مهما تكن أسباب العنف وانتشار الجريمة من سياسية
واجتماعية واقتصادية ودينية إلا أن العولمة الاستعمارية ساعدت كثيراً
في ازديادها فقد بدأ واضحاً أن الدول الساعية إلى ممارسة هذا التوجه
إنما تنطلق من تقدمها التكنولوجي والثقافي، وتستغل مزاياها لممارسة كل
أشكال السيطرة الأيديولوجية والثقافية، معرضة مقومات الشخصية الثقافية
للمجتمعات الأخرى إلى خطر التذويب، والنظام العالمي الحالي يحاول أن
يركز على إنتاج وتوزيع ونشر الأخبار والمعلومات والمشاهد عن حروب عالم
الفقراء، وتضخيم خلافاتهم ومعاركهم التي يخوضونها (بتكنولوجيا العالم
المتطور) ليبني قناعة عالمية بأن من واجب الدول العظمى أن تتدخل لفرض
السلام ولوقف المجازر، وأن تسعى لنشر نموذجها في العيش، ولتعميم قيمها
المقدسة لحقوق الإنسان ولخياراته الديموقراطية وحرياته.
وهكذا تتدفق المعلومات والأخبار من صنع الشمال
لتغمر الجنوب وشعوبه، وعوضاً عن توظيف عمليات الاتصال لبناء تواصل
عالمي متفاعل يؤكد على الذاتيات الثقافية ويصونها، ينقلب دورها إلى
تخريب وعي الأمم والشعوب بشخصياتها وذاتياتها وخصائصها، تصبح كأنها
المهددة للسلام والإنسانية، في الوقت الذي ينحصر أذى تلك الحروب
المحدودة وضررها ضمن صفوف الشعوب والأمم الفقيرة وحدها، فمنها الضحايا
وفيها التدمير ومنها الخسائر، وأما تقنيات النظام الإعلامي العالمي
فتأتي لتنظم حالة تعاطف هدفها الاستيعاب ووضع اليد على الشؤون الداخلية
لتلك الدول، تحت ستار مساعدتها على التخلص من عنفها الداخلي وتدميرها
الذاتي من منطلقات إنسانية ففي هذه الحالة لا غرابة من أن تصاب الدول
الإسلامية بذلك الداء وانتشاره فيها لضعفها عن مواجهة تلك التيارات
القادمة، ففي السعودية مع أنها دولة محافظة للتقاليد الدينية قد ابتليت
بالجرائم وهناك مؤشرات تدل على نمو الجريمة إلى (110) بالمئة خلال (4)
أعوام فبالإضافة إلى العوامل والاستفزازات الخارجية مع الخلل التنظيمي
والسياسي في الداخل كل ذلك مما يساعد على نمو الجرائم حيث كان المسيطر
على الحكومة هم الزمرة السلفية بأفكارهم المتخلفة وعدم كفاءتهم وقدرتهم
على مواجهة أفكار الشباب بشكل عام كما هو معلوم من مناظراتهم والتضييق
على حريات الناس واتهامهم بالكفر والشرك لأبسط الأمور ونظرتهم الطبقية
واحتكار جميع مؤسسات الدولة لطبقة معينة وتهميش بقية الشعب وعدم العدل
في توزيع الثروات حيث الفئة القليلة هي المتنعمة والبقية في حالة فقر
مأساوي في دولة نفطية ثرية والمثير للدهشة أن هذه الفئة المتنعمة متلطخ
اسمها بالجرائم أكثر من غيرهم كما يعلق عليه استشاري الأمراض النفسية
الدكتور نعمان بأنها أمر طبيعي ونتاج متوقع للحالة المعيشية التي تسجل
انحداراً في السعودية اقتصادياً واجتماعياً.
وفي مختلف القضايا نجد أن حوادث القتل بلغت
(191) حادثاً، ومحاولات القتل والتهديد به (763) حالة والخطف (121)
حالة و(8625) حادثاً أخلاقياً، و (34861) سرقة، و(8610) في شرب وصناعة
الخمور و(288) حالة نصب واحتيال، و(169) في انتحال شخصية، و(2959) في
هروب وتغيب وغالباً ما تسجل لدى الفتيات و(767) حالة في حيازة سلاح
بدون ترخيص و(850) حادثة لم تعرفه الإحصائية الصادرة عن جهاز الأمن
العام.
ونسبة البطالة (7.31) بالمئة، إلا أن بنوكاً
تجارية في السعودية تتحدث عن نسب مضاعفة بحدود (14%).
فهذه المشاكل والضغوطات القاسية التي يواجهها
الإنسان في حياته فالفرد العادي إما أن يتجاوزها ويجد لها حلولاً أو
يحاول أن يعيش بها، أما إذا كان عاجزاً عن مواجهة مشاكله فإنه يلجأ
لأساليب متنوعة هروباً من مواجهة الواقع، مثل اللجوء إلى تعاطي
المخدرات أو الجريمة وما إلى ذلك، وقد يكون الهروب نهائياً باللجوء إلى
الانتحار كما صرح به الاختصاصي الاجتماعي نعيم آل هويدي.
إذن فقد آن الأوان للحكومة أن تعيد النظر في
سياساتها وأفكارها وإتجاهاتها بتحكيم الديموقراطية وتوسيع المشاركة
الشعبية في الحكومة والعدالة والمساواة وإلغاء الطبقيات والحرية
الدينية والمذهبية والاستفادة من الطاقات الهائلة للشعب في مجال
التطوير واكتشاف أسباب الجريمة ووضع الحلول لها وإلا ستكون النتائج
وخيمة وليست لصالح الحكومة خاصة في عصر العولمة والتحريضات الأجنبية
لزرع الفتن الداخلية. |