الطفل.. هذا المخلوق البريء والضعيف بين كبار
بني البشر يتعرض اليوم لتجاهل مقصود لمعاناته ولا أحد يلتفت لوقف تلك
المعاناة من جوع وخوف وكآبة وضياع وتبدأ فصول القصة حين يشعر الأطفال
بدايةً بعدم التعامل بحميمية من قبل الأهل معهم وتأتي الخطورة بعد ما
يصبح الطفل واعياً ومدركاً لما يحيط به وهو يتخطى مرحلة صباه بخطوات
مرتبكة حيث يتجاهله المحيط وتتراكم في ذهنه العديد من الأسئلة التي
لا تجد ردوداً عليها وإذا ما رافق ذلك تردي الحالة المعاشية عند
عائلته فإن النتائج تكون أكثر سوداوية على حياته.
غالباً ما يغض أولياء الأمور الطرف عن مشاكل
أطفالهم على خلفيه الاعتقاد بأن مشاكل الأطفال سوف تنتهي لمجرد
بلوغهم سن الرشد ومن الثابت علمياً أن بذل العناية الكاملة في تربية
الأطفال عنصر مهم في إرساء أفضل قواعد السوية لهم ومبادئ الاخلاق،
كما هو مجرب، ويمكن أن تعطي مردودات عظيمة في الوقاية من أحداث كثيرة
يمكن تلافيها من قبل الأطفال في أحيان كثيرة إذا ما استوعبها الأطفال
بقدر طاقاتهم النفسية والجسدية على قدر نسبة تلك الطاقة المتوفرة
لديهم. ومن المؤكد أن الاطلاع على عينة من الأطفال يختلف نمط حياتهم
وظروفهم عما لغيرهم يوصلنا بآن واحد إلى أن هناك حالة من التفشي
النوعي هنا وهناك ومما يفهم في هذا المجال أن الوسط العائلي الميسور
الذي يعاني الأطفال فيه من مشاكل هي غير تلك التي يعانون منها حين
يكونون في وسط عائلي معسور، إذ تعج اليوم الأوساط الاجتماعية
المتشابكة من حيث التواجد في المدينة بما لا يمكن تجاهله فالأولاد
المدللون للحالة الأولى حيث يترك لهم اختيار السلوك منذ الصغر وتقل
مسائلتهم عن أمور جانبية عديدة كالعناد والحصول على ما يريدون بسهولة
مشهودة ينعكس ذلك سلبياً عليهم فيصبحون أناساً متكئين في عيشهم على
الغالب لمن يستطيع أن يمد لهم يد المساعدة أما في الحالة الثانية
فالأولاد الذين يعيشون متأثرين بوسطهم العائلي الصعب حيث صعوبة
استحصال الرزق فإن ضريبة الحياة تكون عليهم غالية جداً وفي معظم
الأحيان يضيع عليهم مستقبلهم وتظلم أيامهم. إذا تساهل أو تشدد معهم
الأهل، فلكل منهما مردوده الإيحابي والسلبي على كل طفل. وعلى ضوء ذلك
تتحدد قوة التماسك العائلي لهذه العائلة أو تلك مع التنويه أن للظروف
الاقتصادية الدور الأول في تعزيز أو تخريب الوشائج الشخصية
والمصيرية بين أفراد العائلة الواحدة.
إن توزيع الثروات العظيمة في العالم قد أدى
بحسب إحصاء كان قام به (الدكتور غرو هارلم بروندلاندم) مدير عام
منظمة الصحة العالمية مخصص لما أفرزته السنة الماضية 2002 حيث بين
حقيقتين مذهلتين عن الطعام إذ جاء فيه: ( أن مليار شخص راشد في
العالم يعانون من الوزن الزائد وإن (170) مليون طفل يعانون من
المجاعة.. وان ما لا يقل عن (300) مليون شخص راشد في أمريكا الشمالية
وأوروبا الغربية يعانون من البدانة من بينهم نصف مليون شخص سوف
يموتون حتى نهاية هذه السنة 2003 مما تسببه لهم من أمراض لها علاقة
بالسمنة المفرطة). فأين كل هذا مما يتحسر عليه المجتمع الدولي من
استمرار لعبة التحكم السياسي الدولي بمصير البشر الذين يعصف بهم
الجوع فيضطر الملايين منهم إلى القبول بالتنازل عن الكثير من حقوقهم
وبالذات الأطفال.
لقد وعت الدول الكبرى (وهكذا تسمي نفسها) منذ
سنين طويلة خلت أن الرعاية النفسية الكاملة للأطفال تجعلهم أناساً
أسوياء لا يقبلون الاعتداء أو مصادرة حقوق غيرهم وهذا ما يتنافى مع
توجهات أغلب تلك الدول التي تملك تجربة في هذا المجال، فمن خلال
إحصائيات أجريت في القرن الثامن عشر الميلادي وجد فيها: (إن فرصة
حياة الأطفال في العاصمة البريطانية (لندن) تصل لزهاء (50%) فقط
محتسباً بعد اليوم الخامس من الميلاد.) هذا في الجانب الصحي أما في
الجانب النفسي والأخلاقي والاجتماعي فيشير تقرير آخر بأنه: (كان
الأطفال في أوروبا حتى عهد قريب يعانون من التعذيب والقتل والاغتصاب
والتشرد لكثرة الأطفال غير الشرعيين وقد استخدم الأطفال في الأعمال
وبالأجر البسيط ولعدد طويل من الساعات)، ومن ثم بدأ التفكير في تخصص
الطب النفسي للأطفال، والمفكرون البرجوازيون يحاولون أن يستفيدوا من
تلك التجربة المريرة التي تعرض لها الأطفال في بلدانهم الغربية
ويحاولون اليوم حث بعض الجهات والأفراد لإحياء تلك المقترفات التي
يندى لها جبين الإنسانية ليطبقوها في بلدان أخرى غير بلدانهم وعلى
أطفال آخرين غير أطفالهم.
