للغة المنطوقة أو المدونة وقع على النفوس له من
التأثير الإيجابي أو السلبي ما يجعل المرء المتابع أحياناً أن يعلن عن
موقفه مما سمع أو قرأ وبعض الأقوال رفعتها المجتمعات إلى مصاف التقديس
أو التخليد إذ ذهب بعضها كـ(أمثلة) أو (حكم) واحتسبت بعض الأقوال في
مصاف المناقب.
إن ظاهرة التبادل اللغوي وسمة النفس الحضاري
فيها تشد الناس بعضهم لبعض. وتفاوت نظرة الناس المتكلمين أو السامعين
أو القارئين إلى مستلزمات الكلام كوسيلة راقية اختص بها بنو آدم وحواء
من دون بقية المخلوقات لها في الإكرام للإنسان ما ينبغي عليه أن يرد
منه الجميل لأخيه الإنسان إذ أن هدف الحياة – كما كان دوماً – هو إشاعة
الود للآخرين وهذا ما يتطلب من المرء إبداء قدر معقول من توضيح العدل
في الكلام فرغم عفوية التعابير اللغوية أثناء رحلة قضاء المرء ليومه
فلا بد وأن يستند في كلامه إلى منهج رصين لاختيار كلماته وجمله
وتعابيره أمام الآخرين مع ترك فسحة فيه لضرورة إضفاء روح المرونة في
مختلف الأحاديث. فبالمرونة اللغوية وحدها يمكن أن تغير العدو المبين
غلى صديق ودود بكثير من الأحيان لو أحسن التقرب من الإسهام الصحيح في
لغة مخاطبة الآخر.
فاللغة كـ(الصرح) بحاجة دائمة لمن يصون بنائها
والإنسان بصفته المختص بامتلاك اللغة عليه أن يجعل لدوره فيها ما يدع
من الاستعانة بذخائر تعبيراتها الإيجابية من إراحة النفس وراحة الآخرين
وسيلة ناجعة لإقامة علاقات طيبة التي لا يمكن أن تسوء دون وجود لغة
متداولة على أساسيات التعابير اللغوية الكريمة فـ(الكلمة الطيبة صدقة)
كما يقول نبي الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعل تجارب الحياة اليومية تعلمنا الكثير مما
ينبغي التقرب إليه أو النفور منه واللغة إذ هي (معين) دائم تخلق
للإنسان الذي يعرف متى يتكلم ومتى يسكت آفاقاً من العلاقات الاجتماعية..
الودودة ما تشجعه لخوض الغمار بأي موضوع مع الناس المحيطين به أو الذين
يصادفهم على أي أمر ويترك أثره البالغ فيهم.. فالإنسان يتقدم في شوط
معايشته الاجتماعية من خلال لغته وعمله مما يعني أن الإسلوب الأمثل في
اختيار المرء لمفرداته الودية والواضحة له من القيمة ما يجعل هذه
الميزة تبدو وكأنها ترجمة حية لموقف ثقافي وحتى لا تكون هناك مغالاة
فلا يوجد هناك إنسان على وجه البسيطة خال من درجة من الثقافة السلوكية
فحتى الأميون الذين لا يجيدون القراءة والكتابة لكنهم في الكثير من
تعابيرهم اللغوية يبدون مجاملات ما يمكن أن تكون مدعاة للتقييم
الأيجابي لصالحهم فهم لم يفقدوا صفتهم الإنسانية على أي حال رغم
إخفاقاتهم أحياناً في اختيار تعابيرهم.
وهكذا نجد أن الأحداث الجسام التي تقع سابقة
لحروب طاحنة (مثلاً) قد يكون سببها تعبير قاسي ينطق به شخص متنفذ ولا
يتحمله الآخر فيجران مجتمعان إلى حرب تفتقر لأي جدوى. وبديهي جداً فإذ
يفضل أن لا ينسب الشخص لنفسه من الكلام المؤثر إيجاباً على الآخرين
ويسمي المتفوه به أمانة منه لحفظ دور الآخرين وتبيان التمهيد لبناء
الجسور النفسية عبر اللغة المحكية أو المكتوبة فيكون بذاك قد وضع لبنته
ذاته على طريق الصالح العام الذي يحفظ للآخرين توجهاتهم اللغوية الحسنة
في قيادة دور التفاهم بقدر تعلق الأمر بكل فرد سواء مثل نفسه أو مثل
فئة ما أثناء إعلانية كلامه.
والتعابير اللغوية ليست كلمات أو جمل مصففة بل
وسائل لها من التأثير القوي ما يمكن أن يوضح حقاً في ظرف صعب.. فيكسب
مداه أو ما يجلي باطلاً في ظرف مؤات عنده لكن ذلك لا يضير الحقيقة بشيء
في نهاية المطاف. إن الإنسان يولد وهو على سجيته الأريحية ولا تلحق
نفسه الشوائب إلا حين تكون المؤثرات السلبية عليه قد أخذت درجة الفعل
المؤثر.
وميدان اللغة المرتبط أساساً بالفكر يحث على
الحرص أن يكون التعبير اللغوي عند العقلاء من الناس ذا رصانة لا تجتاز
سياج الأعراف في التداولات الكلامية فالتحدي اللغوي غالباً ما يفشل في
الوصول إلى المرام إذا ما وصلت التعابير فيه إلى حافة التطرف أو تكبير
مالا ينبغي يكبر والإنسان باعتباره مالكاً لمركزية قواه الذاتية ويعترف
من خلال اجتماعيته أنه سيبقى بحاجة إلى أخيه الإنسان لغرض التعاون في
وضع الصياغات الكفيلة بتسيير أمور الحياة للجميع التي لا تبدأ إلا
بتبوأ الفهم اللغوي الأفضل والمؤثر فعلاً بسمة ايجابياته. |