطره دون
أن يلاحظ اجهزة أمن
تحصى أنفاسه وتعد الكلمات الصادرة من فيه,
ويستطيع ان يقتني ما
تجود فيه يداه، ويحتاجه عقله, وتشتهيه نفسه. ويقدر ان يتنقل فى
كل بقعة من بلده دون مانع وحاجز تفتيش يحجز عليه انفاسه ويخنق ادميته
بمجرد الاقتراب منه. وتشكلت الاحزاب
السياسية المتعددة وقامت الموسسات الحقوقية والانسانية, وملئت الصحف
ارصفة الشوارع التى تشكل النسيج الفكرى والحضارى لشعب يملك حضارة عمرها
سبعة آلاف عام, وصاحب قدرات ثقافية وأدبية
وسياسية هائلة, وأضحت العشائر والبيوت
العراقية ان تقيم العزاء على شهدائها بعد ان كان ممنوعا عليها ان تذرف
دمعة حزن على أفلاذ أكبادها،
الذين غيبتهم سجون الشر الصدامية وصادرت حياتهم لا لشىء سوى انهم كانو
يحبون وطنهم ودينهم وحريتهم.
وصار باستطاعت الملايين
من الذين أكلتهم الغربة ومزقتهم المسافات
الشاسعة قهراً وغدراً
ان تشم ذرى بلدها, وأن
يعودوا ويحتفلوا
بسعادة اللقاء وتقبيل تربة الوطن واحتضان الاهل والاقرباء والاقران.
الى جانب هذا سادت الفوضى وانتشر السلاح فى
اوساط المجتمع من جراء انهيار المؤسسات
القمعية الامنيية والحزبية, وخلو مخافر الشرطة من الحراس, ومخازن
السلاح العسكرية بدت دون ابواب, فضلا من ان النظام الساقط وزع السلاح
على كل قادر من حمله فى محاولة منه ان يشكل متاريس بشرية لحماية عهده
المقبور, واطلق الالوف من المجرمين والقتلة,
وارباب السوابق من السراق وقطاع الطرق والمحتالين. انعدم الامن
وبدت رياح الفساد بالانتشار، وفقدت الخدمات الضرورية فى المدن مثل
الكهرباء والماء ووسائل الحياة اليومية للمواطن,
اضافة الى عدم وجود الشرطة وفقدان البلد من مؤسسات
دولة وضوابط حكومة.
لم يغيب عن ذهن النظام السابق ما سيؤول اليه
المشهد العراقى فى حال انهيار السلطة والحكم,
وكان لها من انهيارت تاريخية ومعاصرة عبرة وعظة, لذلك اتخذت
الاجرءات الكفيلة لعرقلة عجلة التغير والوقوف امام تطلعات العراقين بكل
مااتيح لها من امكانات ووسائل وما اتقنت من افكار هدامة استقتها خلال
حكمها المشئوم فى العراق. فبدأت بنشر
اعوانها كل حسب قوته وموقعه بعد ان استرجعوا
أنفاسهم واستغلوا
غفلة التحالف وبعض سلبياتة, وكذلك فرحة العراقين وطيبتهم المعهودة,
وبدأوا بتنظيم صفوفهم وترتيب
اولوياتهم فى العمل على تقويض الاستقرار وعرقلة مسيرة الحرية فى العراق
الجديد. فالعساكر منهم من حرس جمهورى وامن
خاص, وفدائى سىء الصيت باعمال التخريب للبنى التحتية من ضرب محولات
الكهرباء وتفجير انابيب النفط, وحرق المؤسسات الحكومية, والمواقع
الحضارية والثقافية كالمتاحف والمكتبات, واتلاف وتهديم مقسمات الهواتف،
وكل ما يمت الى راحة المواطن بصلة.
واما المثقفين منهم فهم قسمين, قسم معروف بموقعه
المتقدم فرجع الى الوراء واما القسم الذى كان مضمرا وبعيدا عن الاضواء,
فبدأ عمله فى التوارى بين المواطنين الوطنيين
وتلون بلبوسات متنوعة حسب الموقع الذى عين فيه,
ولما كانت القضية بالنسبة الى هؤلاء هى حياة
أو موت وشعارهم هو
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر. لذلك شمروا عن
سواعدهم وكشروا عن أنيابهم,
وحملو معاول الهدم فى صفوف الامة, وأخذوا
يبثون سموم الفرقة وأساليب الفتنة,
بين افراد المجتمع.
