في كلمته الأسبوعية تحدّث سماحة آية الله السيد
رضا الشيرازي عن أهمية تذكّر الآخرة ودوره في حياة الإنسان وبنائه،
والفوارق الموجودة بين الدنيا والآخرة، بالاستلهام من الآية الكريمة (والآخرة
خير وأبقى) (سورة الأعلى المباركة،: 17)، وقال:
إن الحقائق على ثلاثة أقسام: الحقائق المحدودة
كالماديات، والحقائق اللامتناهية بقول مطلق، كمعلومات الله تعالى،
والحقائق اللامتناهية على نحو اللاتناهي اللايقفي، كالآخرة.
ثم بيّن سماحته الفرق بين النوعين الأخيرين فقال:
إن النوع الثاني محدود بالفعل ولكنه لامتناه وغير محدود بالقوة،
ومثالها الأعداد، فإنها وإن كانت محدودة فعلاً ولكنها لا تقف عند حدّ،
فهي غير محدودة بالقوة. أما النوع الثالث فهي لامتناهية بالفعل أيضاً.
وأضاف سماحته: لقد روي عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: «وإنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء» (بحار الأنوار: 18
/ 214).
وأوضح سماحته: إن عدد السنين والأعوام التي
سنبقى فيها في الآخرة غير متناه كالأعداد، فنحن باقون أبداً والله باق،
ولكن الله تعالى باق بذاته ونحن باقون بإبقائه سبحانه لنا.
وقال سماحته: صدق الله حيث يقول: «قُلْ إِنَّ
الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ» (الزمر: 15).
وأردف موضحاً: أرأيتم ما فعل صدام من أجل أقل من
ثلاثة عقود من الحكم؟! وكم سيأخذ معه من أهله ومن تبعه إلى جهنم؟!
والله سبحانه وتعالى يقول عن الدنيا وما فيها «قل متاع الدنيا قليل» (النساء:
77)، في حين يقول عن الآخرة ونعيمها: «وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ
نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً» (الإنسان: 20). هذا ونعم الدنيا محدودة
تحفها المنغصات والكدورات والأحزان والزوال، أما نعيم الآخرة فبالإضافة
إلى خلودها وكونها غير محدودة ولا متناهية، تمتاز بخلوّها من كل تنغيص.
حقاً! أليس الخاسر من خسر الآخرة؟!
أشار العلامة الشيرازي بعد ذلك إلى ما هو أعظم
من كل لذات الآخرة ونعيمها وهو رضا الله سبحانه وتعالى عن عباده
المؤمنين، حيث يقول عز من قائل: «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 72). وقال: كم سيسر أحدنا لو علم
أن أباه راض عنه، فكيف إذا علم المؤمن برضا الإمام الحجة وسيدة نساء
العالمين، ورسول الله، والله تعالى؟!
كما أشار سماحته إلى نكتة مهمة وهي أنه ورد
التذكير بالآخرة في القرآن كثيراً حتى نقل عن بعض العلماء أنه بلغ ثلث
القرآن، في حين لا نلحظ ذلك في التوراة والإنجيل المتداولَين.
هذا وأوصى سماحته المؤمنين بقراءة القرآن الكريم
ونهج البلاغة وأحاديث الأئمة المعصومين لأنها تنقل الفرد إلى عالم
الآخرة، كما أوصاهم بزيارة القبور فإنها ترقق القلب، وتترك تأثيراً
حسناً على روحية الإنسان وسلوكه، وتجعله يعيش أجواء الآخرة، وتخلق فيه
طاقة هائلة بحيث ينظر بعد ذلك إلى الدنيا نظرة العابر من قنطرة إلى
هدفه وغايته كيف لا يكترث بلون القنطرة مثلاً، بل يغذّ السير وصولاً
لما يصبو إليه، وهو أبعد هدفاً من القنطرة نفسها لاشك.
وفي الختام دعا سماحته الخطباء إلى تذكير الشباب
بالآخرة دوماً وأن لا يدعوا هذا الموضوع لقترة طويلة بل يعودون إليه
بين الحين والآخر، لأنه السبيل الوحيد للرقي بالإنسان. |