بعد مرور شهر على سقوط صدام حسين لا تزال الآراء
منقسمة بشدة حول ما حققته الولايات المتحدة وبريطانيا من أهدافهما من
الحرب على العراق.
من الناحية الرسمية تحركت الدولتان لنزع أسلحة
للدمار الشامل قالت الدولتان ان العراق يخفيها في تحد للأمم المتحدة.
كما بررتا الغزو بقولهما انه اطاح بدكتاتور قاس ووجه ضربة في اطار
الحرب على الارهاب.
ويشير المعارضون إلى ان الولايات المتحدة
وبريطانيا لم تعثرا بعد على أي دليل مقنع على وجود أسلحة كيماوية أو
بيولوجية أو على وجود صلات تربط العراق بشبكة القاعدة التي يتزعمها
اسامة بن لادن.
ويقولون ان الرئيس الامريكي جورج بوش لم يف
بوعده بعد بجلب الحرية والديمقراطية للشعب العراقي الذي يعاني إلى الآن
من أعمال السلب والنهب وانعدام الامن وغيرهما من مصاعب ما بعد الحرب.
والمقترحات الامريكية للتخلص من عقوبات الأمم
المتحدة المفروضة على العراق ومنح المنظمة الدولية أقل دور في اعادة
بناء العراق وحرمان أي طرف على الاطلاق من التحقق مما اذا كان لدى
العراق أسلحة محظورة يعزز الرأي القائل بان
امريكا مصممة على ان تمسك بجميع الخيوط وتتخذ جميع الاجراءات بنفسها.
قال مصطفى علاني وهو محلل عراقي في المعهد
الملكي للدرسات الدفاعية والامنية بلندن ان قوات الاحتلال ملتزمة "باصلاح
ما دمرته" وعليها ان تركز أولا على الخدمات والمرتبات والأمن الشخصي
للعراقيين.
ومضى يقول "لا أحد يأسف على الاطاحة بصدام لكن
اذا لم يفعل الامريكان أي من هذه الأمور فان بعض العراقيين ربما يبدأون
في عملها." وأضاف "انهم يتحدثون عن نظام ديمقراطي لكن هذه ليست أولوية.
فالشرعية تعتمد على الديمقراطية لكن على المدى البعيد فقط."
وأشار ستيفن سايمون وهو محلل بمؤسسة راند
كوربوريشن بواشنطن إلى ان "هدف بناء الدولة ليس هدفا عاما مشتركا داخل
الادارة الامريكية."
وقال "الناس ترى عن حق تناقضا بين البقاء في
العراق لفترة طويلة بما يكفي لتغذية الديمقراطية الحقيقية وبين احتمال
ان تبقى الولايات المتحدة لفترة طويلة تكفي لاثارة غضب اولئك الذين
يعتقدون انها تريد احتلال (العراق) والاستيلاء على الثروات العراقية
والعربية."
وقال سايمون ان ادارة بوش مقتنعة بان حرب العراق
حلت مشكلة كبيرة وانها قد تعيد تشكيل المنطقة.
وأضاف "يعتقدون ان هزيمة صدام ستمهد الطريق
لمزيد من الاصلاحات السياسية في الشرق الاوسط وستمهد الارض لتسوية
منصفة بين اسرائيل والفلسطينيين."
وقال تقرير لمركز أبحاث مجموعة الأزمة الدولية
ان حرب العراق منحت امريكا نفوذا اقليميا أكبر "وسببا اضافيا لاظهار
انها قادرة على ممارسة سلطتها بطريقة عادلة" وهو أمر كانت بريطانيا
حليفتها في الحرب تسعى لتحقيقه.
الا ان التقرير أشار إلى "هذا لا يجب ان يزيل
الأسباب التي تدعو للشك" مشيرا إلى حملة انتخابات الرئاسة الامريكية
القادمة وإلى المعارضة حتى داخل الولايات المتحدة "لخريطة الطريق"
لتحقيق السلام في الشرق الاوسط التي يشجعها رباعي من الوسطاء الاجانب.
وقال دان بليش وهو ايضا محلل في المعهد الملكي
للدراسات الدفاعية والامنية ان الحكومة البريطانية حققت هدفها الخاص
بتدمير حكم صدام حسين حتى لو فشلت في اثبات ان العراق يشكل خطرا واضحا
وماثلا.
