توصل باحثون عرب الى انه لا مهرب من العولمة وان
كانت تحتاج الى ضوابط ورأوا أن من الممكن مواجهة تحدياتها والافادة من
تيارها وتحدث احدهم عن ضرورة قيام عولمة جديدة لا تحمل سيئات تلك
المخيمة على العالم الان.
ورأى بعضهم ان الامر ليس مجرد صدام ساحق بين
النظام الجديد المسيطر باطراد وبين تراث الشعوب الاقل قوة اذ أن في
العولمة ذاتها ما يفسح في المجال للدول والشعوب لان تحافظ على تراثها
وثقافاتها .
ورد ذلك في أربع دراسات لأربعة باحثين عرب نشرت
في عدد يوليو تموز الحالي من مجلة المستقبل العربي الشهرية التي تصدر
في بيروت عن مركز دراسات الوحدة العربية. وجاءت ثلاثة من هذه الابحاث
ضمن ملف حمل عنوان (العولمة وافاق المستقبل في الوطن العربي).
البحث الاول الذي لم يرد ضمن ملف العولمة أعده
المنجي الزبيدي وهو استاذ جامعي ومستشار لوزير الثقافة في تونس وحمل
عنوان (الثقافة والمال.. دراسة في مستقبل التنمية الثقافية في الوطن
العربي).
وقال الزبيدي في قسم من دراسته ان طبيعة العولمة
الاقتصادية "وسعيها الى تسليع كل المواد والمجالات واخضاعها لقواعد
التجارة العالمية أصبحت تطرح اسئلة كثيرة حول العولمة والثقافة...وهي
باسقاطها الدائم لحدود المكان والزمان تعني مزيدا من تحرير حركة المواد
الثقافية التي وان كانت هدفا أمميا ساميا في السابق فانها اليوم تخضع
للمنطق التجاري الصرف."
وتحدث عن الاتفاقات العديدة في هذا المجال فقال"
وعلى الرغم من ان هذه الاتفاقات الاممية تمثل نمطا من أنماط التحررية
فقد تضمنت ضوابط تحمي الانتاج الوطني ويمكن اعتبارها مبدأ من مبادىء ما
يسمى اليوم الاستثناء الثقافي. والطريف ان اول من طالب بذلك هو
الولايات المتحدة الامريكية."
اضاف انه وان كان الهدف وراء مطالبة امريكا
بضوابط على حرية تنقل الانتاج الثقافي هدفا "تجاريا بالاساس فانه مسالة
حيوية متصلة بالذات والكيان الوطني بالنسبة الى عدد كبير من بلدان
العالم. ففكرة الاستثناء الثقافي تعتبر انه لا يمكن حصر الانتاج
والخدمة الثقافية في البعد الاقتصادي والتجاري الصرف وذلك لانها تحمل
قيما ومضامين وانماط عيش تمثل اسس الذاتية الثقافية لبلد ما وتعكس
التنوع الخلاق لمواطنيه."
ونقل عن ريناتو روجييرو مدير منظمة التجارة
العالمية قوله عام 1997 ان "تصريف شؤون عالم من الاقتصادات والشعوب
والحضارات المختلفة في اطار من الاحترام لكل هوية ولكل ثقافة هو بحق
التحدي الكبير والامل العظيم لفترتنا."
ورأى الباحث أن البلدان العربية "في حاجة الى
قراءة جديد للواقع العالمي و المحلي الذي هو بصدد التشكل " ودعا الى "تكثيف
الجهد البحثي وتنمية الرصيد العربي من الدراسات والاعمال المشتركة
وتوسيع دائرة الاطلاع على ما ينجز في مجال السياسات الثقافية." وقال ان
الفكر العربي وعى منذ نهاية القرن التاسع عشر اهمية علاقتنا بالاخر وان
تراوحت المواقف في هذا المجال.
واستشهد بقول لمصلح شهير في ذلك الزمن هو خير
الدين التونسي بدا كأنه سبق فكرة "القرية العالمية" اذ قال "اذا
اعتبرنا ماحدث في هذه الازمان من الوسائط التي قربت تواصل الاذهان لم
نتوقف عن تصور الدنيا بصورة بلد متحد تسكنها أمم متعددة حاجة بعضهم
للبعض متأكدة."
