مثل مشهد من فيلم عن الغرب الامريكي المتوحش..
قافلة مركبات يحرسها مسلحون بالبنادق يجلسون بالقرب من السائقين تسرع
في ارض محفوفة بالاخطار حيث العدو خلف كل شجرة.
هكذا اصبح حال الجنود الامريكيين المسلحين
ببنادق رشاشة في العراق حيث يراقبون بتوتر السيارات التي تمر على
الطريق السريع رقم واحد عبر مناطق سنية موالية لصدام حسين شمال بغداد.
خلال ثلاثة أشهر من اعلان رئيسهم نهاية الحرب في
أول مايو أيار قتل 52 جنديا امريكيا حيث كانت قوافلهم البطيئة ونقاط
حراستهم النائية أهدافا سهلة لاعداء غير ظاهرين يستطيعون الهجوم متى
شاؤوا ولديهم مخزون من الاسلحة والمعدات الحربية الخاصة وتلك التي كان
يمتلكها الجيش العراقي.
ويقول محللون عسكريون انه يبدو ان هناك اعادة
نظر استراتيجية امريكية في الموقف حيث الوضع أصبح أكثر صعوبة بالنسبة
للجنود الامريكيين وان ثلث الوفيات حدث في الاسبوعين الاخيرين.
قال خبير عسكري في بغداد اكتسب خبرة بالعمل في
ايرلندا الشمالية "ما تراه مجرد النذر اليسير. تنظر الى الامريكيين
وتجد انه ليست لديهم فكرة عما يبحثون عنه. في مثل هذه الفترة كان يمكن
ان يقتل الجيش الجمهوري الايرلندي المئات." ويقول قادة امريكيون ان
الهجمات اصبحت أكثر تطورا الان.
قال ضابط بالفرقة الرابعة مشاة بتكريت موطن صدام
حسين "انهم اكثر ذكاء الان ويستخدمون الات واسلحة اكثر تقدما."
وقال انهم اكتشفوا مخبأ به 900 كيلوجرام من
مفرقعات شديدة الانفجار "وهذا امر مقلق عندما تعرف ان كيلوجرامين منها
نسفا تمثالا ضخما لصدام في تكريت."
ويوم الاربعاء تحدث الرئيس جورج بوش عن التحول
الى قوات مشاة بدلا من تلك التي استخدمت في غزو العراق. وبالفعل سحبت
واشنطن جنود مشاة البحرية (المارينز) وقوات الصاعقة التي ثبت انها
تبالغ في اطلاق النار في اعمال الحراسة بعد الحرب. كما انخفض دور
الدبابات في مقاومة حرب العصابات في الشوارع.
وهناك ثلاث استراتيجيات عريضة قد تساعد الولايات
المتحدة في تجنب تكرار ما حدث في فيتنام حيث أجج سفك الدماء يوميا
المطالبة بعودة القوات من هناك.
الاستراتيجية الاولي ضرورة كسب ود العراقيين
لانه مهما كان الترحيب بالاطاحة بصدام فان الخوف والغضب من الجنود
الامريكيين بمدافعهم الرشاشة في الشوارع حيث اصابوا مارة ابرياء له اثر
عكسي.
والاستراتيجية الثانية كما يقول خبراء هي
الانسحاب من الشوارع. واشار الخبراء الى ان الجنود البريطانيين الذين
لهم خبرة بوليسية طويلة في ايرلندا الشمالية سارعوا بخلع خوذاتهم
ونظاراتهم عند القيام بدوريات في شوارع البصرة.
قال أندرو دينيسون خبير الشوون الامنية "من
الدروس المستفادة من حرب فيتنام انه لا يمكن الفوز في حرب عصابات
بأساليب عسكرية فقط.. انك في حاجة الى قدر كبير من المرونة لتعمل مع
القوى المختصة وهذا يعني احيانا التراجع الى الوراء قليلا."
وتحاول واشنطن التخفيف من حملها بمحاولة استدعاء
قوات من دول اخرى لتعمل في العراق. وبالفعل وصلت قوات بولندية.
واخيرا تنقل القوات الامريكية الحرب الى العدو.