وأضاف "الهدف الرئيسى هو اعلان انتصار في الحرب
على الارهاب وشطب صدام من على جدول الأعمال الامريكي الداخلي" مشيرا
إلى ان الفشل في الامساك بابن لادن كان فشلا سابقا دفع بوش إلى احلال
صدام محله كهدف رئيسي له.
لكن روسيا وفرنسا والمعارضين الآخرين للحرب ضد
العراق يرفضون السماح للولايات المتحدة بان تموه على الفشل في العثور
على مخزونات الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي زعمت ان صدام حسين
يخفيها.
لكن من المحتمل ان يقبل كثير من الامريكيين
الذين روعتهم هجمات 11 سبتمبر ايلول الرأي القائل بان الاطاحة بصدام
حسين ازالت تهديدا محتملا وجعلت العالم مكانا أكثر أمنا.
وقال تيرينس تيلور وكان من كبار مفتشي الأسلحة
التابعين للأمم المتحدة "الأمر الرئيسي ان كل الجهاز الذي سيطر على
الامتلاك والبحث والتطوير لأسلحة الدمار الشامل في العراق دمر."
وكانت واشنطن عينت بول بريمر هذا الاسبوع في
منصب المدير المدني الجديد في العراق. وسيكون بريمر اعلى رتبة من جاي
غارنر الذي كان اعلى مسؤول مدني اميركي في العراق حتى تعيين بريمر يوم
الثلاثاء الماضي. ومن المتوقع ان يركز غارنر الان على عملية اعادة
البناء ويترك لبريمر مهمة الاشراف على تشكيل الحياة السياسية العراقية
في عراق ما بعد الحرب.
وقد عين مكتب اعادة الاعمار والمساعدات
الانسانية التابع لغارنر عددا من المسؤولين في الوزارات الرئيسية في
الايام الماضية. وقال المكتب الخميس انه من المرجح ان يتم تشكيل محكمة
عراقية خاصة لمحاكمة مرتكبي جرائم ضد الشعب العراقي.
وسيتم خلال عملية تشكيل حكومة مؤقتة تعيين
مسؤولين في 23 وزارة رئيسية في العراق ومن المرجح ان يتولى اعضاء
المجلس الذين يقودون المفاوضات حاليا المناصب الرئيسية في تلك الوزارات.
وهؤلاء هم مسعود بارزاني وجلال طالباني الزعيمان الكرديان البارزان
وعبد العزيز الحكيم من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق واياد
علاوي رئيس حركة الوفاق الوطني واحمد الجلبي.
ولم يتضح بعد الفترة التي من المقرر ان تتولى
فيها الحكومةالمؤقتة ادارة البلاد قبل اجراء الانتخابات او متى ستكون
الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لتسليم السلطة الى الشعب العراقي.
وتتزايد الاحزاب السياسية في العراق الا ان واشنطن اوضحت ان اصدقاءها
القدامى سيتولون مسؤولية البلاد.
من جهته اعلن وزير الدفاع الاميركي دونالد
رامسفلد الجمعة ان الاميركيين مستعدون للبقاء اكثر من عام في العراق
لضمان العملية الصعبة لبناء عراق يتسم "بحرية اكبر".
وقال الوزير الاميركي في مؤتمر صحافي مع قائد
القوات الاميركية في العراق الجنرال تومي فرانكس ان الامر "يحتاج الى
الوقت والصبر (...) ونحن لدينا الصبر". ودعا الى التقليل من اهمية
الفوضى التي يشهدها العراق "في اطار تاريخي" مذكرا بان بناء ديموقراطية
عملية طويلة.
ويقترح مشروع قرار اميركي قدم الجمعة الى مجلس
الامن الدولي ان تمارس "قوة الاحتلال" بقيادة الاميركيين "مسسؤوليات
لمدة 12 شهرا مبدئيا (...) قابلة للتمديد اذا كان ذلك ضروريا الا اذا
قرر مجلس الامن الدولي عكس ذلك".
واوضح رامسفلد ان المدة التي حددت مبدئيا ب12
شهرا ستخضع للمراجعة لان "لا احد يعرف الوقت الذي يتطلبه البقاء" في
العراق. واضاف ان الولايات المتحدة "مستعدة لابقاء ما يلزم من قوات في
العراق وطوال المدة التي يتطلبها بناء محيط آمن".
