الجانب القبيح لتجارة الرقيق الأبيض التي تنشط
هذه الأيام عابرة من قارة لقارة ومن بلد لآخر ولا يبدو في الأفق
المنظور ما يبشر بوجود من يتصدى فعلياً للقضاء على هذه التجارة التي
ترقى إلى مستوى الجرائم الاجتماعية التي تفوق في خطورتها قتل النفس إذ
إن المتاجر بهن يكونن قد فقدن أي معنى لوجودهن السوي في الحياة.
تتوالى الفضائح الجديدة كل يوم جراء الانتشار
غير الطبيعي لتجارة الرقيق الأبيض الحديثة وسعة ظاهرتها إذ تنقل
الأخبار بين فترات قصيرة اكتشاف شبكات دولية تقوم بتهريب الفتيات
والنساء من بلدان مختلفة ومن العالم النامي خصوصاً ويليه من بلدان شرق
أوربا ومن يقرأ الصحف الأوربية يستغرب من إلقاء الضوء على ما يدور في
الخفاء من طرق فنية يتم بها تهريب النساء والفتيات دون رحمة للعمل في
الدعارة في بلدانهن بمالم يكن واقعاً إلا في القرون السحيقة. وإذا لا
توجد إحصاءات غربية حتى الآن بأرقام الضحايا اللائي لحق ويلحق بهن
العار نتيجة للزج بهن إلى سوق النخاسة الجنسية دون رغبة مسبقة عند
غالبيتهن إذ تفاجأ الفتيات والنساء وهن خارج بلدانهن أنهن وقعن في شباك
الأغواء على يد رجال عصابات يقومون باجبارهن على التسليم للقيام بالفعل
الشائن معهن قبل انزالهن إلى سوق ومواخير الفساد بعد أن تم الاتفاق
معهن على الحصول على عمل شريف من قبل مكاتب تلك الشبكات المشبوهة وقبل
سفرهن إلى الخارج.
واسم الغرب المبهر في نظر الكثيرين من الجهال
يشكل اليوم أهم سبب لقبول أولئك الفتيات والنساء للسفر إلى أوربا
الغربية دون تمحيص كبير في الأمر حتى يفاجئن بعد أن يصبحن في الغرب
بالوقوع في فخ ممارسة الدعارة بعدما يحاصرن اقتصادياً واجتماعياً وما
يرافق ذلك من قيود قانونية تفرضها الدول الغربية على الأجانب القادمين
إلى أراضيها من بلدان أخرى.
ومن المتداول على صعيد رواج الاتجار بالنساء
والفتيات بأن التمهيد للإيقاع بهن يتم عن طريق استدراجهن باعلانات عن
وظائف مربحة مثل رعاية الأطفال أو عاملات ونادلات في المطاعم...
وإذ تتخبط العديد من البلدان الفقيرة والنامية
بانتشار مرض البطالة بشكل واسع جداً في سائر ارجاءها، فهذا ما يعتبر
عامل مساعد لتوجيه رغبات الفتيات والنساء المحتاجات للعمل حتى بالخارج
وأن الفكرة السائدة في الأذهان لدى المجتمعات النامية بالعموم أن في
الغرب دول متقدمة والحصول على عمل هناك أمر ممكن وسهل ولا يعتقد من ذوي
هؤلاء النساء والفتيات أن الاستعباد ينتظرهن وليس العمل الشريف في
البلدان المتوجهين لها وبذا فإن مصيبة الجوع التي كانت المحرك لتلافيها
عبر السفر سرعان ما تتبدل إلى مصيبة الافساد لهن عبر أكبر طعنة في
معنوياتهن وبديهي فإن الأولاد الذكور وعلى درجة أقل هم أيضاً ضحايا
مافيات تجارة الرقيق الأبيض ولو بنسبة أقل من حيث العدد قياساً لأعداد
الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن لضغوط مشينة منها انتزاع مستمسكاتهن
الرسمية مما يعني استسلامهن أمام الخوف من إجراءات السلطات الحكومية
حيث أصبحن على أراضيها بصورة غير مشروعة على الغالب إذ يتم تسريبهن إلى
البلدان الأخرى بطرق سرية دون الحصول على تأشيرات دخول. وتقول آخر
إحصائية دولية أن مليون ومائتي فتاة ممن هنّ تحت سن (18) سنة يتم راهناً
الاتجار بهن للعمل بالبغاء على مستوى العالم الغربي وفي بلدانه بالذات.
أما بالنسبة للأطفال المتاجر بهم وبمصيرهم فيكفي
تمحص ما يجري في دولة (مالي) إذ يتم فيها بيع الأطفال كأي سلعة وتشير
إحصائية رسمية بهذا الصدد أن ما لا يقل عن (15) ألف طفل من أطفال مالي
يتم بيعهم سنوياً بحجة العمل بمزارع بلدان أخرى مجاورة.
ان افتقار الخبرة في الحياة تقف في أحيان كثيرة
وراء قبول العديد من الفتيات والنساء بهذه الأعمال الرخيصة عن طيب خاطر
تحت خطلة عصابة من سماسرة الاتجار بأجسادهن وقسم منهن لما يقارن حياتهن
السابقة حين كن على أرصفة بلادهن وهن يمتهن مهنة التسول والتعرض للمارة
من أجل استحصال ما يسد رمقهن ولو برغيف (خبز) فيجدن أن في سقوطهن حلاً
بديهي لمشكلتهن المعيشية السابقة. ولعل من الغرابة في كل هذا الواقع
المزري أن أحداً لم يسع إلى توجيه تعميم في البلدان التي تم جلب
الفتيات والنساء منها كي تعي مجتمعاتها بما يفضح غايات العصابات تلك
المكاتب التي تدعي زوراً أن لها توكيلات رسمية من بلدان أخرى. |