الصبر على الشدائد الكبرى معين فياض وهو نوع من
ادخار الجهاد والجدارة على الصبر ليست سمة متاحة لكل الناس، والصبر في
أحد أوجهه ملحمة نفسية لا غنى عنها حين يصبح المرء بين فخاخ السلب
والاستلاب وهو أحد أهم الدوافع المحركة لأعلان العزم على التحديات في
الوقت المناسب.
ورب الأنام تعالى ذكر في آية قرآنية كريمة: (أن
الله مع الصابرين) وهي إشارة إلهية صريحة على كون الصبر محبذ ومطلوب
لأي إنسان بسبب كونه ينبع من الضرورات التي يحث عليها مبدأ (العقلانية)
فإذا ما تم تركين كنه الصراع بين الحق والباطل فهذا يعني أن المدخل
للتعرف على منهج الصبر سوف لا يكون له معنى ثابتاً مادم الصبر مقترن
بأن يكون خاص بأهل الحق وإلا فإن حالة الصبر عند أهل الباطل هي ليست
صبراً بل هي تمثل حقداً أو بغضاً عن جهل.
أن رفعة القيم والمثل الصحيحة في النفس البشرية
غالباً يبلورها الطموح العقلي الراجح ويقف الصبر كإطار معرفي لترجمة
السلوك المطلوب وبعض الأشخاص والجهات ممن لم يكويهم الزمان بناره
يقدمون دوماً فكراً إصلاحياً ناقصاً لا يأخذ التطورات العالمية بعين
فاحصة مع أن لهذه التطورات من السعة بحيث أصبحت تشمل أغلب مجالات
ومناحي الحياة ومنزلة العرفان في ثقافة الصبر عظيمة جداً والأعظم منها
إذا رافقها إعلان مبدأ التصبر على المظالم كما في الأخبار المتحدثة عن
دور السيدة زينب في مواجهة (عبيد الله بن زياد) في قصره بالكوفة و(يزيد)
في قصره ببلاد الشام تلك المواجهة التي اقتصرت في مداها الذي كان عامل
التمهيد للنهوض الحسيني ضد أعداء الإسلام وأخذ الثأر منهم فيما بعد على
يد الثائر الثقفي (رض) الذي اقتص من قتلة الإمام الحسين (ع) وأبطال
معسكره.
إن من الأسس الأخلاقية عند الفرد المؤمن هو أن
يتحلى بالصبر ويصبر المحيطين حوله كنوع من مهادنة النفس على حدث جلل
مثلاً.
ولعل مصطلح (الصبر) يرادف بدرجة ما مصطلح (التصبّر)
مع أن (الصبر) يكون للذات و(التصبر) يكون للآخرين ممن لم ينل من حقوقهم
أو أهليهم روحياً أو مادياً أو مصيرياً وثقافة الصبر والتصبر في شخصية
المرء دليل على رؤية موضوعية يتمتع بها الصابر والمتصبر فإحدى القضايا
التي يجب أن تبقى شاخصة من ردة الفعل على المظالم هي تمالك النفس
وتقديرها على إحقاق الصبر في مكامن العقل والضمير وانتظار المتحول من
الزمن الذي قد يقلب الأمور بما لم يتوقعه أحد ضد الظالمين الذين غالباً
ما ينتهون إلى مزابل التاريخ.
وعصرنا هذا الذي يكاد كل شيء فيه أن ينطق بلغة
ضمان المصالح الشخصية يحتاج إلى صبر طويل لتحقيق الطموحات المشروعة
سواء على صعيدها الشخصي أو الاجتماعي. وحقاً فإن الصبر هو ملحمة معنوية
وأن لم تظهر نتائجها بشكل سريع منتظرة إلى أحوال الصابرين في التاريخ
تعطي دروس ما بعدها من دروس بليغة يستقرء منها الصبر وكيف تكون فلسفته.
والآثار التربوية لظاهرة الصبر على الظلم تعلم
الكفاح السلمي ضد مصادري الحقوق حتى أن الصبر يكاد أن يصبح في بعض
النفوس الصابرة بمثابة عقيدة عقلية لا مناص من الاعتراف بالحاجة لها
حين تلم بالإنسان دوائر الباطل بمعنى أن للصبر جذور نفسية وأرضية
معتقديه تتواشج مع النزعة المتوجهة لتحقيق هدف إقامة العدل المبين إذ
أن الصبر هو أحد أركان النهوض بالنفس الإنسانية وبالذات عند وقوع
الملمات المغالى في ظلمها. |