قال سماحة العلامة السيد طاهر الشميمي الشميمي
أن في الصدر الأول من الإسلام عمل المسلمون على تطبــــيق الآية
الكريمة (إِنَّمَا الـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وكان لتطبيقها الأثر
الأكبر في تقدّم الإسلام والإنشداد إليه والإقبال عليه، وقد جعلت هذه
الآية الكريمة جميع المسلمين بمكانة واحدة.
جاء ذلك في كلمة الجمعة التي اتت بعنوان معنى
الأخوة في الإسلام.
فقد تابع سماحة العلامة السيد طاهر الشميمي حفظه
الله حديثه حول المجتمع الإسلامي والعمل على رفعة الإسلام والمسلمين،
فبدأ كلمة الجمعة بقوله تعالى: (إِنَّمَا الـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،
وبيّن في الحديث موقف الإسلام من الطاقات المتمثلة في أبناءه أنه كان
يحذر من كبتها لخوف أو جهل أو لظروف غير ملائمة، كما كان يحذر من
تشتيتها أو الإستفادة النسبية منها، لأن ذلك يؤخر المسلمين ويضعفهم
ويحدّ من إنتشار الإسلام، لأن الإسلام ينتشر بمنجزاته وبالصور الرائعة
التي يسطرها من أحداثٍ أو آراءٍ أو شخصيات أو أفكار أو إبداع، ولا
يتقدّم الإسلام بكثرة أنفاسه، فقد يبلغ عدد المسلمين حالياً ملياري
مسلم، لكنّ طاقاتهم إما مكبوتة أو مهمّشة أو لا يُستفادُ منها إلاّ
استفادة جزئية بسيطة، وإنمّا يتقدّم الإسلام إذا استفاد بكامل طاقات
المسلمين، واحترم جميع الكفاءات المعنوية والمادية، ومن جميع لغاته
وقومياته .
ثم وضّح العلامة الشميمي أن في الصدر الأول من
الإسلام عمل المسلمون على تطبــــيق الآية الكريمة (إِنَّمَا
الـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وكان لتطبيقها الأثر الأكبر في تقدّم
الإسلام والإنشداد إليه والإقبال عليه، وقد جعلت هذه الآية الكريمة
جميع المسلمين بمكانة واحدة، ولم تميّز بين أحدٍ في حقٍ من الحقوق أو
واجب من الواجبات، فأصبح الفارسي أو الأعجمي أو العبد أو الحبشي في
الصف الأول من المسلمين، ومهما حاول الغرب الإقتداء بالمسلمين فإنهم لم
يصلوا إلى هذه المرحلة، فلم يحدّثنا التاريخ الأمريكي عن حاكم أمريكي
زنجي .
بينما في العهد الأول للإسلام لم يُرفع الضيم عن
المستضعفين والأذلين فقط، وإنما أعطاهم مواقع رئيسية ومهمة بحسب
كفاءاتهم وطاقاتهم، ولقد أوجد الرسول الأعظم (ص) مثالاً رائعاً تجسّد
فيه إحترام الطاقات بغضّ النظر عن ما سواها، فقد كان ( زيد بن حارثة )
عبداً، شديد السمرة، أفطس الأنف، قصير القامة، اشتراه حكيم بن خزام
وأهداه لعمّته خديجة بنت خويلد، وقد أهدته خديجة للنبي (ص)، فقرّبه
رسول الله له، وأكرمه وأعزّه، حتى سُمّي فيما بعد ( الحبيب بن الحبيب
)، وقد ذاق زيد من تعامل النبي (ص) معه حلاوة الإيمان، وعندما تعرّف
أبوه على مكانه، جاء وطلبه من النبي (ص) فخيّره النبي بين البقاء عنده
أو العودة مع أبيه، اختار زيد البقاء مع النبي (ص)، لما رآه من إكرام
ومكانة.
و قد أنجب زيد وزوجتـــه أم أيمن ولداً وهو (أسامة)،
وأعطاه النبي (ص) مكانة كبيرة لما يحمل من مؤهلات عالية وشجاعة وذكاء
خارق واندفاع، فقد شارك في غزوة أحد وعمره إثنا عشر عاماً، وفي تلك
الفترة كان الصبية يتزاحمون على التطوع في الجيش لما يعلمون من قيادة
رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حتى أن بعضهم كان يحتال بأن يلبس
حذاء عالي الكعب لكي يطيل قامته ويخدع المسؤول عن الفحص، وعندما نجحت
حيلة أحدهم جاء أهل صبي آخر يحتجون عند النبي (صلّى الله عليه وآله)
لأن تطوع ابنهم رفض بينما قبل تطوع من هو في سنّهِ!، وقد رُفض تطوع
أسامة في غزوة أحد ولكنه عاد في العام التالي وقبل طلبه في غزوة الخندق.
