هل يمكن أن تكون (العنوسة) قدر المجتمع العربي –
الإسلامي أو العربي – المسيحي؟ وهل أن العنوسة كانت ظاهرة اجتماعية في
المنطقة العربية – الإسلامية كما هي اليوم؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها يقف
الذهن عاجزاً أن يقول شيئاً يمكن أن يكون حافزاً للتفكير بكيفية التصدي
للعنوسة القاتلة لمعنويات المرأة والرجل.
تسير العنوسة وارتفاع نسبة الفراق بين الزوجين
على سكتين متوازيتين ورغم رصد هاتين الظاهرتين وتأثيرهما السلبي على
استقرار الأسرة العربية فإن تفاوتاً نسبياً متواضعاً هو الذي يفرق بين
حجم العنوسة هنا وهناك ففي مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء
مؤخراً عن ارتفاع نسبة العنوسة إذ وصلت إلى (9) ملايين شاب وفتاة ممن
تجاوزا سن الخامسة والثلاثين من دون زواج من أصل مجموع النفوس البالغ
زهاء (70) مليون نسمة.
وما يزيد التقديرات حيرة أن عدد وثائق الطلاق
الرسمية المسجلة خلال السنة الماضية 2002م وصل إلى (75) ألف وثيقة طلاق
وتقول إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في القاهرة: (إن ألف
حالة زواج عرفي قائمة الآن بين أصحاب الشركات وسكرتيراتهم وأن (5) آلاف
مصري متزوج من (4) نساء ومن بين هؤلاء من يحمل درجة الدكتوراة أو درجات
علمية مرتفعة وليس أصحاب المهن أو الكبار وحدهم في حين زاد من يجمعون
بين (2) زوجتين فقط إلى قرابة مليون مصري.
كما أظهرت دراسة حديثة عن وجود نوع جديد من
الطلاق أصبح متعارف عليه بـ(الطلاق العاطفي) وهذا النوع غير مسجل حيث
يطلق على وضع زوجي يقوم به الرجل بأخذ زوجة ثانية ويختار إحداهن فقط
على حساب العلاقة الزوجية مع الأخرى أو أن يتركهما معاً ويمارس البغاء
مع الساقطات ممن هن خارج جدار المنزل. وهذا ما جعل إمكانية القول أن
العنوسة أحياناً تطال حتى المتزوجات من حيث غياب العلاقات العاطفية أو
الالتقاء العاطفي مع أزواجهن.
إن ظاهرة العزوف عن الزواج موجودة في كل
المجتمعات وقد أمتدت من زمن لآخر ووصلت إلى عصرنا الراهن وظاهرة
العنوسة في العالم الغربي هي إخفاق من النساء والرجال مما هو عليه
الحال في البلاد العربية بسبب النظرة المتسامحة في المجتمعات الغربية
للعلاقات الجنسية الأباحية التي من نتائجها ولادة الأطفال غير الشرعيين
الذين ترعاهم الدول الغربية مقابل اعتبار ذلك من الممنوعات الضميرية
والدينية الإسلامية والمسيحية في العالم العربي الذي ينظر إلى علاقات
المرأة والرجل خارج حدود الزوجية هي مسائل لا أخلاقية والمرأة العربية
المسلمة والمسيحية في البلاد العربية والإسلامية ترفض مثل هذا التوجه.
طبيعي أن هناك جهوداً تبذل على الصعيد الاجتماعي
لدى بعض المهتمين الرسميين وغيرهم لخلق رابطة مودة تجمع رأسين بالحلال
ضمن أسرة جديدة ففي الأمارات العربية لوحدها توجد حالياً (170) ألف
فتاة عانس وفي السعودية زهاء (529) ألف فتاة أي ما يعادل ثلث نساء
السعودية لذلك تنشط هذه الأيام محاولة إيجاد شريك أو شريكة حياة عبر
الانترنيت وإعلانات المجلات إلا أن هذا المجال غير مشجع لإقامة زيجات
ناجحة.
ويوجد إقرار بأن سهم العزوبية على مستوى العالم
هو في حالة صعود وهو مؤشر خطر على تفشي سلوكيات ممكن أن تجعل من الرغبة
بعدم الزواج مبدأً ربما يأخذ حالة التأييد لدى مجتمع ما ففي فرنسا مثلاً
يوجد (14) مليون عازب ويذهب البعض لتسمية عدم الراغبين بالزواج بأن في
توجههم نوع من الانتحار البطيء للأجيال.
أما عن عدم القدرة المالية على الزواج فهي مسألة
مقرة على المستوى العربي الرسمي والاجتماعي وهذا ما يعتبر خطراً على
مسيرة التحولات النفسية والمجتمعية في معظم البلاد العربية. لهذا
انتهجت (جمعية العفاف الخيرية) في الأردن إلى ضرورة العمل للمساهمة
الإيجابية في حل جزء مما يعانيه المتطلعون والمتطلعات إلى الزواج في
المجتمع الأردني إذ نظمت حفل الزفاف الجماعي الذي جمع (474) عريساً
وعروساً وهذه السنِّة الخيِّرة قد بدأت منذ بداية سنة 1995م.
وكحل يمكن أن يكون أكثر تناسباً لحل بعض مشاكل
النساء العانسات فإن الرجال في موريتانيا قد جعلوا من تعدد الزوجات في
بيوتهم الزوجية ظاهرة منتشرة رغم أن الزواج لدى المواطنين الموريتانين
العرب يأخذ طابع الزواج السري هناك الذي يكون في بعض الأحيان مجرد زواج
لقضاء الرغبة أي الزواج الخالي من مرتكزاته الإنسانية الشاملة في تأسيس
أسرة سوية تتساوى فيها النساء المتزوجات من رجل واحد بنفس الحقوق
العادلة بين واحدة وأخرى بحسب شريعة الإسلام. |