عاد موضوع الاستنساخ البشري من جديد إلى
الأضواء وصدارة وسائل الإعلام العالمية المقروءة والمسموعة والمرئية،
وعاد ليثير الكثير من التساؤلات والنقاش حول مدى حقيقته العلمية
والطابع الأخلاقي له، ثم عاد ليكون محل جدل وبيان رأي من قبل رجال
الاديان السماوية، المسلمين منهم والمسيحيين.
جرى ذلك بعد أن أعلنت الدكتورة بريجيت
بواسلييه (Brigitte Boisselier) الفرنسية الجنسية والتي ترأس شركة
كلدن أيد الأمريكية التي ترتبط بفرقة دينية جديدة غريبة الأفكار
والتوجهات تسمى (الرائيليين)، نسبة إلى اسم زعيمها الصحافي السابق
كلودفور يلهون الذي أطلق على نفسه اسم (ارائيل).
أعلنت عن خبر نجاحها عن ولادة أول طفلة عن
طريق الاستنساخ سميت (ايف) (حواء) من خلايا امرأة أمريكية في الحادية
والثلاثين من عمرها وهي التي قامت بحملها وولادتها.
وقالت جماعة الرائيليين التي تتخذ من كندا
مقراً لها ويقدر عدد أعضائها بنحو 55 ألفاً أن الاستنساخ مجال للجمع
بين العلم والمعتقدات الدينية المؤسسة على تعاليم المخلوقات الفضائية.
يعود تأسيس تلك الجماعة إلى يوم 13 كانون
الأول ديسمبر من عام 1973م في فرنسا، حيث وقف وقبل ما يقرب من 30
عاماً الصحافي الفرنسي المتخصص بالرياضة كلود فوريلهون على قمة بركان
خامد في فرنسا ليبدأ حركة تقف الآن وراء ما يمكن أما اعتباره تطوراً
علمياً مثيراً أو خدعة كبرى ويزعم هذا الدعي أنه التقى ست مرات مع
مخلوقات قادمة من الفضاء عند البركان وأسس بعد هذه اللقاءات ديانة
تستند إلى الاعتقاد بأن مخلوقات الفضاء خلقت البشر من الاستنساخ منذ
25 ألف عام.
ويعتقد البعض بأنه وبغض النظر عن فيما إذا كان
ما أعلنته كلون أيد صحيحاً أم مختلقاً فأن استنساخ البشر قادم لا
محالة، فلقد قامت شركة أمريكية هي (Advanced cell Technolog) في
العام الماضي، بصنع أول جنين بشري مستنسخ، وهناك اليوم يوجد مجموعة
من الأطباء والعلماء ومن اللاهثين نحو تحقيق أول استنساخ بشرين بهدف
الشهرة والمال وأشهرهم في هذا المجال هو إخصائي العظام الإيطالي
سيفرينوا نتينوري (Severino Antinori)، الذي يزعم أن طفله المستنسخ
سيولد الشهر المقبل.
كانت أول حلقات الاستنساخ قد بدأت مع نجاح
الاسكتلندي إيان ويلمت في استنساخ النعجة دولي في تموز (يوليو) من
عام 1996م والتي بدأت تظهر عليها علامات تشوه وراثي رغم مظهرها
الخارجي السليم كما أن العلماء يقولون بأن نجاح عملية استنساخ واحدة،
يتطلب عدداً هائلاً من المحاولات التي ينتج عنها موت معظم الأجنة، أو
ولادتهم مشوهين بشكل فظيع.
ولذلك فقد أثار إدعاء الدكتورة الفرنسية
بريجيت بواسلييه ردود فعل متباينة تتراوح ما بين الانتقادات الحادة
والتشكيك في صحة ولادة الطفلة المستنسخة، كما أثارت من جديد العديد
من التساؤلات حول شرعية وعدم شرعية عملية الاستنساخ فلقد قال راندال
بريدز، أستاذ تكنولوجيا التناسل الحيوية بجامعة (ميسوري) أنه لا بد
من فحص البصمة الوراثية لخلايا الطفلة ومطابقتها ببصمة الوالدة،
للتأكد أنها فعلاً مستنسخة وأضاف ريدز متسائلاً: هل هذا ممكن في
البشر.. ربما، هل شهدنا مشكلات في استنساخ الحيوانات الأليفة.. نعم.
هل نفهم سبب هذه المشكلات.. لا.. لذا يجب علينا ألا نفعل ذلك!!.