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحاول أن
تتفادى الواقع المزري الذي يتعرض له الأطفال من انتكاسة أو غمط
حقوقهم وبهذا الصدد يمكن الإشارة بأن المفوضية قد بلغها أن موظفي
وكالات الإغاثة وجنود حفظ السلام يستغلون حاجة أطفال اللاجئين
لإجبارهم على ممارسة الجنس، والرفض قد يعني موت الأطفال جوعاً. لذلك
فإن فريقاً تابعاً للمنظمة الدولية يحقق حالياً في وقائع تشير إلى أن
عمال الإغاثة في غرب أفريقيا يطلبون ممارسة الجنس مع الأطفال
اللاجئين مقابل منحهم حصص الطعام المخصصة لهم من قبل الدوائر المختصة
في الأمم المتحدة!.
ويقولون تقرير أصدرته بهذا الشأن المفوضية
العليا لشؤون اللاجئين المذكورة: (يبدو أن العنف والاستغلال الجنسي
للأطفال ممارسة شائعة في المجتمعات التي تمت زيارتها وان المتورطين
فيه يمثلون كافة المستويات بما في ذلك الذين من المفترض أنهم يقومون
بحماية نفس الأطفال الذين يقومون باستغلالهم).
ومما جاء في التقرير: (ووجه الأطفال الذين تم
سؤالهم اتهامات ضد (67) فرداً من اكثر من (40) منظمة، بينها موظفو
وكالات الإغاثة ومنظمة حفظ السلام)، وصرح (دومينيك بارتش) المتحدث
باسم مفوضية اللاجئين في نيروبي بأن فريق التحقيق التابع للأمم
المتحدة قد توصل إلى (أن معظم الضحايا من الفتيات اللائي تتراوح
أعمارهن بين (13) و (18) سنة، حسبما جاء في التقرير الذي أعد بناء
على 1.500 مقابلة أجريت في الدول الثلاث (ليبريا غينيا، وسيراليون)
خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين أي في سنة 2002م.
وقيل أن معظم مرتكبي هذه الأعمال من الموظفين
المحليين بوكالات الإغاثة، لكن الأطفال اتهموا أيضاً موظفين حكوميين
محليين ومدرسين وجنود حفظ سلام تابعين للأمم المتحدة، وقال بعض
الأطفال إن جنود حفظ السلام أجبروهم على اتخاذ أوضاع مختلفة للتصوير
وهم عرايا. وأكد التقرير (أن ما يتمتع به جنود حفظ السلام من نفوذ
وغنى وجاه يبيح لهم القدرة على عمل ما يحلو لهم).
يذكر أن الحروب الأهلية والصراعات الدموية
خلال العقد الماضي جعلت غينيا ونيجيريا وسراليون بين أكثر الأماكن
بؤساً على وجه الأرض ويعيش نحو (600) ألف نسمة كلاجئين في البلدان
الثلاثة، كما أن (700) ألف آخرين يعيشون مشردين داخل بلدانهم ومعظم
هؤلاء يعيشون في ظل ظروف بائسة داخل أكواخ صغيرة مغطاة بحصائر من
البلاستيك بلا وظائف ودون أرض للزراعة وفرصهم في العودة إلى الوطن
ضئيلة.
وقال التقرير في خلاصة معلوماته: (إن فقر
اللاجئين المدقع وهوانهم، مقترناً بنفوذ وثراء موظفي الأمم المتحدة،
هو من العوامل الرئيسية التي تسمح بالاستغلال الجنسي). ومضى التقرير
إلى القول: ( إن الجنس صار بمثابة آلية للبقاء بالنسبة لكثير من
عائلات اللاجئين، ويشعر الأطفال بأن الاستسلام للمطالب الخاصة بالجنس
هو في الغالب خيارهم الوحيد كي يتمكنوا من الحصول على الطعام وغيره
من المواد الأساسية ولكي يدفعوا مصاريف التعليم). وقالت إحدى
المراهقات في ليبريا للباحثين: (أنهم يستخدمون الطعام كطعم
لممارسة الجنس معهم). ويعلق أحد رؤساء مجمع اللاجئين في غينيا: (إن
موظفي المنظمات غير الحكومية يمتلكون سلطات واسعة تجعل الناس تصدق
أنهم أشخاص مهمون حقاً وان المجتمع لا قبل له بتحديهم). والسؤال هو
أي شيء يرتجى من حماة دوليين يدعون بلا أدنى حياء أنهم في مهمات
إنسانية ويغيثون المحتاجين ويحفظون حياتهم؟!.
|