تشن غارات في مختلف أرجاء العراق ليس فقط بهدف القبض على صدام ولكن
أيضا لاضعاف قدرات الجماعات المسلحة المناهضة للامريكيين. ولكن مثل هذه
الغارات محفوفة بالمحاذير اذ تثير غضب العراقيين.
قال دينيسون "انها مسالة الثمن الذي تستعد لدفعه."
واضاف انه "اما ان تزيد عدد القوات وهذا يثير غضبا عارما او تعود الى
القواعد الاساسية لتوفير الحماية للقوات كما حدث في البوسنة أو تقول
انه من الافضل التسامح أمام تزايد المخاطرة بتكبد خسائر في الارواح
لعدد قليل من الناس في فترة محددة.."
وفي مورد آخر لخطر متزايد تتعرض له الولايات
المتحدة قال اللفتنانت جنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الامريكية في
العراق يوم الخميس ان شبكة القاعدة هي على الارجح من بين التنظيمات "الإرهابية"
العاملة ضد قواته.
وقال في مؤتمر صحفي في بغداد ان الهجمات على
قواته تصبح أكثر تعقيدا وأشد فتكا مع مشاركة واضحة "لمحترفين" في تلك
الهجمات.
وكان سانشيز قال هذا الاسبوع إن العراق يتحول
الى "مركز جذب" لجماعات معادية للولايات المتحدة. وعندما سئل عما اذا
كانت شبكة القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن موجودة رد قائلا "من
المرجح انهم يعملون في العراق."
كما ذكر جماعة انصار الاسلام التي كان لها قاعدة
من قبل في المنطقة الجبلية الخاضعة لسيطرة الاكراد في شمال العراق وقال
انه يعتقد ان هناك "جماعات متطرفة اخرى" ناشطة في العراق.
وأضاف قائلا "هناك مقاتلون اجانب جاءوا الى هذه
البلاد... وهناك بعض الاسلاميين المتشددين كذلك."
وقال سانشيز ان تزايد تطور الهجمات على قواته
ساهم في ان تصبح الهجمات الاخيرة أشد فتكا حيث قتل 19 جنديا امريكيا في
الاسبوعين الاخيرين وحدهما من بين 52 جنديا قتلوا في الاشهر الثلاثة
منذ ان أعلنت واشنطن انتهاء عمليات القتال الرئيسية في العراق.
وقال سانشيز عن الاشهر الثلاثة التي مرت منذ اول
مايو ايار عندما أعلن الرئيس الامريكي جورج بوش انتهاء عمليات القتال
الرئيسية "القتال مستمر."
واضاف قائلا "نخوض صراعا منخفض الشدة متعدد
الوجوه" مشيرا الى ان قائمة أعداء الولايات المتحدة تضم جماعات يائسة
من بينها "مجرمون" ومؤيدون لصدام حسين و"متشددون".
وتابع قائلا "العدو يطور من عملياته" مشيرا الى
قائمة تشمل قذائف صاروخية ومتفجرات بلاستيكية وقذائف مورتر تستخدم مع
اجهزة توقيت واسلاك للشراك الخداعية ضد دوريات القوات الامريكية.
وقال سانشيز عن التفجيرات التي تشنها جماعات
مقاتلين غير معروفة "انهم يتعلمون. لديهم بعض المحترفين."
وقتل جندي امريكي وجرح ثلاثة اخرون في وضح
النهار يوم الخميس قرب قاعدة عسكرية امريكية كبيرة في مطار بغداد عندما
داست حاملة الجنود المدرعة التي كانوا يستقلونها على لغم.
واضاف سانشيز "نتعلم مما يفعله العدو معنا."
فالقوات الامريكية الان افضل في تحديد موقع الشراك وفي تفكيكها. وقال "نتعلم
من كل حادث نتعرض له."
عندما سئل عن تقدير بان ما بين اربعة الاف وخمسة
الاف مقاتل ربما يعملون ضد ما يقرب من 150 الف جندي امريكي شدد سانشيز
على ان هذا الرقم مجرد تكهن يستند الى اعداد الموالين المخلصين لصدام.
