القى العلامة السيد طاهر الشميمي محاضرة أخلاقية
يوم الاربعاء بعنوان الخوف من الله تعالى، وجاء في المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إن الذين قالوا ربنا الله ثمّ استقاموا فلا خوف
عليهم ولا هم يحزنون)
ينبغي للمؤمن أن يزرع في نفسه الخوف المحمود،
وهو الذي يتوجّه لحمايته في الدنيا والآخرة، أمّا الخوف المذموم الذي
يعيق انطلاق الإنسان يسمى جُبن، وهذه صفة مذمومة في الإنسان.
روى الحسين (ع) عن جده المصطفى (ص) الحديث
القدسي : وعزّتي وجلالي، لا أجمع لمؤمن خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا
خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في
الآخرة.
وهذا يعني أن من أخلاق الله تعالى أن يؤمن من
خافه في الدنيا، ومخافة الله تتمثل في اتباع أوامره وترك نواهيه،
ومراقبته في كافة الأحوال، والخوف منه فيما نهى عنه كالسرقة، وعقوق
الوالدين، النظر الحرام، وغيرها من الرذائل، كما الخوف من وحشة القبر
وضيقه، ومن عذاب الله يوم القيامة.
فإذا خاف الإنسان من الله تعالى في الدنيا،
وأحكم تصرفاته طبقاً لأوامره ونواهيه سبحانه، فليأمن على نفسه في
الآخرة، ولعلّ الأمن يكون من ساعات الآخرة الأولى ( أي بعد الموت ).
وهذا عكس الأمن في الدنيا، وعدم الإكتراث بأحكام
الله، واللا مبالاة بالعقاب الأخروي، فمن أمن العذاب في الآخرة، ولم
يكترث بالناس في الدنيا، لعدم سلطتهم عليه، وعدم تواصلهم فيما بينهم
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون أكثر الناس خوفاً في العالم
الأخروي، لأنه أمن الله في الدنيا فلا يأمنه في الآخرة.
بالنسبة للرجال فإنهم أكثر جرأة من النساء،
وأكثر إقداماً، وأقلّ حياءً، وأرقّ أفئدة.
قال رسول الله (ص) : من عرضت له فاحشة أو شهوة،
فاجتنبها من مخافة الله، حرم الله عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر،
وأنجز له ما وعده في كتاب الله (ولمن خاف مقام ربه جنتان).
عن الإمام الحسين (ع) : لا يأمن يوم القيامة إلاّ
من خاف الله في الدنيا.
وتارة يغفل الإنسان عن نفسه فيترك الخوف من الله
سبحانه، ولكن إذا أراد له الهداية، جعل خاتمة أمره خيراً، وأرجعه إلى
صوابه.
يُحكى أن في عهد الإمام الصادق (ع) كان رجلاً
أوغل في جريمة سرقة الأكفان، فبمجرّد علمه بوفاة أي شخص يبادر عاجلاً
بعد مغادرة المشيعين، فينبش قبر الميت، وينزع كفنه ويبيعه في السوق،
حتى أصبح خبره مشهوراً بين الناس، فسمّي بنبّاش القبور.
وكانت امرأة في بلدته، ذات مال وجمال وايمان،
استدعته وطلبت منه أن لا ينبش قبرها ولا يسرق كفنها ولا يهتك سترها إذا
توفيت – قبله طبعاً – مقابل أن تعطيه مالاً، وقد أجزلت له العطاء أيضاً،
وبالفعل توفيت المرأة قبله، فصار يقلب أفكاره، فتارة يتذكر الوعد
والعطاء، وتارة يرغب في زيادة المال، وبالفعل ذهب إلى المقبرة، وانتظر
ذهاب المشيعين ومغادرتهم، وحفر القبر واخرجها ووجدها جميلة جداً، فنزع
كفنها وتركها، فعاوده الشيطان ووسوس له بارتكاب الفاحشة فيها، وبالفعل
استجاب لنداء الشيطان، فاغتصبها وتركها عارية خارج القبر، فأنطقها الله
تعالى وقالت : يا هذا هتك الله سترك، هتكت ستري في الدنيا وهتكت ستري
في الآخرة، أقف بين يدي الله وأنا جُنُب ؟؟
فهزّته هذه الكلمات، وأحيت ضميره، فخرج تائهاً،
يحاول إصلاح ما أفسده، يريد تغسيل المرأة وإعادة تكفينها ودفنها، فجاء
للإمام الصادق (ع)، وسأله: يا أبا عبد الله، هل لي من توبة ؟ قال : نعم،
ومن دون أن يسأله عن ذنبه، فأصرّ الرجل على أن يخبر الإمام بذنبه،
فعندما قبل الإمام بذلك قال الرجل : كنت أسرق الأكفان، فقال الإمام :
يغفر الله لك، فقال الرجل : سرقت كفن امرأة، فقال الإمام : يغفر الله
لك، فقال الرجل : ارتكبت فيها الفاحشة وهي ميتة في قبرها، عندها قال له
الإمام (ع) : أغرب عن وجهي كي لا تحرقني بنارك، وأخبره بأن توبته
موقوفة بإذابة لحم جسمه الذي نبت من الحرام، فأخذ الرجل خبزاً يابساً
وتوجّه إلى سفح جبل، فظلّ يصوم ولا يفطر إلاّ بخبزٍ يابس، وظلّ على هذا
الحال أياماً، وعندما لصق جلده بعظمه رجع للإمام (ع)، فترضى عنه الإمام،
وهذا دليل على قبول الله سبحانه وتعالى لتوبته.
كما ينقل أن ملكاً جباراً شقياً، مرض مرضاً
عضالاً، تكرر عليه الأطباء فوصفوا له الدواء بأن يأكل قلب شاباٍ صغير،
فأمر جلاوزته فجاءوا بيت أسرة فقيرة، واشتروا ولدهم، وأحضروا الطبيب
حتى يبقر بطنه، فعندما جاء الطبيب وعزم على ذبح الطفل، ضحك الطفل بشدة،
فسأله الملك عن السبب، فقال : كنت عندما أخاف من شي أذهب إلى أمي حتى
تحميني، وعندما أخاف من أمي أذهب إلى أبي، وعندما يجتمع أبي مع أمي على
تأدينبي وضربي كنت أفكّر في اللجوء للملك حتى يدافع عني وينصفني، أما
الآن وقد باعني أبي وأمي، وعزم الملك على قتلي، فإلى من ألتجأ ؟؟
عندها فكّر الملك في أمر الطفل، ورأى أنه قسى
على الطفل ولم تأخذه الرحمة والشفقة عليه، فأطلقه وأعطاه هدية، وبعد
اسبوع واحد شافاه الله من مرضه العضال، نتيجة عطفه للحظات على طفلٍ
صغير وخوفه من الله سبحانه.
فلو خاف أحد من الله سبحانه وتعالى ولو للحظة،
تنفعه وتشفع له يوم القيامة.
إذاً فإن الخوف من الله في الدنيا أمان منه يوم
القيامة، كما يعود بالنفع على العبد أيضاً في الدنيا.
وبمقدار ما تخاف الله سبحانه في الدنيا، تأمن
عذابه يوم القيامة.نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الخائفين في الدنيا،
الآمنين يوم القيامة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد
وآله الطاهرين. |