من الإبادة إلى الندم عبارة تلخص التاريخ
الأسود للاستعمار الأوروبي، والفرنسي في البلاد العربية وعمليات
الابادة في الجزائر، وتجارة الرقيق في افريقيا التي طالبت 14 مليون
افريقي وأفريقية. ويصدر في فرنسا الاسبوع الحالي الكتاب الاسود
للاستعمار.
وهذا الكتاب الضخم الذي تضمن مساهمات نحو
عشرين مؤرخا تحت اشراف المؤرخ المعروف مارك فيرو يحمل العنوان الفرعي
«من القرن السادس عشر الى القرن الحادي والعشرين : من الابادة الى
الندم». وهذا الكتاب الذي يأتي بعد «الكتاب الاسود للشيوعية» يقدم
تحليلا للمراحل والاليات التي حكمت الاستعمار في كل مناطق العالم حيث
فرض.
وقال مارك فيرو ان الامر يتعلق «بحصيلة تثبت
احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 واحداث الجزائر ومظاهر الندم التي
برزت اخيرا في فرنسا انها اكثر من اي وقت مضى في صلب الاحداث الانية
التي نعيشها اليوم».
ونجم عن الاستعمار عمليات ابادة في الكاريبي
وفي استراليا وفي اميركا الشمالية. كما ان حركات التحرر في الجزائر
او في فيتنام تحولت الى حروب مدمرة. والاستعمار يعني ايضا العبودية
اي نفي 10 الى 14 مليون رجلا وامراة بعيدا عن اوطانهم. وفي نفس
الاطار تميز القرن التاسع عشر وهو عصر الثورة الصناعية ب «بتصاعد
الاستغلال الاقتصادي للمجتمعات المستعمرة ليصبح منهجيا». ويكشف هذا
الكتاب ايضا ان عنف الاستعمار لا يصدر عن الغرب فحسب.
فهذا العنف موجود في العالم العربي وفي الدولة
العثمانية. كما ان روسيا ثم بعدها اليابان وتحت شعار «التوسع
الاقليمي» «لم يفعلا شيئا غير انشاء نظام يرتكز على الاستغلال او على
انكار وسلب الهوية الوطنية». وبحسب هذا الكتاب ايضا فان « في رواندا
والتشاد والسودان تخلصت الشعوب من المستعمرين الاجانب ولكن استعمارا
دون مستعمرين خلق طائفة جديدة من القادة هم اقلية في بلادهم الا انهم
ربطوا مصالحهم بالقوى المصرفية الدولية، ما جعل هذه البلدان تابعة
سياسيا واقتصاديا الى قوى مجهولة وغير محددة». «الكتاب الاسود
للاستعمار» منشورات روبار لافون، 844 صحفة.
وكان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو قد
اعترف بان تاريخ بلاده الاستعماري مسؤول عن العديد من المشاكل
الراهنة في العالم اليوم .
وقال سترو في مقابلة مع صحيفة (نيو ستيتمان)
ان العديد من المشاكل التي نواجهها الان والتي اضطر للتعامل معها
هي نتيجة تاريخنا الاستعماري.
وضرب الوزير البريطاني الذي يهوى التاريخ
والاحداث التاريخية بعض الامثلة ليبرهن من خلال بعض الازمات الراهنة
التي يمكن ارجاع جذورها الى الاستعمار البريطاني.
وابلغ الصحيفة قائلا في الهند وباكستان قمنا
بأغلاط كبيرة للغاية..لقد ساهمنا بما حدث في كشمير حيث لم يعلن عن
الحدود الا بعد مضي يومين على الاستقلال..انها رواية سيئة بالنسبة
لنا..والنتائج لا تزال هناك.
واضاف سترو وفي افغانستان مارسنا دورا اقل
من المشرف عبر قرن ونصف من الزمان.
كما اعتبر ان دور بريطانيا في ميلاد النزاع
العربي الاسرائيلي لم يكن مشرفا تماما.
ولكن انهاء الاستعمار الاوربي وخصوصا
البريطاني ومحاولة اخفاء معالمه في القارتين الاسيوية والافريقية
لم يفلح في تحسين صورة اوربا والعرش البريطاني امام المجتمع
الدولي فمازالت ايرلندا تمثل جرحا غائرا في خاصرة المملكة المتحدة
وتشكل تحديا مؤرقا للخروج من ازمة العنصرية التي تلاحقها على مر
العصور.
وقد اصبحت معظم المستعمرات تاريخا واضحت
ممارساتها ضد الشعوب رمادا لا اثر له باستثناء بريطانيا التي مازالت
تعاني عقدة الماضي وهموم الحاضر في ان واحد بسبب القنبلة الموقوتة
المسماة ايرلندا.
|