أما الجهات الدينية والحكومية، فقد اختلفت
الأسباب التي تدعوها لرفض الاستنساخ البشري والقبول به، فالبعض يرى
فيه انتهاكاً للكرامة البشرية والعقيدة الدينية التي تنص على حصر
مسألة الخلق بيد الله والبعض الآخر ينطلق من المشاكل الفيزيولوجية
والنفسية وصولاً إلى رفض الاستنساخ لأنه يتناقض مع الطبيعة فهو نتاج
جنس واحد وليس زواجاً بين جنسين.
وقد اعتمدت الفتوى التي أصدرها مجلس مجمع
البحوث الإسلامية في الجامع الأزهر بالقاهرة على تقرير علمي أصدره
معهد روزلين في ادنبرة (اسكتلندا) حيث ولدت النعجة دولي، حذر فيه من
مخاطر استنساخ كائن بشري.
فاعتبرت الفتوى أن الاستنساخ يعرض الإنسان
الذي كرمه الله لأن يكون مجالاً للعبث والتجربة وإيجاد أشكال مشوهة
وممسوخة!!.
والى ذلك أيضاً ينطلق رفض الفاتيكان وغيره
للاستنساخ من كونه يؤدي إلى (قتل الحياة) بسبب وفاة عدد كبير من
الأجنة.
وبالرغم من أن مجلس النواب الأمريكي أقر مسودة
قانون لحظر جميع عمليات الاستنساخ العام الماضي، إلا أن مجلس الشيوخ
لم يقر مسودة القانون ولم تصبح المسودة قانوناً.
وفي نفس السياق قال ليون كاس رئيس مجلس الرئيس
الأمريكي للأخلاق الحيوية أن الاستنساخ البشري عمل غير أخلاقي ويجب
أن يحرم دولياً وكان متحدث باسم البيت الأبيض قد أعلن في وقت سابق أن
الرئيس جورج بوش الأبن وجد الإعلان عن الاستنساخ (مزعجاً جداً) وأضاف
المتحدث أن النبأ يؤكد ضرورة سن قانون يمنع الاستنساخ البشري.
ويقول ريتشارد بلاك المراسل العلمي في الـ
B.B.C أن معظم العلماء يشككون بقدرة شركة (كلون أيد) على استنساخ طفل
بشري، وأكد أن الشركة تعتزم الحصول على 200 ألف دولار على كل طفل
مستنسخ، وتلك هي الحقيقة الوحيدة في هذا الموضوع، تلك التي تؤكد على
لا أخلاقية التطبيقات العملية لاستخدام العلوم والتطور التكنولوجي في
الغرب، حيث تكون الغاية الأولى والأخيرة هي جني الأموال الطائلة،
لتحقيق الثراء السريع على حساب كل القيم والمعايير الأخلاقية ودعوات
الأديان وتوجهات المجتمعات البشرية للحفاظ على العلاقات الإنسانية
التي تنسجم مع الطبيعة البشرية.
وقبل أن نختم تقريرنا لابد لنا من أن نطلع على
الرأي الفقهي للمرجعية الدينية الشرعية كما جاءت في فتوى للإمام
الشيرازي الراحل بخصوص الاستنساخ البشري، فقد أجاب سماحته (رحمه الله)
على سؤال عن جوازية عملية الاستنساخ البشري، بما يلي:
(بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته..
الأصل الجواز إلا أن يكون محذور شرعي في ذلك
مثل اختلال النظام)
والمقصود بالمحذور الشرعي: أن يقوم الفرد أو
الجماعة بعمل يترتب عليه انتهاك الضوابط الشرعية التي وضعها الله
تعالى للمجتمع.
كما أن اختلال النظام يعني: أن يقوم الفرد أو
الجماعة بعمل يترتب عليه اضطراب الوضع الاجتماعي والإخلال بالنظام
الطبيعي الذي ارتضاه الله سبحانه للمجتمع.
كما قمنا باستفتاء المرجع الديني آية الله
العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله حول مسألة الاستنساخ
وارسلنا له هذا السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد
صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)
ما هو رأيكم بخصوص مسألة الاستنساخ البشري،
التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، بعد أن تناقلت الأخبار
العالمية خبر يفيد بقيام شركة اميركية باستنساخ إنسان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب : الاستنساخ هو في نفسه اكتشاف علمي
وجائز ولكن حيث انه يستلزم اموراً غير جائزة مثل اختلال النظام
الطبيعي ووجود المحذور الشرعي فيسري عدم الجواز اليها ، فهو فعلاً في
هذه الاطر المعاصرة غير جائز ، والله العالم .
|