تعرف اللغة عند بعض علماؤها بأنها وعاء الفكر
والاهتمام باللغة الوطنية لمجتمع ما هو اهتمام بحياته ذاتها وعقول
المجامع اللغوية في العالم تسهر على حفظ أروقة لغاتها لأنها تمثل
أسمى رابطة لدى البشر إذ كيف يمكن تصور العالم لو كان أناسه بلا لغة
يتكلموها؟!
* قليلاً من التأمل مع اللغة
الإنكليزية
انتشار اللغة الإنكليزية في أطراف العالم تسبب
بخلق أشكال جديدة من النطق بها وغالباً ما يكون النطق بها نابعاً من
التعبير عن طريقة تلفظ أصوات متعلميها الجدد الذين ينقلون موسيقى
لغاتهم ولهجاتهم المحلية عند التلفظ بالمفردات إذ يلاحظ مثلاً أن
المواطن الهندي الجنسية على سبيل المثال ممن لم يدرس الإنكليزية في
بلد ينطق بها كبريطانيا مثلاً فرغم وضوح لفظه على كونه يتكلم بمفردات
وجمل وعبارات إنكليزية يمكن التعرف دون عناء كبير لمن يجيد
الإنكليزية ولو بدرجة مقبولة إلا أنه أمام مواطن هندي يتكلم
الإنكليزية بطلاقة ولكن بنبرة هندية.
ولما كان المنحدر الاجتماعي لمتكلمي
الإنكليزية هم من غير المتواجدين على أرض يتكلم أصحابها اللغة
الإنكليزية التي تبقى ضمن أعراضهم على كونها لغة أجنبية فإن هناك
رأياً لغوياً قد تبلور حديثاً، مفاده من كون متحدثي الإنكليزية أمسوا
يبدعون أشكالاً جديدة من اللهجات قد تتطور إلى لغات. فقد أعرب خبراء
اللغة في آخر مؤتمر عقد مؤخراً بمدينة بامبرغ في ألمانيا قالوا: (أن
اللهجات والأشكال الإقليمية المختلفة للغة الإنكليزية قد تتطور يوماً
ما لتصبح لغات أساسية منفصلة عن بعضها البعض).
وبالصدد الآنف المتعلق بلهجات إنكليزية تنطق
خارج بلدانها الرسمية قال (فولفغانغ فيريك) رئيس الجمعية العالمية
لأساتذة اللغة الإنكليزية خلال المؤتمر السنوي الآنف الذي يحمل تسلسل
المؤتمر – الثامن عشر – (أن لهجات اللغة الإنكليزية تتطور كلغات
منفصلة عن بعضها البعض برغم نشاطات العولمة) واضاف (فيريك) أن تطور
لهجات الإنكليزية يشبه تطور اللغات المشتقة عن اللاتينية.
أكيد أن هناك مصاعب في الفهم يتلقاها البعض
عند أشخاص يتكلمون الإنجليزية، الأفريقية، الإنكليزية، والهندية،
وبهذا المعنى يقول فريك: (لا يوجد حالياً في الأفق لغة أخرى جديدة في
العالم يمكن أن تهدد مكانة اللغة الإنكليزية كلغة عالمية، ولا تعد
لغة الاسبيرانتو المخترعة تهديداً لها) ومعلوم أن زهاء (10 – 15)
مليون شخص فقط بكافة أنحاء العالم يتكلمون بالاسبيرانتو هذا في حين
يتكلم الإنكليزية حالياً ما بين (350) مليون إلى مليار شخص ولكن
بدرجات متفاوتة من الإتقان والطلاقة بحسبما تشير لذلك (الجمعية
العالمية لأساتذة اللغة الإنكليزية).
