فيما يبدو انه محاولة لتهدئة الداخل الايراني
دعا مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران علي خامنئي الجامعات الاحد الى
"المحافظة على الهدوء" لاحباط الخطة "الجهنمية" للاميركيين الذين
يعتزمون برايه استغلال الذكرى السنوية المقبلة للتظاهرات الطلابية في
1999 لزعزعة النظام الاسلامي.
ونقل التلفزيون الرسمي عن آية الله خامنئي قوله
امام الباسيدج (الميليشيات الاسلامية) في جامعات طهران تنديده بالمشروع
الاميركي الواسع النطاق ضد الجمهورية الاسلامية.
وقال خامنئي قبل شهر من الذكرى السنوية
للتظاهرات الطلابية التي بدات في التاسع من تموز/يوليو 1999 وتعرضت
للقمع بالقوة ان احد اوجه هذه الخطة يكمن في "محاولة اثارة حركة تمرد
في الجامعات كما فعل الاميركيون خلال السنوات الاخيرة ولا يزالون
يفعلون لكنهم لن يتوصلوا باذن الله الى غاياتهم"
وامام هذه الخطة خاطب المرشد الاعلى للجمهورية
الاسلامية الطلاب قائلا "حافظوا على الهدوء في كل الظروف ولا سيما في
الجامعات".
وقد ظل وسط طهران طيلة ثلاثة ايام في تموز/يوليو
1999 مسرحا لتظاهرات مناهضة للسلطة في اعقاب تدخل وحدات الشرطة داخل
غرف منامة الطلاب في جامعة طهران بسبب تظاهرة صغيرة ضد حظر صحيفة "سلام"
الاصلاحية. واعلن رسميا عن مقتل طالب في هذه المواجهات واعتقال المئات
الاخرين.
وتخشى السلطات ان يؤدي احياء ذكرى هذه التظاهرات
في مناخ التوتر السائد حاليا الى حصول تجاوزات. وقد اعلنت ان التجمعات
خارج حرم الجامعات قد تحظر على الارجح. وقال خامنئي "ان كل خطأ من جانب
مسؤولينا يساعد العدو بصورة او باخرى لا يحق لنا اقتراف اي خطأ" واكد
مجددا "ان هدف البعض داخل البلاد هو للاسف نفس هدف العدو".
وتهدف الخطة الاميركية ايضا الى "زرع الخوف
والتهديد بين المسؤولين" الايرانيين و"الى نشر شائعة في صفوف الراي
العام مفادها ان الارتباك يسود في اجهزة القرار داخل السلطة" كما اكد
خامنئي في اشارة واضحة الى المواجهة الداخلية بين الاصلاحيين الذين
يؤيدون الرئيس محمد خاتمي وبين المحافظين المؤيدين للمرشد الاعلى
للجمهورية.
واضاف امام الباسيدج الذين يعتبرون اشد
المدافعين عن النظام القائم "لن يحقق احد اهدافه الجهنمية طالما بقيت
الامة الايرانية العظيمة والقوى التي تتحلى بايمان صادق".
وكان عناصر الباسيدج تدخلوا مرارا وبعنف اثناء
تجمعات تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2002 عندما احتج الطلاب ضد الحكم
بالاعدام الصادر بحق المثقف والاستاذ الجامعي الايراني هاشم اغاجاري.
وعلى محاولات طهران لاقناع الخارج نفى وزير
الخارجية الايراني كمال خرازي بلهجة حازمة الاحد الاتهامات الموجهة الى
ايران بامتلاك برنامج نووي عسكري مؤكدا ان ذلك يعتبر "حراما" في
الاسلام.
وقال خرازي ايضا امام مجلس الشورى الايراني
متوجها الى الاميركيين والاوروبيين ان ممارسة "الضغوط" على الايرانيين
لا تجدي نفعا لكن ينبغي على الاوروبيين ان يتعاونوا في البرنامج النووي
المدني الوطني لكي يوافق الايرانيون على اعطاء ضمانات اضافية حول
الطابع المدني لانشطتهم.
واكد خرازي الذي يحمل والده لقب اية الله "نعتبر
استخدام الاسلحة الجرثومية والكيميائية والنووية حراما".
وقال خرازي الذي تتهم بلاده بانها تعمل على
انتاج قنبلة ذرية تحت ستار برنامج مدني "ليس لدينا اي خطة لانتاج اسلحة
نووية" مؤكدا "ان استراتيجيتنا الامنية خالية من السلاح النووي".
وقد عزز الشكوك باخفاء ايران مشروعها النووي
تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية نشر الجمعة واعتبر ان ايران "اخلت
بواجباتها" ازاء معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.
والسبت اكدت السلطات النووية الايرانية ان ايران
"تتقيد بشكل كامل" بواجباتها رغم التفسيرات التي تقدمها "الدعاية
الاميركية والاجنبية" لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد
طهران انها "ستواصل تعاونها معها".
