تتوالى أيام العمر ولا ينتبه الإنسان لها إلا
بصورة فجائية حين يقتحم كل مرحلة من مراحل حياته التي تكاد من ناحية
الإحساس ألا يشعر بها إلا وكأنها صفحة كتاب تعقبها صفحات. والشيخوخة
بقدر ما تكون غير مستحبة عند الشباب لسبب ربما يعود لامتلاك صفة الحكمة
عند كبيري السن التي يفتقر لها الشباب لكن ما بين الشيخوخة والطفولة
وشائج مسجلة لصالح أيام الثاني في ذاكرة الكبار التي على ضوء ظروفها
ويومياتها بنيت مبادئ كل إنسان أو انطلقت من انفاسها.
بنظرة إلى الماضي الذي لا يعتبر سحيقاً على أية
حال لدى المسنين بسبب قوة احتفاظهم بالأمل لحياة أطول من ذلك وهذا
التجسيد يجعل من هؤلاء الكبار مرتبطين بذكريات الطفولة وعابرين منها
إلى تحقيق شيء من الذات خلال ما لا يقل عن العشرين سنة الآتية التي
يقضونها لاستكمال مرحلة مهمة من عمرهم وهم يتطلعون بطبيعة الحال إلى
مزيد من السنين. وبهذا الجانب يمكن القول أن فترة التقاعد من العمل
وتخلق جواً لهم يستطيعون منه إرضاء أنفسهم وتحقيق العديد من رغباتهم
بعيداً عن مسؤولية العمل وتربية الأبناء.
إن لكل إنسان تاريخاً حافلاً بالأحداث والوقائع
فهو شاهد مهم على تاريخه الشخصي إذا سطر يومياته بأمانة يكون قد تخطى
نحو إفادة الناس من تجاربه إذ لا يوجد إنسان لا يمكن الاستفادة ولو من
فصل واحد من فصول حياته فالعبرة ليست بما تصادفه النفس بل ولما يتعرض
له الآخرون ومن سبل الشعور بالسعادة عند المسن حين يكون له بيت خاص به
أو بعائلته إذ يعتبر ذلك وطنه الثاني وهو يقضي آخر أيامه على نشاط جزئي
أو على شيء من استعراض ذاكرته نحو الماضي الجميل لعهدي طفولته وصباه
وربما لشبابه الأول.
إن تداخل يوميات المسن مع ذكريات الطفولة
الجميلة فيه الكثير من الفوائد إذ إن مجرد العودة بالذهن إلى ذكريات
تلك الأيام الخوالي من مقتبل العمر وجرها إلى تفكير اللحظة المنتشية
للشيخوخة تحول حياة المسن من خاملة إلى حيوية. لا شك أن الجسد في عمر
الشيخوخة يكون أحياناً مستنفداً لكامل قدراته الشبابية لكن دوره وهو
داخل المجتمع لا يخلو من أهمية فالعائلة ترى في مشايخها قدوة حياة
ورمزاً من رموز العائلة بغض النظر عن كون المسن رجلاً أم امرأة.
وكبار سن هذا العصر حين يطلعون على وقائع بعض
الحروب وما سببته للأطفال يحمدون الله سبحانه وتعالى على أنه أنقذهم من
ويلات حروب لم تحدث أثناء مرحلة طفولتهم أو حدثت تلك الحروب لكنهم
كانوا في منأى عن معايشة ظروفها الصعبة بمثل هذا الاستنتاج الصحيح قال
(الدكتور عاطف عضيبان) مدير عام المركز الإقليمي للأمن الإنساني التابع
للمعهد الدبلوماسي في عمان: (إن الحروب تسببت في مقتل مليون طفل وإعاقة
أكثر من (4) ملايين وتيتم (2) مليون من الأطفال خلال العقد الأخير) أي
من المدة المحصورة بين (1992 – 2002م). |