وشدد الزبيدي على اهمية دور افراد النخب
الثقافية العربية في التغيير وقال مستشهدا بالدكتور هشام شرابي انهم "يمثلون
القوة الذاتية الوحيدة في المجتمع العربي المعاصر التي تملك الوعي
والقدرة على تحقيق هذه المهمة التاريخية." أما سعيد الصديقي الباحث في
العلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة محمد الاول في وجدة بالمغرب
فحمل موضوعه عنوان "هل تستطيع الدول الوطنية ان تقاوم تحديات العولمة.."
وشدد الباحث على اهمية الدولة الوطنية وضرورة "مقاومة
تيارات العولمة الجارفة والعمل لانقاذ الدولة ومؤسساتها وتأهيلها
للقيام بوظائفها الاساسية." وتحدث عن ضرورة عدم تقليص سيادة الدولة
امام القطاعات الخاصة وقال ان "أهمية السلطات العمومية في تنمية
البلدان الفقيرة هو امر غير قابل للمساومة اوالنقاش" خاصة في وظائفها
الاساسية ومنها اقامة "اطار مؤسساتي ملائم وسليم للرفاه الاقتصادي
والاجتماعي."
واستشهد باقوال لباحثين اجانب منها أن "التحدي
المركزي لعصرنا ليس هو الوصول الى نهاية الدول الوطنية بل هو اعادة
الاعتبار لغايات وأهداف الدولة الوطنية...فالدولة وحكومتها تظلان
المؤسسة الوحيدة التي يستطيع المواطنون والناخبون مطالبتها بالسهر على
العدالة والنهوض بالمسؤولية وتحقيق التحولات المطلوبة."
وحث غازي الصوراني وهو باحث فلسطيني من غزة على
مواجهة هيمنة البعد الاقتصادي في العولمة دون اغفال الترابط بينه وبين
الابعاد السياسية والثقافية والاجتماعية للعولمة."
ودعا الى "عولمة نقيضة من نوع اخر عبر اممية
جديدة ثورية وعصرية وانسانية تشكل التحالفات القومية المعبرة عن مصالح
الجماهير الكادحة في البلدان المهمشة و الفقيرة محورا وعنصرا أساسيا
فيها."
أما جيهان سليم الاستاذة في جامعة الامارات
العربية المتحدة فقد كان عنوان دراستها "عولمة الثقافة واستراتيجيات
التعامل معها في ظل العولمة." ورأت ان الاستراتيجيات المطروحة للتعامل
مع العولمة الثقافية يمكن ان تحصر في ثلاث هي أولا الانعزال والاعتماد
على الذات والاعتماد الجماعي على الذات وثانيا الاندماج الكلي مع
العولمة الثقافية وثالثا التفاعل الايجابي الرشيد.
وفي رأيها أن "الخيار الاكثر و اقعية يدور حول
التعامل الايجابي مع العولمة بهدف فهم مضمونها وتحجيم الخسائر المتوقعة
والحصول على اكبر مكاسب ممكنة. فلا يوجد خيار واضح امام البلدان
العربية لرفض مفاهيم العولمة على الرغم من انتقادها لها... بالاضافة
الى ذلك يجب عدم الايمان بنظرية العزلة ورفض نظرية الهيمنة في الوقت
نفسه... وعلينا ان نعي ان العالم سوف يسير في خطواته سريعا واذا قررنا
مقاومة هذه التطورات فاننا لن نجني سوى التخلف والتردي الحضاري."
واقترحت فتح حوار جاد لجميع مجتمعات الوطن
العربي يمكن ان تشارك فيه لوضع أسس وضوابط ثقافية لعملية التفاعل بين
الثقافة العربية والعولمة من خلال تنظيم المشاركة الايجابية للثقافة
العربية في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تتطلب تطوير
قدراتنا للتفاعل مع هذه الوسائل الحديثة من خلال التعاون والتكامل بين
مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة فضلا عن ضرورة التفاعل مع الاجندات
العالمية التي تثري الثقافة العربية بمضامين انسانية تؤهلها للمساهمة
في رسم مصير العالم."
المصدر: رويترز |