ويستمر (فيريك) معرباً عن رأيه الشخصي دون أي
تحفظ حول مناسبة طرح مثل هذه الأفكار إذ يقول: (نحن لا ندعم هيمنة
الإنكليزية على الاتحاد الأوربي المشكل من (15) دولة) ويصرح بصوت عال:
(أتمنى ألا يأتي اليوم الذي تصبح فيه سياسة (الإنكليزية فقط) معممة
في كافة أنحاء أوروبا).
* الألبان يقدسون لغتهم
الألبانية
تحتل قضية الاعتراف باللغة الألبانية لدى
المواطنين من أصل ألباني المتواحدين في دول مقدونيا أهم مطلب عندهم
باعتبارها تشكل رمزاً ضمنياً لهويتهم الوطنية التي لا يرغبون بنكرها
أو التنكر لها لمجرد وجودهم في بلد آخر غير ألبانيا وعلى اعتبار آخر
مغاير أن ذلك مطلب تقره لائحة حقوق الإنسان وأن عدم اعتراف دولة
مقدونيا بلغة أولئك الألبان الوطنية هي من باب فتح نار الصراع
الثقافي على اللغة الألبانية ومحاولة سحب الاعتراف منها بصفتها لغة
تواصل فضلى بالنسبة إليهم.
ووفقاً لتقرير أصدرته مؤخراً (جماعة الأزمة
الدولية) التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، فإن حصول الالبان على
اعتراف بلغتهم سيجعلهم في وضع متساوٍ مع الأغلبية المقدونية هذا
ويطمع الألبانيون في مقدونيا أن يروا لغتهم الألبانية مستخدمة في
التعاملات الرسمية والمحلية وهذا حق ثابت من حقوقهم الثقافية خصوصاً
وأن دول غربية معينة تعتمد تداول أكثر من لغة بين مجتمعاتها كما هو
الحال في كندا وبلجيكا وسويسرا.
* تقهقر اللغات المحلية بسبب
ظاهرة العولمة
قالت دراسة رصينة أشرف عليها برنامج الأمم
المتحدة للبيئة نشرت مؤخراً أن )(50%) من اللغات المحلية المنتشرة في
العالم معرضة للزوال، وجاء في الدراسة أيضاً أن بعض الدراسات تقدر
عدد اللهجات المحكية في العالم بما يتراوح بين (5) و(7) آلاف لهجة
بينها ((4) إلى (5) آلاف لشعوب أصلية لكن هناك أكثر من (2500) لغة
مهددة بالاختفاء فوراً وكثيراً منها يفقد رويداً رويداً صلاته مع
الطبيعة).
وأكد الخبراء (أن 234 لغة أصلية معاصرة أختفت
كلياً) وحذروا من أن (90%) من اللغات المحكية في العالم سوف تختفي
خلال هذا القرن.. الحادي والعشرين.
وعن علاقة اللغات بالبيئة التي تشكل الحفاظ
عليها، إحدى غايات برنامج الأمم المتحدة للبيئة حيث يسود الاعتقاد (أن
أسرار الطبيعة التي تتضمنها الأغاني والقصص والفن والصناعات الحرفية
لدى الشعوب الأصلية قد تختفي إلى الأبد بسبب ظاهرة العولمة المتصاعدة
في جميع المجالات).
ومما وثقته الدراسة الآنفة (أن حوالي (32%) من
اللغات المحكية في العالم موجود في آسيا و(30%) في أفريقيا و(19%) في
حوض المحيط الهاديء، و(15%) في القارة الأمريكية و(3%) في أوربا.
ففي توزيع أعداد اللغات المحكية في العالم
أفرزت الدراسة المذكورة هذه الأرقام بحسب كل بلد: (غينيا (847 لغة)
أندونيسيا (655) لغة نيجريا (376) لغة، الهند (309) لغة، أستراليا
(261) لغة، المكسيك (230) لغة، الكاميرون (201) لغة، البرازيل (185)
لغة، الكونغو الديمقراطية (158) لغة، والفيلبين (153) لغة، فسبحان
الله الذي جعل الناس مختلفين في ألوانهم ونطق ألسنتهم.
|