واكد الوزير الاميركي الذي اشاد مجددا بالجنرال
تومي فرانكس قائد القوات الاميركية في العراق ان اعادة اعمار العراق
واحلال الحرية سيكون صعبا. وقال ان "الانتقال من نظام الاستبداد والقمع
الى نظام اكثر حرية امر صعب جدا في الواقع (...) ستشهد العملية عثرات
وهزات وقد تجري بخطوتين الى الامام وواحدة الى الوراء".
لكن وزير الدفاع الاميركي تحدث عن تحقيق تقدم
بعد 51 يوما فقط من بداية الحرب. واكد ان الاميركيين يراقبون الوضع في
27 مدينة عراقية لا تشهد اي منها "وضعا اسوأ مما كانت عليه في السابق".
من جهته اكد الجنرال فرانكس ان الوضع في العراق
ما زال خطيرا. واكد فرانكس على التقدم الذي تحقق في العراق في قطاع
الخدمات الصحية والمياه والكهرباء والخدمات الاساسية الاخرى التي "تتحسن
يوما بعد يوما".
ودافع رامسفلد وفرانكس عن خطتهما "الممتازة"
للحرب التي سمحت باسقاط نظام صدام حسين في ثلاثة اسابيع في مواجهة
الانتقادات التي ترى ان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) جازفت في
الحرب وتجازف في السلام باستخدامها قوات برية محدودة.
وتأتي هذه الانتقادات خصوصا من ضباط متقاعدين او
ما زالوا في الخدمة في سلاح البر. ونفى رامسفلد الذي يريد "تحويل"
الجيوش الاميركية الى قوات خفيفة تركز على قطاع التكنولوجيا ان يكون "في
حرب ضد سلاح البر".
وكان البيت الابيض عين خلال الاسبوع الجاري
المسؤول في سلاح الجو المؤيد لعملية "التحويل" هذه جيمس روش سكرتيرا
للجيش بدلا من الجنرال السابق توماس وايت الذي كان على خلاف مع رامسفلد
بشأن التغييرات في الجيش. كما عين الرئيس جورج بوش كولن ماكميلان
المتخصص بشؤون النفط قائدا لمشاة البحرية. ويفترض ان يقر مجلس الشيوخ
الاميركي هذه التعيينات.
ودعا وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد يوم
الجمعة الى توقعات واقعية بشأن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة
لاعادة اعمار عراق ما بعد الحرب.
واثناء احاطة للصحفيين في البنتاجون بعد شهر من
استيلاء القوات الامريكية على العاصمة العراقية قال رامسفيلد والجنرال
تومي فرانكس قائد قوات غزو العراق انه ليس من الممكن معرفة كم ستبقى
القوات الامريكية في العراق في اشارة الى ان وجودها يمكن ان يمتد
لسنوات.
ويشكو السكان في بغداد واماكن اخرى في العراق من
نقص الامن العام والخدمات بينما عينت الولايات المتحدة هذا الاسبوع فقط
مديرا مدنيا جديدا للاشراف على واقامة نظام سياسي جديد.
وقال رامسفيلد "انه تحول صعب جدا من الاستبداد
والقمع الى نظام اكثر حرية. انه غير منظم. سيكون متقطعا.. خطوتان
للامام وخطوة للوراء. سيكون الطريق وعرا."
واستطرد قائلا "واعتقد ان ما يحتاجه الامر هو ان
يكون الناس واقعيين وان ينظروا الى دول اخرى قامت بنفس التحول وان
يسألوا كيف تم ذلك."
وقال "كم سيستغرق الامر وما مدى صعوبته والى اي
حد هو غير منظم.. وبالنظر الى ان هذا بلد ليس له تاريخ من الانظمة
التمثيلية او الديمقراطية.. فسوف يستغرق الامر بعض الوقت.. سوف يحتاج
لبعض الصبر."
ومن جانبه اعرب فرانكس قائد القيادة المركزية
للقوات الامريكية عن تفاؤله بشأن اعادة الاعمار لكنه اعترف ببعض
السلبيات. وقال فرانكس في اول احاطة يقدمها للصحفيين في البنتاجون منذ
ما قبل حرب العراق في مارس اذار "افضل ايام العراق لم تأت بعد."
ولم يقدر فرانكس ولا رامسفيلد مدة بقاء القوات
الامريكية في العراق.
وقال فرانكس "ما سيحمله المستقبل بعد عام او
عامين او ثلاثة اعوام... ليس معروفا تماما." |