حينما سمع الحسن البصري بمقتل طاغية العراق في
زمن الأمويين الحجاج بن يوسف الثقفي سجد لله شكراً، وقال : (اللهم كما
أمته فأمت سنته) .
واليوم وبعد زوال أعتى نظام وأكبر طاغية عرفه
التاريخ المقروء في العراق صدام التكريتي والذي يسمّيه البعض بمجمع
الطواغيت، الذي أهان المقدسات، وسحق الكرامات، وسلب الشعب حقوقه، وقتل
من شيعة العراق صبراً خمسة ملايين وثمانمائة ألف إنسان عدا من زجّهم
بحروبه ومعاركه مع دول الجوار، والذي لم يبنِ للعراق سوى المقابر
الجماعية والسجون والمعتقلات. علينا أن نعمل سوياً لإماتة بدعه بفضحه
ومن آزره وناصره في مسيرته الإجرامية من دول ومنظمات وأزلام عبر تدوين
جرائمهم وطغيانهم ونشرها عبر كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة
والمرئية، وبذلك نكون قد أوجدنا الوعي في الشعب حتى تكون له حصانة لعدم
تكرار مآسيه، ونكون قد أدينا ما علينا من مسؤولية تجاه الأجيال
والتاريخ والحق والحقيقة، ونكون قد أوجدنا وسيلة ردع إضافية أمام
الحكام الظلمة على أن ما يقترفونه سيكون مآله الكشف والفضح، فلو عمل
الشعب العراقي في الماضي على فضح الحكومات الاستبدادية لما وصل الأمر
إلى تسلط صدام وزمرته، ولو لم يُفضح اليوم صدام ونظامه فسيأتي هدّام في
المستقبل.
ويقترح في هذا الصدد تحويل بعض السجون ووسائلها
التعذيبية وملفاتها إلى متاحف ليطّلع عليها العالم، وأن تصدر جريدة
عراقية بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان هدفها استقصاء جرائم النظام
البائد، وأن تحوّل المقابر الجماعية في محافظات العراق إلى نصب تذكارية
يلاقون الاحترام والإجلال.
علينا أن نقبر ما جاء به صدام من أفكار ومفاهيم
كالقومية والعنصرية والطائفية وحكومة الأقلية وما مارسه من نظام الحزب
الواحد والحاكم الواحد وما عمله من تقسيم للمواطنين من الدرجة الأولى
والثانية والثالثة، وعلينا أن نزيل من نفوسنا أدران التفرد والعنف
والسلوك الانتقامي في التعامل، هذه الأدران التي أوجدتها جمهورية
الخوف، حيث حولت الناس إلى أذلاء يتكالبون على النفاق وعلى إيذاء بعضهم
البعض وعلى الانتقاص من القيم الأخلاقية والاجتماعية فضلاً عن
الإنسانية.
إنّ إماتة بدع صدام تحتاج إلى إزالة كوابيس
التقاعس والتماهل واللامبالاة التي منينا بها، ونحتاج إلى جمع الهمم
والسواعد وإلى وحدة الصف والهدف، ومسؤوليتنا الشرعية والعقلية تحتم
علينا العمل سوياً من أجل عراق استشاري ــ ديمقراطي ــ يضمن حقوق
الأكثرية، ويحمل القيم الإسلامية ومبادئ أهل البيت : مع الحفاظ على
حقوق الأقلية، وهذا يتطلب منّا ما يلي :
1. نبذ الخلافات والصـراعات الداخليـة. قــال
تعالى : (وَلاَ تَنَازَعُـوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُـمْ) ،
وقــال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ
تَفَرَّقُوا) وأن نركّز على القواسم المشتركة، فإنّ: (المسلمون إخوة،
يد واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم
أقصاهم) كما جاء في الحديث، وأن نعي أساليب الاستعمار وخططه ودسائسه في
تمزيق الشعوب والمجتمعات .
2. أن نشخّص أعداءنا من الدول المجاورة
والإقليمية التي لا ترغب بقيام حكومة ديمقراطية في العراق معللين ذلك
بسيطرة الأكثرية في الحكم، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي في
بعض تصريحاته، ويسعى له بعض حكام المنطقة من تحركات مشبوهة.
3. أن نحدد الهدف ونتمحور حوله حتى تتضح لنا
الرؤية في العمل، ونعرف ما ينبغي وما لا ينبغي.
