بوقت وصل فيه انتاج الإصدارات الثقافية إلى
مراحل متطورة سواء من حيث الطباعة أو التصاميم الموضوعة لها ومن ذاك
ظهور الكتاب الإلكتروني الذي يقرأ على شاشات الكمبيوتر أو الانترنيت
يوجد هناك جانب مظلم كأنه يعيش في عالم آخر وهو كراهية الدرس
والمدرسة وبالذات عند صغار الطلبة الذين يتسيبون من الدراسة بطريقة
لا تبدو خطيرة في نظر بعض المربين.
في البدء يمكن التنويه بأن افتقار أي بلد
للمعلمين يؤدي إلى تراجع فعلي في نوعية ودرجة التعليم وإلى انحدار في
المعايير التعليمية. ولعل من الإقرارات بهذا الشأن أن الحاجة الملحة
إلى المعرفة والمهارات الجديدة التي تزاداد يوماً بعد يوم هي عوامل
لا تشجع أبداً على التقدم بل وتهدد جودة التعليم ولو أضيف لذلك عامل
حشر التلاميذ في صفوف يصل عدد طلابها إلى مئة طالب أو ما يقرب من ذلك
لأمكن القول أن التعليم في مثل هذه البلدان التي تنتشر بها هذه
الظاهرة ستصبح في خبر كان من حيث مستوى التعليم فيها وكلها تؤدي إلى
نفور الطلبة من المدرسة.
وتظهر المعطيات الحديثة أن العديد من المناطق
النامية تبذل جهوداً لمواجهة تلكؤها الآنف الذكر الذي عادة ما يبرر
بوجود نقص في عدد المعلمين ويذكر أن ثلثي المعلمين عبر العالم البالغ
عددهم الإجمالي 59 مليوناً يقيمون ويعملون في البلدان النامية. وتشير
الإحصاءات الدولية أن نسبة التلامذة في المرحلة الابتدائية أعلى ثلاث
مرات من نسبة المعلمين في البلدان الأقل نمواً منها في البلدان
المتقدمة وهذا الخلل في النسبة ينعكس سلباً على عمليات التعليم وينفر
نفوس أولئك الطلبة غير الداركين تماماً لكيفية الظفر بمستقبل أفضل
لهم حيث تعجز سلطات التعلم عن حلها ومن النتائج العرضية لهذه المشكلة
تسرب الطلبة وترك مقاعد الدراسة وبالتالي خلق فئة اجتماعية تكون
السلطات التعليمية قد أغلقت أبواب الأمل في وجوههم لإكمال دراستهم
عبر تيسير ظروف الحياة الدراسية.
إن للجو الدراسي شروطه وتشير الدلائل أن
أغلبية الطلبة المتسربين يبقون بدون علم مدة طويلة ولعل من أخطر ما
يشعر به الطالب المتسرب أصلاً من المدرسة (عند الكبر) هو شعوره شبه
المؤكد بعدم الانتماء لوطنه، نتيجة للفشل المتكرر بحياته وأحساسه في
كثير من الأحيان بـ(الدونية) عن أولئك الذين قطعوا مرحلة دراسية
ناجحة وأصبحت تدر لهم عيشاً هنياً. وبهذا الصدد يشير تقرير لهيئة (اليونسكو)
حول التعليم في قارة أفريقيا: (ما زال التعليم والحصول عليه أمراً
شاقاً وصعباً فمن بين كل (10) أطفال هناك (4) لا يذهبون للمدارس
الابتدائية..) وجاء في التقرير أيضاً: (وحتى الذين ينخرطون في
التعليم الإلزامي... لا يحققون مستوى تعليمياً مرتفعاً، وذلك في
حوالي (21) دولة أفريقية) شملها تقرير المذكور، وفي العراق الذي فرضت
عليه ظروف الحصار الاقتصادي منذ زهاء عشر سنوات فإن (1) من بين كل
(4) أطفال يهجر المدرسة.
وفي تقرير مهم لـ(اليونسكو) صدر حديثاً تم
تحذير (70) بلداً من الإخفاق في تطبيق إعلان (التعليم لجميع المراحل)
ويجيء التشكيك عبر التقرير المذكور أنه وبعد مرور سنتين ونصف على
صدور هذا الإعلان إبان المنتدى الذي عقد حينذاك في (داكار) عاصمة
السنغال على اعتباره حلماً يبدو بعيد المنال إذ اثبتت التعاملات
لإظهار هذا المشروع إلى حيز التطبيق وجود العديد من العراقيل الفنية.
إذ جاء في التقرير أيضاً: (أن (57) بلداً ستفشل في تحقيق هدف التعليم
التمهيدي للجميع... كما أن (78) بلداً ستحقق في تطبيق تخفيض نسبة
الأمية) ولكن التقرير المذكور لم يشر فيما إذا كان عدد الأميين في
البلاد العربية من ضمن البلدان الـ(78) خاصة وأن التقرير الاقتصادي
العربي الموحد الصادر مؤخراً عن الجامعة العربية قدر عدد الأميين في
العالم العربي بزهاء (28) مليون شخص..، إذ جاء في التقرير أن معدلات
الأمية تتركز في خمس دول هي مصر والسودان واليمن والمغرب وموريتانيا.
إن نوعية التعلم في البلاد النامية عموماً
والعربية والإسلامية منها والمعتمدة على طريقة التلقين هي وسيلة غير
مشجعة لتعويد الطالب على التحرك نحو البحث والإبداع. ولعل في توجيه
الطلبة للخضوع لسلطة التعليم التي يرافقها نوع من التعامل اللامسؤول
أحيانا من قبل المعلمين مع الطلبة كالغرب مثلاً تضعف من درجة استعداد
الكثير من الطلبة للاستمرار في إكمال المشوار الدراسي. وبشكل إجمالي
يمكن القول أن التحولات الجذرية في حياة أي مجتمع تحتاج إلى المعرفة
العلمية والإنسانية كضرورات لا بد من تحقيقها لمن ينشد حياة أفضل.
|