وقال المتحدث باسم المنظمة الايرانية للطاقة
النووية خليل الموسوي حسب ما نقل عنه التلفزيون الرسمي ان "الدعاية
الاجنبية وخصوصا الاميركية منها تركز على ابراز هذا التقرير في جانبه
السلبي. انها محض سياسية وهي خالية من اي اساس شرعي".
يشار الى ان ايران تبني حاليا اول مفاعل لها في
بوشهر وكذلك مصانع عدة من شأنها ان توفر لها الاستقلالية في تأمين
الوقود الضروري لتشغيل مفاعلاتها الجديدة لم تبلغ الوكالة حسب الاصول
بشأن منشآتها ولا بشأن معالجة واستخدام معداتها النووية.
وفي اطار محاولات فهم مايجري على الساحة
الايرانية من تطورات نشرت وكالة الانباء الكويتية تقريرا تحليليا عن
التطورات الاقليمية الاخيرة وانعكاسها على المشهد السياسي الداخلي في
ايران وجاء في التقرير:
اثار سقوط النظام العراقي والتطورات الاقليمية الناشئة
عنه مواقف متفاوتة لدى التيارين الرئيسين في ايران - الاصلاحي والمحافظ
- حيال كيفية التعامل مع هذه التطورات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فقد شهدت الفترة التي سبقت سقوط نظام صدام حسين
في العراق وتلك التي تلته اتجاها قويا لدى الاصلاحيين لتوسيع برامجهم
السياسية وطروحاتهم بشان السلطة والحكم مستغلين المستجدات الاقليمية
التي خلفها التدخل الامريكي الاخير في المنطقة.
وتركزت دعوة الاصلاحيين لتنفيذ برامجهم على ان
احداث انفتاح حقيقي في الوضع السياسي الداخلي من شانه تجنيب البلاد
عدوانا عسكريا اجنبيا ربما يتخذ من الدفاع عن الديمقراطية وحقوق
الانسان ذريعة لوقوعه.
وشجعت الظروف الاقليمية الاصلاحيين على
الاعتقاد بان المحافظين سيكونون اكثر مرونة في التعاطي مع الخطط
والبرامج الاصلاحية ومن ذلك القبول بمشروعي قانونين بشان توسيع
صلاحيات رئيس الجمهورية واصلاح قانون الانتخابات كان الرئيس محمد
خاتمي تقدم بهما وسبق لمجلس الشورى ذات الاغلبية الاصلاحية ان صادق
عليهما في حين لم يبد مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون
حتى ذلك الوقت رايا قاطعا في قبولهما او رفضهما.
فقد اعتقد الاصلاحيون ان التصريحات الامريكية
الضاغطة على ايران والاتهامات المتوالية لطهران بالتدخل في الشان
العراقي والسعي لاستخدام البرنامج النووي في اغراض عسكرية ستشعر
المحافظين بالخطر وتدفعهم الى اتخاذ خطوات تسهم في تعزيز التماسك
الداخلي لمواجهة اية تهديدات اجنبية محتملة.
وسعى الاصلاحيون من جانبهم الى استغلال هذه
المعطيات بتوجيه رسائل ضاغطة على منافسيهم لحملهم على تقديم تنازلات
تسرع من وتيرة العملية الاصلاحية في البلاد وخاصة الموافقة على مشروعي
الرئيس خاتمي.
وجاءت في هذا السياق تصريحات اطلقها مسؤولون
اصلاحيون وبيانات وقعها اكثر من مائة نائب وشخصية اصلاحية معروفة دعت
التيار المحافظ الى مراعاة الواقع الاقليمي بعد الاطاحة بالنظام
العراقي والافادة من درس سقوط صدام حسين الذي لم يدافع عنه شعبه بسبب
استبداده وانعدام ثقة الشعب العراقي به.
وعلى هذا الصعيد ايضا دعا الرئيس محمد خاتمي
خلال كلمة وجهها عشية الاحتفال بالذكرى الرابعة عشرة لرحيل مؤسس
الجمهورية الاسلامية الامام الخميني قبل يومين الى احترام حقوق
المواطنين وتطبيق السيادة الشعبية واصفا ذلك بانه الطريقة المثلى
لتحقيق الوفاق الوطني وتعزيز التلاحم بين النظام وابناء الشعب في
مواجهة التهديدات الاجنبية ضد ايران ومحذرا في الوقت ذاته من استغلال
من اسماهم الاعداء قضية الديمقراطية ذريعة لشن عدوان على البلاد.
بيد ان هذه الدعوات لم تحقق ما كان يطمح اليه
الاصلاحيون اذ وجد المحافظون في هذه الاصوات روحا انهزامية تضعف من
معنويات ابناء الشعب وتعرض قدرة المواطنين على الصمود في مواجهة اي
عدوان اجنبي محتمل الى الخطر.