4. أن نلتف حول قياداتنا الدينية والوطنية
الصالحة والمتقية التي يهمها مصلحة العراق وشعبه.
5. أن نعمل جميعاً وباستمرار وفاعلية وبالطرق
السلمية من أجل نيل الحقوق، فالاعتقاد بالحقوق دون السعي لها لا يحقق
المنال، وهذه سنة الأنبياء والمرسلين والصالحين.
6. أن تكون أعمالنا نخبوية ومركزة هدفها تنمية
القدرات العلمية والتنظيمية والوحدوية للجماهير.
7. أن نجعل لأعمالنا ضوابط وأطراً، فبدون ذلك
مآلها التصادم والتناحر ، ومن تلك الضوابط احترام حقوق الآخرين وعدم
السعي لتحجيم أو إسقاط أي طرف وترك حالة الاستعلاء والاستبداد، فإنّ:
(من استبد برأيه هلك) كما قال الإمام علي (ع).
8. أن نعمل من أجل صياغة دستور تقوم به لجنة من
الأخصائيين الدينيين والأكاديميين من ذوي الاختصاص، يراعي حقوق
الأكثرية والدين الإسلامي والعرف الاجتماعي والخصوصية العراقية، وعرض
هذا الدستور على الاستفتاء العام على أن يكون بين فترة تحضيره
والاستفتاء عليه فترة زمنية يتخللها إقراره من المراجع العظام وعقد
مؤتمرات تقييمية من قبل النخبة العراقية.
9. أن نفهم البعد الديمقراطي وحقوق الأكثرية،
وأن نطالب بتلك الحقوق ، ويتجسد ذلك بأن يكون الرئيس مسلماً ومن
الأكثرية، وكذا الوزارات والوظائف الحكومية والجيش ومجالس البلدية
والمناهج التعليمية والتربية الدينية والأوقاف وألف شيء وشيء . وبغير
ذلك نكون قد كررنا التجربة المأساوية للماضي من بعد ثورة العشرين من
تسلط المتعصبين من الأقلية على البلاد والتحكّم بمصير غيرها، ويكون
مصيرنا كما قال الشاعر أحمد شوقي :
قد أردنا من المغانم حظاً فوردنا
الوغى فكنا الغنائما
ومن المناسب هنا أن أدون هذه الملاحظة : أن ما
يفعله البعض من تقسيم السلطة على أساس نسبة الطوائف وبعض القوميات في
آن واحد فيه التفاف لهضم حقوق الأكثرية؛ لأن المسلمين في العراق إما
شيعة أو سنة، وتقسيمهم كذلك إلى أكراد وتركمان، وتَرْكُ العرب من
التقسيم القومي، فإن الأولين ـ الأكراد والتركمان ـ يدخلون في التقسيم
الأول، فالمفترض هو إعطاء الشيعة حسب نسبهم 80% سواء كانوا عرباً أو
أكراداً أو تركماناً ، وإعطاء السنة نسبة 15% سواء كانوا عرباً أو
أكراداً أو تركماناً .
10. أن يتقيد الرئيس المنتخب عبر استفتاء عام
لكل عراقي صوت واحد ببرلمان حر منتخب، وأن تكون السلطة بالتداول عبر
المنهج السلمي بعيداً عن الانقلابات العسكرية على أن يكفل الدستور ذلك
.
11. أن نعمل من أجل إيجاد قوانين تحقق الاستقلال
القضائي في كل أبعاده ومفاهيمه الإدارية والمالية والفنية كما كان في
زمن الإمام علي (ع)، وأن يكون هذا القضاء قادراً على حماية المواطن
وحرياته وحقوقه المدنية والسياسية.
12. أن نعمل من أجل خلق رأي عام عبر حرية
الصحافة ـ السلطة الرابعة ـ وحرية تشكيل التنظيمات والأحزاب، وحرية
التظاهر والاحتجاج، وحرية عقد المؤتمرات والندوات لأجل إخراج العراق من
واقعه المأساوي ونشر الوعي والتثقيف الديني وتحديد مصير الشعوب بنفسها
دون تدخل القوى الأخرى .
وفي الختام أقول كما قال الشيخ محمد رضا نجل
قائد ثورة العشرين التحررية : )الله الله في العراق وانتشاله من مهاوي
الجور) .
* باحث وأستاذ في الحوزة العلمية يعيش في
المهجر
جمادى الآخرة 1424هـ |