ولا ينبغى ان نجرد
قوى التحالف من المسؤلية كاملة مما يحصل فى العراق,
ان التأخير فى اقامة مؤسسات الدولة
العراقية والحكومة العراقية, من المؤسسة
السياسية والتكنوقراطيه الفاعلة فى الساحة العراقية, ممن حملوا راية
النضال ضد ابشع دكتاتورية فى التاريخ, وممن دفعوا
ثمنا باهضا من اجل الحرية والكرامة, وبعض الممارسات السلبية
لبعض الجنود المنسوبين للجيش الامريكى, وهذه الاعمال والممارسات توظف
مباشرة لصالح القوى العاملة لتقويض الاستقرار فى العراق وبث الفرقة بين
ابناء الوطن الواحد, وهذا كله يعود الى ان امريكا والقوى المتحالفة
معها, لم تاخذ بنصيحة االعارفين بالشأن العراقى من ابناءالعراق, لذلك
كثرت المطالبات والمناشدات العريبة والاسلامية بشكل ملح, على اقامة
حكومة عراقية منتخبة, وهذا امر منطقى ومطلوب، فى وضع يمتلك فيه البلد
دستورا مقرا ومؤسسات قائمة, وهذا مانفتقده فى العراق حاليا.
ان ما يحتاجة العراق
فى الوقت الحاضر الى وضع الاسس الثابتة والمستقرة فى بناء الدولة
العراقية, من دستور وقوانين تنظم العلاقه بين االشعب والحكومة بعد ان
تعين نوع الحكم, فى ضوء هذه المعطيات, يكون
اقامة مجلس للحكم, ويتفق على رئاسة من قبل اعضاء هذا المجلس, امر منطقى
وطبيعى مقبول ينسجم مع الحالة العراقية الراهنة، وغير هذه الصورة
مستحيلة وبعيدة عن التصور.
اعضاء مجلس الحكم
كثر الحديث عن اعضاء مجلس الحكم وشرعية وضعهم،
بأنهم اناس قدموا من الخارج مع القوات
المتحالفه وبالتالى هم عملاء للأجنبى ولا
يمكن لها ان تمثل الشعب العراقى, ان الذين
يطلقون هذه المقولات مهما كانت دوافعهم مخلصة اومغرضة تصب فى مصلحة
القوى التى لا تريد الخير للعراق ولا
ترغب فى استقراره وبناء مستقبل واعد ومتطور
له. ومن الجدير بالذكر ان كل اعضاء
مجلس الحكم هم عراقيون شربوا من ماء هذا الوطن ونبتت لحومهم من ترابه,
ولم تكن جهودهم وجهادهم مجهولة لكل العارفين بالشأن العراقى، والناكر
لهم يعتبر ناكرا لكل القيم الانسانية الخيرة, ولا
يعرف المناضلين الذين كان لهم النصيب الكبير والمشهود فى
إزالة هذا النظام الظالم الذى خنق كل الشعب
العراقى قرابة ثلاثة عقود ونيف من الزمن, وكل من يفرق بين ايناء العراق
على اساس الداخل والخارج او على اسس طائفية بغيضة يخدم النظام السابق،
وكل اعداء الامة الذين يضمرون الحقد والضغينة على العراق وأبنائه,
ويريدون الشر لمستقبله واجياله القادمة.
ومن نافلة القول ان الشرعية التى اكتسبها اعضاء
مجلس الحكم اضافة لنضالهم وجهدهم المميز ,انتمائهم لحركات سياسة لها
واقعية وفاعلية على الساحة العراقية يعرفها الصادى والغادى والمنكر لها
جاحد ومنكر للحق, ولكن كنانتمنى على هذا المجلس ان يضم اليه قوى واحزاب
سياسية كانت لها شرف المشاركة بالعرق والدم والنضال المشترك معهم
لايجوز تجاهلهم ونكران وجودهم.
ان مايدور فى الساحة العراقية من جدل ونقاش، هى
مظاهر صحية وايجابية فى ضوء ماينعم به العراق من حرية ومقدمات لممارسات
ديمقراطيه، واسلوب من اساليب التعددية السياسة, ومن الضرورى ان يتفق
الجميع على الحدود المسموحة وغير المسموحه التى تخدم حاضر ومستقبل
العراق, وان لايساء الى اجواء الحرية السائدة الان, ويعتبرون هذه
الفترة هى فترة تاهيل وتعود على ممارسات لم تكن مألوفة فى السابق.