هذا وافادت اذاعة قوات التحالف الاميركي ـ
البريطاني في العراق امس ان مكافأة قدرها عشرة آلاف دولار خصصت لمن
يدلي بمعلومات تؤدي الى القاء القبض على الاشخاص الذين يقومون بعمليات
تخريبية ضد المنشآت النفطية والكهربائية وبقتل الاشخاص في العراق.
واعلنت الاذاعة في نداء وجهته الى العراقيين عن
«مكافأة مالية قدرها عشرة آلاف دولار لمن يدلي بأي معلومات عن الهجمات
المنفذة او المتوقعة تساعد في تطبيق العدالة على المجرمين». واضافت ان
«الهجمات التي تشن على محطات الطاقة الكهربائية وانابيب النفط اضافة
الى بعض الشخصيات السياسية تؤدي الى ازهاق ارواح الابرياء والحاق اضرار
بالممتلكات والهدف من ذلك هو جعل الشعب العراقي يعيش في حالة من الفقر».
ورأت الاذاعة ان «جماعات صغيرة موالية للنظام
السابق تحاول من خلال الاعمال التخريبية اطلاق تصريحات غير ملائمة
للوضع الحالي»، معتبرة انها «الجماعات ذاتها التي كانت تؤيد الاعمال
الاجرامية التي كان يمارسها نظام صدام». وذكرت ان «القيام بهجمات مثل
رمي قنابل يدوية من سيارة مسرعة او وضع قنابل على انابيب تجهيز النفط
لا يخدم غرض المهاجمين بل يدمر حياة الابرياء.
كما أبلغت القوات الامريكية المسؤولة عن واحدة
من أكثر المناطق اضطرابا في العراق شيوخ القبائل يوم الخميس انها ستقدم
مكافأة قدرها 500 دولار لاي عراقي يسلم صواريخ مضادة للطائرات من التي
تطلق على الكتف.
وفي اول اجتماع لمجلس الحكم في محافظة الانبار
التي تقع في غرب العراق وتضم بلدات الرمادي والفلوجة التي تسودها
اضطرابات طلب الكولونيل ديفيد تيبليس من فوج الفرسان المدرع الثالث
التعاون لانهاء حرب العصابات ضد القوات الامريكية في المنطقة.
ويشرف الفوج على انشاء المجلس الاقليمي ويحتفظ
بالرأي النهائي في كيفية ادارة المحافظة. لكنه عين المجلس من شيوخ
القبائل ورجال الدين والاعيان في محاولة لاشراك السكان المحليين في
اتخاذ القرار.
والرمادي والفلوجة من المناطق الساخنة في "المثلث
السني" في شمال وغرب بغداد حيث يؤيد كثير من السكان المحليين علانية
الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكثيرا ما تتعرض القوات الامريكية
هناك للهجوم.
ووفقا لسياسة الحد من الاسلحة التي طبقت منذ
شهرين يحظر على العراقيين حيازة اسلحة اكبر من بندقية من طراز
كلاشنيكوف بدون ترخيص وعليهم التزام بتسليم الاسلحة الثقيلة الى الشرطة
بدون الحصول على تعويض.
لكن القوات الامريكية قالت انها ستدفع 500 دولار
مكافأة لمن يسلم صواريخ ارض جو تطلق من الكتف في محافظة الانبار بسبب
المخاطر التي تفرضها هذه الاسلحة.
وليس لمجلس الانبار ممثل في المجلس الحاكم
المؤلف من 25 عضوا تم تعيينهم في وقت سابق من الشهر الحالي بواسطة
الادارة المدنية الامريكية في بغداد للمساعدة في حكم العراق والاشراف
على الانتقال الموعود الى الديمقراطية والحكم الذاتي.
وقال اعضاء المجلس الاقليمي انه يتعين على
القوات الامريكية القيام بمزيد من الجهود لاستعادة الامن والخدمات
الاساسية وهو مطلب مشترك في انحاء العراق.
وقال عضو المجلس صبحي خدلان "الكهرباء والمياه
مشكلة كبيرة والطرق غير امنة."
واضاف "الناس يوقفون سيارتك في الطرق ويسرقون
حاجياتك."
المصدر: وكالات |