ما زالت البشرية تحمل آمالها الإيجابية بما
ينبغي أن يكون عليه القرن الحادي والعشرون حيث تعم الحرية ويسود السلام
ويكون للديمقراطية ورعاية الإبداع الإنساني شأن يحرص الجميع على تحقيقه
وهذا هو إرث آمال البشرية الذي حملته من باب القرن (20) وهي تشرع
دخولها إلى أبواب القرن (21) الواسعة.
دخلت البشرية على القرن 21 منذ ما ناهز الثلاث
سنوات وهي تحمل معها آمالها العريضة بأن القرن الجديد الحالي سوف يكون
استثنائياً في كل شيء وأول ذلك لمس رفعة مستوى معيشتها التي ما تزال
حلماً جماهيرياً بعيد المنال. لقد كثر الكلام كما كثرت التوقعات وزادت
الآمال البديهية بأن طفرة حياتية من شتى المستويات ستحدث بمجرد دخول
البشرية مرحلة القرن (21) ولكن هل تحقق شيء استثنائي مما كان في
المخيلات الاجتماعية.
ولعل نظرة محايدة على كل بلد كان أهله يتطلعون
إلى خير وفير سيقدم إليهم بمجرد دخول أيام القرن (21) قد تبخرت الآن،
منها أن زهاء (3) سنوات قد مرت وأن شيئاً لم يتحقق فقوة العمل في حالة
تقهقر والجهد الأحادي مازال سمة كل دولة تقريباً وتواشجات البلدان
المحسوبة على إقليم واحد بقيت ضعيفة والكتل الدولية التي كان يروج لها
أصبحت مصطلحاً لم تفهم أبعاده حتى الآن وكل هذا وذاك تسبب في إحداث
صدمة جبين الآمال بالأرض.
وإذ برزت حالة تركيز مشاكل العالم في البلدان
النامية بشكل مستفحل أكثر من غيرها تلوح في الذات الإنسانية عقدة
الشعور بالعجز عن فعل شيء ما، فالبلدان الاستهلاكية بقيت كي تبقى مرشحة
لأن تستمر كـ(بلدان استهلاكية) غير منتجة بشكل يحقق الاكتفاء الذاتي من
خيراتها التي توزع بصورة غير عادلة ولعل من مآسي الإشكالية بهذا الصدد
أن أنواع جيدة من الإنتاج الزراعي في بعض البلدان تصدر إلى الخارج في
ظروف غامضة ويستجلب عوضاً عنها نفس النوع من الإنتاج الزراعي ولكن من
الصنف الأجنبي الرديء.
أما فيما يخص معدلات النمو السكاني في البلدان
النامية وبالذات البلدان الفقيرة فلا تبشر بأي خير، ولعل مبدأ إعادة
تقييم الأوضاع يبدو أنه قد أمسى طي النسيان ولعل التحكم بالسياسات
المحلية والإقليمية والدولية قد أدى أن تكون عمليات التقدم الاجتماعي
مجرد صورة في الذهن فحتى الإنسان المترفه في بلد متقدم أصبح خاضعاً
لدفع ضريبة الطمأنينة من صميم علاقاته الإنسانية حيث الشكل فيها قد غلب
على المضمون فمثلاً حرية المرأة تبين أنها لا تعدو أكثر من جرها إلى
مهاوي الفساد وإقامة العلاقات مع رجل غير شرعي أي دون وجود عقد للزواج
بينهما.
إن عالم اليوم يتراجع فعلياً على المستوى الروحي
ويتعثر في مجال استحصاله على حاجاته المادية على الأكثر ولا أحد يدري
أي نوع من التحكم الحكومي الأجنبي أو الإقليمي أو المحلي يقف وراء كل
ذلك، وإلا فكيف يفسر تفاؤل الإنسان الحديث وهو الذي أصبح الحذر من
حواليه ملازماً ليومه من الصباح وحتى المساء. ولعل شيوع الخلل في
العديد من البلدان النامية قد جعلها سجوناً لمجتمعاتها وشهد العالم
خلال الأربعين سنة الماضية تقريباً حركة في الهجرة عن الأوطان الأصلية
بما لم يشهد له التاريخ مثيلاً بعد أن أهمل معظم المهاجرين أسماء
أوطانهم التي ظلموا فيها بلا أي مسوغ قانوني.
وبعضاً من أرض الله الواسعة وبفضل السياسات
الدولية السلبية قد أصدمت المهاجرين إليها إذ طالبهم المنفى في أماكن
عديدة أن يكونوا آدميين من الدرجة العاشرة في البلدان الأخرى التي
وصلوها بشق الأنفس.
إن النمو السلبي في المواقف من الحياة جعل
التفكير السوي في كل بلد يتيقن بكون أغلب الحكومات تعيش حالة أفول بطيء
بعد أن برهنت أنها غير أهلٍ لتمثيل وتحقيق الحد المقبول من طموحات
مجتمعاتها المتطلعة بصورة مؤكدة نحو حياة هانئة وعيش كريم. |