التحديق في عيون الآخرين قد يكون فراسة نادرة
عند المهرقين لمعرفة شيء ما يتعلق بمدى
التأثر النفسي اللامعلن عند الفرد المقابل أثناء لحظة النظر، إذ أن
العين تعكس في أحيان كثيرة ما يجول بخاطر صاحبها من درجة المصداقية،
ويمكن الوصول لذلك من خلال المحادثة بين شخصين أو أكثر، للوقوف على
معاني النظرات التي من خلالها يمكن تفسير سر مخبوء لم ينطق به اللسان.
فعلاقة الاتصال البصري بين الأفراد هي أكثر
مضاءً، للكشف عن الأحوال حين يكون الكلام محظوراً، فكم وكم توفرت
القناعة لدى المرء الناظر في عيون شخص يبدو مرحاً، وفسر أن حزن عميق
في داخل نفسه بادياً في معناه تماماً من خلال ما تقوله عيونه.
واليوم في عصر التكنولوجيا الذي أصبح يتخطى
المسافات بسرعة هائلة ويقرب البعيد، فإن التحديق أحياناً في عيون
ملقي الكلام على شاشات التلفزة، يؤدي إلى كون درجة الاتصال البصري مع
عينيه ما حال فيه من المشاركة الوجدانية التي لا يمكن إلا أن يشعر
بها. وخصوصاً حين تكون المصداقية في كلام المتكلم على الشاشة أمراً
يمتاز ببديهة المعلومة الصحيحة، فيأتي التأثر مما يبثه جهاز
التلفزيون عبر بعض المتكلمين من منبر شاشاته، وفي هذا الصدد قام (الدكتور
رويل فرتيجال) الخبير في علوم الحاسوب بدراسة كان الهدف منها، تحديد
ما إذا كان التحديق في عيون الآخرين أمراً محبذاً، لأجل التيقن من
وجود علاقة قوية بين كمية الاتصال البصري بين شرائح الناس، ودرجة
مشاركتهم أفراداً وجماعات في تحديد الاتصال أو عدمه مع شاشات التلفزة.
ومما ثبته (الدكتور فرتيجال) أنه قسَّم
التحديق في عيون الآخرين إلى نوعين، صنّف الأول منهما فسماه
بـ(التحديق المتزامن) وأطلق على الصنف الثاني تسمية (التحديق العفوي)
وعلى خلفية الدراسة المشار لها التي تستهدف على المدى القريب والبعيد،
أهمية التوجه لتصميم أجهزة الاتصال المستقبلية بما فيها المتوجهة
فيها نحو المساهمة أكثر في مجال توفير إدارة إلكترونية ناجحة في
قاعات المؤتمرات المنقولة الوقائع عنها عبر أجهزة التلفزيون
والاستخدام الأمثل لتسهيل التفاعل بين مجاميع المؤتمرين، بما في ذلك
الهواتف الخليوية النقالة، وكيف ينبغي أن تعمل داخل قاعات المؤتمرات،
ولا تترك انشغالاً يؤثر على الآخرين من غير حامليه.
ويمكن أن تكون النظرة أحياناً قاتلة، فهناك
مخطوطات سومرية عثر عليها في العراق يرجع تاريخها إلى (3) آلاف سنة،
مدون عليها قصة (ارشكيجال) آلهة العالم السفلي التي استطاعت أن تقتل
(إنانا) آلهة الحب فقط بالنظرة القاتلة! وهذه الواقعة القديمة التي
يرجع تاريخها إلى ما قبل ظهور الأديان السماوية الثلاث، هناك ما
يشابه معناها كما هو ملموس الآن، من عموم العلاقات الاجتماعية في
المنطقة العربية، حيث أن التحديق المزدري أحياناً في مكان محدد من
الآخرين، كأن تكون النظرة نحو عموم هيئة الشخص المقابل، فهل أن
المعرفة العلمية قد وصلت إلى ضرورة تعميق فهم الكثير مما يمكن أن
تجليه وظائف الاتصال الناجحة عن السلوك البصري الأشاري؟ والجواب
بالإيجاب هو الذي بدأ.. فبلاغه لغة العيون تبقى هي الأكثر تعبيراً
أحياناً من أي كلام لتعطي المعاني بصمت وهدوء، رغم أن ذلك لا يشعر به
أي نطق باللسان.
|