القوى الوطنية العراقية والشعب العراقى
ما ينبغى على القوى
الوطنية العراقية ان تشيع روح الوئام والمحبة والرغبة الصادقة فى بناء
الوطن، والرغبة الواقعية والعملية فى رؤية عراق ديمقراطى تعددى يحكمه
دستور ثابت, وتصوب كل قرارته عبر صناديق الاقتراع.وان تسعى بشكل حثيث
على زرع الثقافة العصرية المنسجمة مع طموحات الامة ونابع من روح الدين
والتقاليد الاسلامية التى تدعو الى الحب والسلام، وتدعو للسعى الجاد فى
طلب العلم وتسلق جبال المعرفة، والتطلع الدائم الى الجديد فى ميادين
الحياة المتنوعة.
ويتعلموا ويعلمو ان الصبر والروية هو الطريق
الوحيد الذى يمكن الانسان من الوصول الى اهدافه ومقاصده، بشكل مريح
وبعيد عن المغامرات وتمزيق الاعصاب والاندفاع المضر بمصلحة الشعب
ومستقبل العراق, وعلينا ان نصبر قليلا على
معطيات الواقع الجدبد، والوعود الامريكية، وننظر ما سيعمله مجلس الحكم
فى المستقبل المنظور، وان نتعلم الاساليب الحضارية فى انتزاع الحقوق
والوصول الى اهداف عراق المستقل، المحكوم من قبل ابنائه، ومستقل فى
ارادته، ومتجانس مع الدول الاقلمية والمحيط العالمى, بعيدا عن النزاعات
وسفك الدماء . وأن نأخذ دروسا عملية من الدول التى مرت بنفس ضروف
العراق الحالى او مايشابه، قد وصلو ا الى قناعة قاطعة الى ان الحوار هو
الاسلوب الأمثل فى انتزاع الحقوق الوطنية والقومية، والاساليب الاخرى
المبنية على الانفعالات اللآنية لاتثمر سوى المزيد من الشهداء وسفك
الدماء واهدار الطقات القومية البشرة والمادية .
مجلس الحكم واستحقاقات المستقبل
ان استحقاقات الحاضر والمستقبل من مجلس الحكم
يمكن ان نختزلها بعدة نقاط:ـ
اولا: العمل
السريع على تشكيل لجنة قانونية تكتب مسودات الدستور العراقى وعرضه على
الشعب عبر وسائل الاعلام والقوى السياسية والحزبية و المرجعيات الدينية
الواعية لضروف المرحلة ومتطلبات الواقع العملى للعراق.
ثانيا: تشكيل
الوزارة العراقية, من خلال ابناء العراق، الذين يتمتعون بالنزاهة
والايمان بثوابت العراق الجديد المتطلع للاستقلال والاستقرار, وممن لم
تكن لهم سوابق تربطهم بلنظام السابق, ويتمتعون بكفائة علمية واخلاقية
ونزاهة مشهود بها, بعيدا عن انتمائهم الحزبى والمناطقى والطائفى, وانما
الانتماء للعراق فقط.
ثالثا:
السعى الحثيث للقضاء على حالة الانفلات الأمنى, وانتشار السرقة,
والمواجهات المسلحة، واخماد بؤر التوتر القائمة فى مناطق العراق,
ومحاولة سحب السلاح من ايدى الناس, والقضاء على المجرمين من اعوان
النظام السبق ومرتزقته, والالوف من الذين اطلق سراحهم صدام من ارباب
السوابق والمجرمين.
رابعا: اعادة
الخدمات الضرورية للمواطنين مثل الكهرباء والماء وتاهيل المستشفيات
وتوفير الدواء للمرضى, واعادة عائدات المواطنين التى سلبها صدام
واعوانه من اموال وعقارات, وتاهيل العراقين على استعادة كرامتهم التى
سرقها النظام البائد. واعادة اصلاح المدارس والجامعات بشكل عصرى ومتطور
يناسب طموحات اجيال المستقبل,وبناء مدراس عصرية ونموذجية منسجمة مع
التطور العلمى فى العالم ودول المجاورة.وترصيف الطرقات وتعبيدها، وبناء
شبكة اتصالات وموصلات حديثة ومتطوره .
ونحن نأمل ان تضافرت الجهود ان نرى عراق مزدهر،
يتمتع بشروق مستقبل حضارى مستمد معالمها من جذوره التاريخية ومرتبطا
بكل ماهو جديد ومتقدم من الحضارة العالمية الجديدة, كل ذلك يتم بسواعد
رجاله وكفاح شبانه وحكمة شيوخه وعلمائه. |