أظهرت نتائج الأبحاث الميدانية أن النمط الرائج
حالياً في الكثير من بلداننا، في التوزيع السكاني، وانتشار ظاهرة
الأبنية الشاهقة، دون الأخذ بنظر الاعتبار التفاوت الثقافي، والفروق
الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد، يمكن أن يكون عاملاً ضد الثقافة
والتحضر في حياة الناس.
فقد جاء في أحد البحوث حول الآثار السلبية
للإسكان في العمارات الشاهقة: المعهود في المجمعات السكانية ذوات
الأبنية المرتفعة، والذاهبة صعوداً في السماء، أن ساكنيها لديهم ثقافات
مختلفة، وآداب وتقاليد خاصة بكل منهم مما ينجم عنه – في الأعم الأغلب –
عدم الانسجام وعدم القدرة على إيجاد روابط اجتماعية منطقية فيما بينهم،
وهذا بدوره يؤدي إلى التضاد الثقافي والتضاد السلوكي بينهم.. وفي
العادة يلاحظ في مثل هذه المجمعات غياب روابط الجيرة المناسبة، وحالة
الانزواء لدى العوائل بعضها عن البعض الآخر. هذا في حين تؤكد ثقافتنا
الإسلامية على أهمية وضرورة مثل هذه الروابط الإنسانية.
كما جاء في هذا البحث الجامعي: أظهرت نتائج
الأبحاث في الدول الغربية التي تمتلك تجربة بعيدة العهد في مجال السكن
داخل الأبنية الشاهقة، أن هذا النمط من التجمعات السكانية لا يناسب
بتاتاً الأسر الكبيرة. وبنحو الإجمال فإن العمارات السكنية العالية
تناسب فقط الطلبة الجامعيين، والأسر الصغيرة، التي تتألف عادة من زوجين
وطفل واحد أو طفلين لا أكثر.
هذا، وتطرق الباحثون إلى المشاكل الاجتماعية
والنفسية التي تترتب على السكن في العمارات المرتفعة، وأكدوا بأنه على
الرغم من أن الأبنية العالية تستوعب عدداً كبيراً من الأفراد وتعالج
جانباً من مشكلة قلة الأراضي، لكنها في نفس الوقت لها آثار اجتماعية
ونفسية سلبية غير قليلة. ومن المؤسف أن نمط السكن المطابق للثقافة
الغربية يولد أمراضاً نفسية وعصبية كثيرة للساكنين، ومن الخصائص
السلبية للعيش في الأبنية الشاهقة: التفاوت العميق بين الساكنين من
ناحية نوع العمل، والدخل، والتحصيل الدراسي... والذي غالباً ما يؤدي
إلى أزمات في العلاقات بين الأفراد، والتنازع حول الأطفال بسبب عدم
وجود الفضاءات المناسبة للعب، وبالطبع فإن هذه المشاكل تتفاقم في أيام
العطل المدرسية، وفضلاً عن ذلك عدم وجود الضوء الكافي داخل الغرف
والممرات، كما أن وجود الجدران الرقيقة للشقق السكنية يتسبب في انتقال
حتى الأصوات العادية، الأمر الذي له انعكاسات صحية ونفسية كثيرة على
الأفراد.. |