ثمّ أصبح أسامة قائداً لجيش إسلامي سُمي بإسمه (جيش
أسامة) وعمره ثمانية عشر عاماً ومعه كبار الصحابة والمهاجرين
والأنصار،و مرة أخرى وبينما النبي (ص) على رأس موكب الحجاج وقيل أن
عددهم مائة وثمانين ألفاً، توقف لينتظر واحداً من الحجاج، فتطلّع الناس
لمن ينتظره الرسول، وإذا به ( زيد بن حارثة ) غلام أسود أفطس فيه آثار
جدري، فتحرّكت العصبية القبلية في بعض الحجاج وقالوا : إمن أجل هذا
أوقفنا رسول الله ؟!! و لكن النبي (ص) أراد أن يبيّن مكانة زيد، ويربط
المسلمين به.
و هذا درس منه (ص) للإهتمام بالطاقات والكفاءات
وتنمية القدرات، ونبذ التعصب القبلي.
و قد سار عليّ (ع) في مسار الرسول الأعظم (ص)،
وبيّن سياسته في الحكم بأنه سيحكم بكتاب الله وسيرة الرسول (ص)
وبإجتهاده وبرأيه (ع)، وليس بسيرة غيره ؛ لأن في ( سيرة غيره ) خلل في
جانب المعاملات، بأن تدخل فيها المحسوبيات، وتعطّل فيها الطاقات
والكفاءات، وهذا ما أخّر الإسلام والمسلمين، فأصبحت كفاءة أمير
المؤمنين (ع) الكفاءة الأولى المحاربة، وصار عليٌ مشتوماً على
المنابر،حتى جاء عمر بن عبد العزيز ومنع سبّه (ع)، مع أنه كان يُشهد
بكفائته حتى في العهود الأخرى.
فقد روي أن عمر بن عبد العزيز حينما منع سبّ علي
بن أبي طالب (ع) سُئِل عن السبب فقال أنه كان تلميذاً عند أحد المعلمين،
وكان عمر وبقية التلاميذ يسبون علياً (ع)، فسأله المعلم ذات يوم : أما
علمت أن الله رضي عن أهل بدر ؟
فقال عمر : نعم، فسأله مرة أخرى : فهل علمت أن
الله غضبت عليهم ؟ فقال عمر: لا، فقال المعلم : فكيف تسبّ علياً وهو في
بدر ؟!
و مرة أخرى يقول عمر أن والده كان خطيباً مفوهاً
وشديد الفصاحة، ولكن في نهاية خطبته يتتعتع عندما يسبّ علي بن أبي طالب،
فسأله عن سبب تلعثمه ؟ فأوضح أبوه أنه يسب علياً لمحافظته على منصبه،
وأن علياً أهل للثناء والمدح والإعجاب .
إذاً ينبغي علينا أن لا نميّز أحداً من المسلمين
على أساس القبلية أو المناطق أو اللون أو غيره، فالمسلمون كلهم إخوة (إنما
المؤمنون إخوة).
و للأسف نرى في الوقت الراهن أنّ الوضع ازداد
سوءاً فأصبحت التقسيمات تنال أبسط الأمور في المجتمع الواحد، وقُسِّم
أفراده على أساس إنتماءاتهم إلى مدينة أو قرية، أو من عائلة كبيرة أو
صغيرة، وغيرها.
في أمريكا نجد أن من يتزوج بأمريكية يُعطى إقامة
دائمة، وتُسهّل أموره، بينما في الدول الإسلامية يجد الراغب في الزواج
من امرأة من غير دولته مصاعب وعقبات، كما إذا كانت خليجية وهو غير
خليجي، وهذا مما حذّر منه الرسول (ص) حيث قال : (إذا جاءكم من ترضون
دينه وخلقه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
فلا يجوز التمييز بين أفراد الأمة الإسلامية،
حتى مع المنافق، فقد أحقن رسول الله دم المنافق عبد الله بن أبي، وقد
أحقن علي بن أبي طالب دم المنافق ابن كوا وابن الأشعث علماً بزعامتهم
للمنافقين، ولكن بشهادتهم أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله
فإن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن
يجمع كلمة المسلمين على التقوى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا
محمد وآله الطاهرين |