ولم يكن مفاجئا في ظل هذه الاجواء رفض مجلس
صيانة الدستور مشروع قانون توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بالرغم من
مشاعر الاستياء التي ابداها الاصلاحيون لهذه الخطوة واعتبارهم اياها
مبررا اضافيا لتهديد البلاد.
ويبدو ان المحافظين ارادوا من خلال رفضهم
المصادقة على مشروعي خاتمي ان يثبتوا خطا القراءة الاصلاحية للاحداث
وصحة التوجه المحافظ للتعاطي مع الاتهامات الموجهة لايران ومخاطر
التدخل الاجنبي.
وتعزز موقف المحافظين الذين اتهموا منافسيهم
الاصلاحيين "بضعف الارادة والخوف من الولايات المتحدة" بالخطاب الذي
وجهه مرشد الجمهورية اية الله علي خامنئي بمناسبة الذكرى السنوية
لوفاة الامام الخميني ودعا فيه المسؤولين بوضوح الى الاهتمام بمشاكل
المواطنين المعيشية ومكافحة الفساد والتمييز في حياة الايرانيين
الاجتماعية والسياسية.
واكد خامنئي في هذا الخطاب ان حل المعضلات
اليومية للمواطنين كفيل بتقليص الفجوة بين هؤلاء والمسؤولين وخلق
اقوى الحوافز لدى ابناء الشعب على مقاومة اي اعتداء تتعرض له البلاد.
وبدا مرشد الجمهورية الايرانية في هذا الخطاب
وكانه يعيد ترتيب الاولويات التي حاول خاتمي رسمها من خلال الايحاء
بان تطبيق مشروعه الاصلاحي هو الضمانة الاكيدة لابعاد البلاد من مخاطر
التهدديدات الخارجية.
وبالرغم من اتهام الاصلاحيين بالضعف واشاعة
روح التخاذل في مواجهة التهديد الامريكي المحتمل فان المحافظين
يدركون انه ليس بوسع الاصلاحيين في هذه المرحلة بالذات اتخاذ مواقف
من شانها تعريض وحدة الموقف الشعبي وامن البلاد القومي للخطر اذ
لاتختلف رؤية الاصلاحيين الرسميين الذين يهيمنون على الحكومة والبرلمان
بشان العلاقة مع الولايات المتحدة في هذه الظروف كثيرا عن وجهة نظر
المحافظين حيال هذه القضية فكلا التيارين المحافظ والاصلاحي "القسم
المؤثر منه على الاقل" لا يعتبران اقامة حوار شامل مع واشنطن في هذه
الظروف التي تشهد صعودا كبيرا للقوة الامريكية في المنطقة والعالم
خطوة حكيمة وان كانا لا يعارضان اجراء اتصال بين الجانبين بشان قضايا
محددة لتخفيف الاحتقان مع امريكا كالذي حصل اخيرا في العاصمة السويسرية
(جنيف) حين بحث مندوبو البلدين امكانية التعاون الثنائي في قضايا مثل افغانستان
والعراق وغيرها.
وفي سياق هذا الاحساس يشعر المحافظون كذلك
بالاطمئنان حيال التهديدات التي حاول انصار خاتمي الايحاء بها
بالاستقالة من منصبه في حال رفض مشروعاه العتيدان حول الانتخابات
وصلاحيات رئيس الجمهورية.
وقد صدق حدس المحافظين حين اعلن معاون رئيس
الجمهورية للشؤون البرلمانية والحقوقية محمد علي ابطحي قبل ايام ان
خاتمي لن يستقيل من منصبه بسبب رفض مجلس الصيانة اقرار مشروعيه بالرغم
من تلميحات قوية لابطحي نفسه قبل فترة حول هذه الاستقالة.
وجاء اكتفاء خاتمي برفض احالة مشروعيه الى
مجمع تشخيص مصلحة النظام بعد امتناع مجلس الصيانة الموافقة عليهما "بحجة
ان هذه الاحالة تعني اعترافا ضمنيا بمخالفة المشروعين لاحكام الشريعة
والدستور او لاحدهما وهو ما لا يريد الاقرار به" ليعزز النهج التصالحي
لخاتمي وحرصه على سلامة الجبهة الداخلية وتماسكها في مواجهة اي خطر
خارجي محتمل.
ولا يبدو في ظل هذه الاوضاع ان المحافظين
مستعدون لمنح خصومهم الاصلاحيين اي امتياز لتحقيق برامجهم الاصلاحية او
ادارة الازمة مع المستجدات الاقليمية من خلال التلويح بالخطر
الامريكي فالاصلاحيون في نظر المحافظين مرعوبون من الغطرسة الامريكية
كما يقول الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني او "ملغومون بعملاء
للعدو" كما صرح عالم الدين المحافظ البارز مصباح يزدي اكثر من مرة.
|